نادية عبدالملك-تواصلا للجهود الكبيرة التي يبذلها صاحب الجلالة الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية في سبيل دعم الاستقرار السياسي والامني في جمهورية مالي والتي تأتي في اطار توطيد اواصر العلاقات القائمة بين المملكة المغربية وجمهورية مالي المتسمة بالعمق والاستمرارية والاحترام المتبادل وتطابق وجهات النظر حول القيم والاهداف المشتركة، المستندة الى جملة من الروابط التاريخية المبنية على الانتماء للإسلام السني المتسامح والمنفتح, وموروث ثقافي وفكري كبير مشترك .. ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله ، وفخامة السيد إبراهيم بوبكار كايتا رئيس جمهورية مالي ، يوم الخميس 20 فبراير 2014 بالقصر الرئاسي كولوبا ، مراسم التوقيع على 17 اتفاقية، تغطي مختلف مجالات التعاون بين البلدين الشقيقين.
ويعكس التوقيع على هذه المجموعة الهامة من الاتفاقيات، التي تعرف انخراطا قويا للقطاعين العام والخاص، الإرادة المشتركة لقائدي البلدين للمضي قدما في تعزيز العلاقات الثنائية بين مالي والمغرب.
كما يندرج هذا التوقيع، في إطار المقاربة الملكية المندمجة تجاه إفريقيا، التي تضع العنصر البشري في صلب عملية التنمية وغايتها، وتقوم على التقاسم المتوازن لثمار النمو، فضلا عن كون هذه الاتفاقيات تجسد التزام جلالة الملك بتوطيد تعاون جنوب-جنوب تضامني وفعال، حيث جعله جلالته من دعائم السياسة الخارجية للمملكة، بما يخدم مصالح الشعوب الإفريقية الشقيقة.
وتهدف هذه الاتفاقيات إلى النهوض ببرامج التنمية البشرية، بما لها من أثر مباشر في تحسين ظروف عيش المواطن المالي، وإلى إضفاء دينامية قوية على علاقات التعاون الاقتصادي في مختلف المجالات.
وتتعلق الاتفاقية الاولى بتشجيع الاستثمارات وحمايتها بشكل متبادل، أما الاتفاقية الثانية فتهم عدم الازدواج الضريبي ومحاربة التهرب الضريبي .. وتخص الاتفاقية الثالثة التعاون في مجال تربية المواشي، فيما تهم الاتفاقية الرابعة، الخدمات الجوية.
أما الاتفاقية الخامسة، وهي عبارة عن بروتوكول للتعاون الصناعي، بينما تهم الاتفاقية السادسة، التعاون بين المركز المغربي لإنعاش الصادرات ومكتب المعارض والعروض للدار البيضاء، وغرفة التجارة والصناعة بمالي.
وتتعلق الاتفاقية السابعة والثامنة على التوالي، بتوأمة المستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط والمركز الاستشفائي "جي" بباماكو، وتوأمة المستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء مع المركز الاستشفائي الجامعي جبريل توري بباماكو.
وتجسد زيارة صاحب الجلالة الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية الى جمهورية مالي، لحضور حفل تنصيب الرئيس المالي الجديد إبراهيم أبوبكار كيتا، الذي فاز برئاسة البلاد عقب الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التي جرت أطوارها في 11 غشت الماضي، تشكل تجسيدا حيا لعمق وديمومة ومتانة الصلات التاريخية التي تجمع بين البلدين، اعتبارا لكونها قائمة على قاعدة مشتركة للقيم التي تنهل من تمسك البلدين، منذ عدة قرون، بالإسلام السني، كما يعكسه المذهب المالكي المطبوع بالمرونة واليسر، والمنفتح على عدد من العادات المحلية، التي لا تتنافى مع العقائد الدينية الأساسية.
هكذا، لطالما طبعت التفاعلات الخصبة التاريخ المشترك للبلدين، التي تتجلى بصماتها الحية في نهلهما من منابع المعرفة الأصيلة نفسها، التي تأسست في البيئة الصحراوية، من تخوم الصحراء المغربية ودرعة، حتى أعماق منطقة الساحل، مرورا بتومبوكتو وغاوو وشنقيط.
