نادية عبدالملك-مثلت الزيارة التي قام بها الأمير مولاي رشيد شقيق العاهل المغربي في الاحتفال الذي نظّمته الرئاسة التونسية يوم الجمعة الماضية، بمناسبة إقرار الدستور الجديد – رسالة قوية وواضحة عن مدى التضامن الكبير الذي تبدية المغرب ملكا وحكومة وشعبا تجاه الشعب التونسي الشقيق في مختلف المراحل والتحولات التي يشهدها, كما حملت الزيارة دعما قويا للمسار السياسي الذي تشهده الجمهورية التونسية التي تتشارك مع المغرب في الانتماء لفضاء المغرب العربي.
فحضور وفد رفيع المستوى ممثلا بشقيق الملك محمد السادس في هكذا مناسبة يؤكد استعداد المغرب للتعامل مع المسار الذي اختاره الأشقاء بتونس، بعيدا عن اية تدخلات في الاختيارات السياسية، ودون اتخاذ أي موقف معاد لما استقر عليه توافق التونسيين في هذه المرحلة من تاريخهم .. كما ان هذه الزيارة تعتبر تعبيرا عن احترام المملكة الغربية وتقديرها ودعمها للتجربة الديمقراطية التونسية، وتأييدها ايضا للتونسيين على رفضهم لكل أشكال التطرف والعنف والإرهاب, وكذا تثمينها للانموذج التونسي الذي استطاع ان يغلب المصالح الوطنية العليا للشعب والوطن على كافة المصالح والحسابات السياسية الضيقة.
كما ان زيارة بهذا المستوى تدل دلالة عميقة على الدور الذي يمكن أن يلعبه المغرب في رسم الخارطة الجيوسياسية بشمال إفريقيا، باعتباره بلدا أرسى قواعد الأمن والاستقرار، وتتشابه المنهجية التوافقية في بعض جوانبها مع المنهجية الديمقراطية التي نهجها المغرب في إقرار دستور سنة 2011م .. والذي على غرار ذلك اعتبر في صدارة البلدان التي تفاعلت مع الربيع العربي دون أن يشكل لها حرجا ونجح في إرساء آليات ديمقراطية مسؤولة وذلك من خلال الدستور الجديد الذي اعتبر لبنة جديدة في سبيل تحقيق الديمقراطية التشاركية، وتثبيت التوجهات الكبرى في أجواء من الانفتاح، وقد شكلت التحولات السياسية العميقة التي عرفها المغرب لبنة من لبنات ورش الإصلاح السياسي والحقوقي الذي عرفه المغرب والذي يعتبر مثالا يحتذى في دول الجوار.
حيث نستطيع القول ان المغرب عاش الربيع الديمقراطي بطريقته والتي جاءت على خلفية حراك اجتماعي ساهمت فيه جميع القوى الحية ولقي تجاوبا فوريا من قبل جلالة الملك محمد السادس الذي أطلق منذ اعتلائه عرش أسلافه ورش الإصلاح الذي تم استكماله بالمصادقة على دستور جديد متقدم ومنفتح على جميع القوى الحية، وقد تلي هذه الحركة الاجتماعية، خطاب ملكي وصف بالتاريخي وذلك في 9 مارس 2011، قبل أن يتوج هذا المسار السياسي بالمراجعة الدستورية، التي شكلت الخطوة الأولى في تجسيد الخطاب الملكي. وبعدها الانتخابات البرلمانية ل25 نونبر الماضي التي أفرزت خارطة سياسية جديدة .
إن الإطار العام الذي حكم صياغة مشروع الدستور يختلف جذريا عما كان عليه الأمر بالنسبة للدساتير السابقة التي تحكمت فيها طبيعة الصراع السياسي، وقد نجح المغرب في خلق مناخ سياسي جديد يقوم على أساس التوافق التشاركي، مدعوما بحراك سياسي ومجتمعي مكن من القطع مع التجارب السابقة، كما أنه أسس لتجربة جديدة تعتمد المقاربة التشاركية التي نوه بها جلالة الملك في أكثر من خطاب، خصوصا أن المرحلة شهدت نقاشا سياسيا حقيقيا، وقد تمكن المغرب من خلال هذه المقاربة التشاركية، من الارتقاء بمراجعة الدستور الحالي، إلى وضع دستور جديد، يتفرد بثلاث مميزات، في منهجية إعداده، وفي شكله، وفي مضمونه.
الخطوات الإصلاحية العميقة التي قطعها المغرب تجعل منه نموذجا يمكن إتباعه، وفي هذا السياق يمكن القول إن إقرار دستور تونسي بمنهجية توافقيه لا يخرج عن سياق المنهجية التشاركية التي اعتمدها المغرب في إقرار دستور 2011.
وكانت المملكة المغربية وقبل زيارة الأمير مولاي رشيد، أعلنت عن تضامنها مع الشعب التونسي من خلال إرسال العديد من الإشارات الإيجابية التي تؤكد حرصها على حفظ السلم والاستقرار والوحدة الترابية لدول المنطقة بغض النظر عن التحديات التي توجهها, الى جانب رغبة المملكة المغربية ايضا في توطيد العلاقة المتينة التي جمعت الشعبين والبلدين على مر تاريخها المشترك، والتي تقوم أساسا على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
ويلمس التونسيون بقوة صدق الموقف المغربي ورغبة الملك محمد السادس الأخوية في أن يسود التقارب بين دول المغرب العربي بشكل ملموس وبعيدا عن منطق الجمود والإقصاءات, وما الاستقبال والاحتفاء الكبير الذي حضي به الوفد المغربي ممثلا بالأمير مولاي رشيد من قبل المسئولين التونسيين الا خير دليل على ذلك.