هنا عــدن - / الجمهورية نت - عزالدين العامري
لم يتغن الشعراء في بلادنا قدر تغنيهم بالوحدة اليمنية، فلا يكاد يخلو أي ديوان شعري لأي شاعر من الشعراء المحدثين إلا وحمل في طياتهٍ قصيدةً أو أكثر تطالب بالوحدة اليمنية قبل تحقيقها في الثاني والعشرين من مايو عام تسعين، أو تتغنى بها وبما يمكن أن تقدمه ـ أي الوحدة المباركةـ لهذا الشعب اليمني عن كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها ولقد كانت الوحدة اليمنية مطلب شعبي ووطني لكل أبناء الشعب اليمني في الشمال والجنوب معاً، كما كانت من أهم أهداف الثورة السبتمبرية في الشمال ومن أهم أولويات ثورة 14أكتوبر المجيدة في الجنوب، وحين تحقق هذا الحلم الشعبي في 22مايو 90.
وأصبح اليمن المشطر إلى جزئين متنافرين ومتحاربين، دولة واحدة إسمها “الجمهورية اليمنية” خرجت الملايين من هذا الشعب الأبي والعظيم إلى شوارع كل المدن فرحين ومهللين ومحتفلين بهذا الحدث التاريخي العظيم.
ولأن موضوعنا هنا حول الوحدة والشعر والشعراء، سنحاول الوقوف حول أبرز الشعراء الذين تغنوا بالوحدة، مستدلين على بعض من قصائدهم الوحدوية.
أولاً: عبدالله عبدالوهاب “الفضول”
1917ـ 1982م ولد في تربة ذبحان، الحجرية، تعز من مناضلي الثورة اليمنية، أصدر صحيفة “الفضول” صاحب السلام الوطني من أعلام الشعر الغنائي العاطفي في اليمن، له ديوان الفيروزة وأشعار الفضول “1”
كان لهذا الشاعر الكبير دورة البارز شعرياً وإبداعياً في تحقيق الوحدة المباركة في 22مايو90م، فالفضول مثله مثل غيره من الشعراء ـ رغم تميزه الواضح ـ طالب وحلم ويمكننا أن تقول كذلك تنبأ بالوحدة اليمنية المباركة قبل تحقيقها فنجد الشاعر. عبدالله عبدالوهاب نعمان يقول:
إملأوا الدنيا ابتساما
وإرفعوا في الشمس هاما
واجعلوا القوة والقدرة في
الأذرع صلباً خيراً وسلاما
وذروا الحق هو المعنى الذي
فيه تمضون وتُمضون الحساما
احفظوا للعز فيكم ضوءه
وإجعلوا وحدتكم عرشاً له
واحذروا أن تشهد الأيام في
صفكم تحت السماوات إنقساما
وارفعوا أنفسكم فوق الضحى
أبداً عن كل سوءٍ تتسامى
وعن هذا المقطع يتحدث الأستاذ. محي الدين علي سعيد في كتابه “الضمأ العاطفي والهم الوطني في شعر الفضول وألحان أيوب” “2”
في هذه القصيدة تتجلى مشاعر الفضول جلاءاً عظيماً، حيث كان مدركاً لعواقب المعارك التي تطحن الأخوة الأبرياء وكان يجسد إيمانه بوحدة الأرض ووحدة الإنسان في كل ما يقول أولاً لإيمانه بحتمية الوحدة وثانياً لأنه كان ينزع من منزع خاص يتمثل في أن الفضول من أولئك الذين ارتبطوا أسرياً في عدن وكان هذا المنزع يزيد من دوافع الوحدوية لا شعورياً وهذا لا ينفي المنزع الأول وحدة الأرض والإنسان”
ورغم إن ما حذر منه الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان بقوله:
إحذروا أن تشهد الأيام في
صفكم تحت السماوات انقساما
حدث ما حذر منه بعدما يقارب الأرب السنوات من هذه الوحدة حيث قامت الحرب الظالمة في صيف 94م والتي تم فيها نهب للجنوب أرضاً وإنساناً وحتى لا نتشعب في ما حدث في 94م سنعود إلى ما قاله الأستاذ. محي الدين علي سعيد في معرض تعليقه على هذه المقطوعة الشعرية بقوله: “الشاعر يطلب من الشعب أن يملأ الدنيا ابتساماً وتسامحاً لترتفع شمس الوحدة والمجد فوق هامات الشمس ويطلب منهم أن يجعلوا القوة والقدرة في الأذرع صلباً وقوياً للخير والسلام وهو معنى يؤكده الشاعر في كل أناشيده الوطنية ويطلب أن يكون الحق هو الدرب الذي نسير فيه أو نقاتل عليه ويأمر الناس أن يحفظوا أضواء العز وأن يكون عرشاً له ويحذر الشاعر أن تشهد الأيام “مهما تقادمن” في صفوفنا إنقساما، أمران يدفع الشعب نفسه فوق الضحى وفوق الصغائر وأن يكون أكبر من أن تفرق صفه تافهات المؤامرات.