وتتحدث الكتابات التاريخية، سيما تلك التي تعود للمفكرين ابن خلدون وابن بطوطة، عن الإشعاع الحضاري لهذه الإمبراطورية، وعن أصول هذا الازدهار الذي قام بفضل العلاقات الخصبة، التي تم ربطها مع الفضاء الحضاري المغربي، الذي مر بدوره من دينامية خلاقة أكيدة، سيما في مجال العلوم الدينية، تحت حكم الدول المغربية المتتالية الموحدية والمرينية والسعدية والعلوية.
ويحرص البلدان على تثمين هذا الموروث الحضاري المشترك، الذي تظل آثاره جلية، إن من خلال الموروث المعماري، والمعالم الدينية، أو بنيات نشر المعرفة وتقوية العقيدة (المدارس الدينية، أضرحة الأولياء، الطرق الصوفية). ويشهد على ذلك التقليد المغربي المحمود، الذي تحرص المملكة على التمسك به، تحت رعاية صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والذي يتمثل في السماح لدفعات متتالية من الطلبة الماليين ومن منطقة الساحل والصحراء، بالقدوم لاستكمال دراستهم بالمغرب في مختلف التخصصات، سيما العلوم الدينية. على غرار المشاركة المنتظمة لمفكرين وعلماء مرموقين من مالي وباقي دول الساحل والصحراء في الدروس الحسنية الرمضانية، التي يترأسها أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي تشكل بوتقة للمعرفة والعلوم وصرحا يكرس انتماء بلدان المنطقة للمرجعية الدينية المشتركة القائمة على الإسلام السني والمذهب المالكي، الداعي للاعتدال والوسطية، بعيدا عن كل تشدد أو غلو.
من هذا المنطلق، فإن البلدين يسلكان بثبات السبيل المثالي نحو التحصن من كل الانزلاقات الطائفية، التي لا تتماشى مع التراكمات المعرفية الغنية، التي تعد ثمرة بحث مضن مكن من إغناء الموروث والتقليد الديني لبلدان المنطقة. وهو ما يشكل سدا منيعا في وجه تيارات منحرفة، تسعى إلى أن تفرض على شعوب ذات تقاليد غنية ومتشبعة بالعلوم الدينية الأصيلة، نماذج طوباوية صيغت في قطيعة مع الأسس التي ينبغي الامتثال لها في كل مقاربة أكاديمية ذات مرجعية أصيلة.
أنشطة ملكية موازية بباماكو
أدى أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، وفخامة رئيس جمهورية مالي، السيد ابراهيم بوبكار كيتا، أمس صلاة الجمعة بالمسجد الكبير بباماكو.
وفي ختام خطبة و صلاة الجمعة رفعت أكف الضراعة إلى المولى عز وجل بأن يبقي حفظه وعنايته وعطفه على أمير المؤمنين، سبط النبي الهادي الأمين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وبأن يوفقه لما يحبه ويرضاه، ويجازيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ويحفظه في الحل والترحال.
وبعد صلاة الجمعة تفضل أمير المؤمنين بإهداء الجهات المكلفة بتدبير الشؤون الدينية بجمهورية مالي 10 الاف من نسخ المصحف الشريف في طبعته الصادرة عن مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف، قصد توزيعها على مساجد الجمهورية، كدفعة أولى في إطار تنفيذ التعليمات الملكية السامية والقاضية بأن تقوم هذه المؤسسة بتزويد مساجد بلدان غرب إفريقيا بكل ما تحتاجه من مصاحف برواية ورش عن نافع، التي هي من الاختيارات المشتركة بين المغرب وهذه البلدان.
و في نفس اليوم، ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس مرفوقا بفخامة الرئيس المالي، السيد إبراهيم أبو بكر كيتا بباماكو، حفل وضع الحجر الأساس لتشييد مصحة عصرية ومندمجة للرعاية ما قبل الولادة .. كما أشرف جلالته بباماكو، على تسليم هبة عبارة عن لقاحات للتخصيب لفائدة مربي الماشية الماليين.