كما نجد الشاعر. عبدالله عبدالوهاب نعمان يقول في نشيده “رددي أيتها الدنيا نشيدي” والذي أصبح فيما بعد النشيد الوطني لليمن الموحد”
سوف تبقى في مدى الأيام أخلاقنا زاهية لن تخلقا
وسيبقى وجهك المشرق يا وطني بالضوء منا مشرقا
وسيبقى قاهر الشعب على وجه أرضي عدماً لن يخلقا
ليس منا أبداً من مزقا
ليس منا أبداً من فرقا
ليس منا أبداً من يسكب النار في أزهارنا كي تحرقا
يا نشيداً رائعاً يملأ نفسي
أنت عهداً عالقاً بكل ذمة
رايتي.... رايتي
يا نسيجاً حكته من كل شمسِ
أخلدي خافقة في كل قمة
أمتي... أمتي
إمنحيني البأس يا مصدر بأسي
واذخريني لك يا أكرم أمة
فالوحدة في هذا النص كما يقول الدكتور محمد عبدالرحمن السامعي في كتابه “إنتاج الدلالة في الشعر العامي اليمني المعاصر” “3” لم تعد اتحاديين أمتين لتصير أمة واحدة سياسياً واقتصادياً لكنه مرق بدلالتها ـ أي الشاعر ـ إلى فضاء أرحب، وهنا تكون الجدة والبكارة في إنتاج دلالتها الإبداعية فقد حصل الشاعر من الوحدة لحناً ومعنى يملأ وجدانه، ولم تقتصر الوحدة بدلالتها على وجدانه أي الشاعر، وإنما تمتد إلى الوحدة بدلالتها على وجدانه، أي الشاعر، وإنما تمتد إلى وجدان كل يمني تاق إلى الوحدة والتي توحيد بلده، والشطر التالي من النص أكد هذه المقولة “أنت عهداً عالقاً في كل ذمة” فقد جعل الشاعر من الوحدة عهداً في ذمة كل يمني شريف، لذلك فالدلالة المنتجة من هذه الوحدة إنها صارت لحناً أبدياً في ضمير ووجدان الإنسان اليمني.
ثانياً الشاعر/ سلطان سعيد شمسان الصريمي:
1948م من مواليد الحجرية ـ الشمايتين ـ محافظة تعز
حصل على درجة الدكتوراه عام 1990م في فلسفة العلوم الاجتماعية من موسكو، يعمل حالياً رئيس مركز الكناري عضو الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين “سابقاً”، مستشار وزيرا الإعلام، صدر له خمسة دواوين شعرية هي ابجدية البحر والثورة، هموم إيقاعية، نشوان وأحزب الشمس، قال الصريمي، هواجس الصريمي، وله تحت الطبع أربع وردات وقصيدة، زهرة المرجان، وكتب من الأدب وعلم الاجتماع، فالشاعر سلطان الصريمي يتشابه مع الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان من حيث أنهما أصحاب بيئة واحدة من حيث الولادة والمنشأ، فالأول من الشمايتين ـ حجرية ـ تعز، والثاني كذلك من التربة حجرية تعز والأثنين اغتربا في عدن وعاشا مرارة التشطير، وعاشا عن قرب، ولذلك نجد أشعار سلطان الصريمي تتحدث عن الوحدة في قصائده الوطنية وحتى العاطفية منهما حيث يقول في قصيدته “مزمار”
فتحت بك عُيوني
واغمضتهن لأجلك
الململ من الضياع لملام
العقل بك تغني
والقلب بك تمنى
واتشقرك بكل عيد
مشقر كبير
سع الوطن بكله
أتخيلك مُوحد
من غير حدود
وأتخايل المحبين
يلهو ويفرحوا بك
الفجر يبترع بك
فرح شطير
والحُب ينتشي بك
ويزدهر
والأودية تغنى
لحن الوطن بكله
في هذا المقطع قد يقع القارئ في لبس وقد يتسأل من هي هذه الفتاة التي فتح الشاعر بها عيونه ومن أجلها أغامضها، وهل هي فتاة حقيقية أم مجرد رمز ولماذا هي مشطرة ومجزئة يريد الشاعر أن “ يلملمها لملام” ولماذا القلب بها ممتلئ ولماذا كذلك يريد الصريمي أن “ يتشقرها بكل عيد” لكن كل هذه التساؤلات تنتهي وتتبدد حين يعرف ـ أي القارئ ـ أن المقصود هي اليمن الموحد حيث نجد الشاعر الصريمي يقول:
“أتخيلك موحد
من غير حدود
وأتخايل المحبين
يلهو ويفرحوا بك”
ثالثاً: حسين أبوبكر المحضار : 1930 ـ 2000م ولد في مدينة الشجر، محافظة حضرموت من أبرز شعراء الأغنية اليمنية بلونها الحضرمي أصدر عدة دواوين هي: دموع العشاق ابتسامات العشاق، أشجان العشاق، حنين العشاق، وداع العشاق” مخطوط” للشاعر حسين أبوبكر المحضار العديد من القصائد الوطنية ومنها هذه القصيدة التي غناها الفنان/ عبدالرحمن الحداد والتي تقول: مايو وفي الثاني والعشرين منه
يا شعبنا حقق أغلى الأماني
وبنينا فوق الجنتين ألف جنة
يا شعبنا لك بنزف التهاني
لأنك تريد العز ما تقبل الهون
وحدة وبالوحدة لنا النصر مضمون
حافظ على الوحدة بيسره ويمنه
يا شعبنا الشعب العظيم اليماني
وابني صروح المجد لبنة بلبنة
ما يستقيم المجد إلا لباني
واحذر من أقوال الحسد والشواني
كثير اللي يحسدونك ويشنون
وعن هذا المقطع يقول الدكتور محمد السامعي لقد رسم لفظ” الوحدة” في النص ذلك الحدث العظيم في الثاني والعشرين من مايو 1990م واستطاع الشاعر أن يجعل من الحدث معادلاً موضوعياً للمجد والعزة والرفعة، فالوحدة كما حاول المحضار تصويرها توحي بدلالات متعددة، فهي الحلم وهي الضامن لنصر اليمن وأبنائها إذن الوحدة تكون الحياة المفعمة بالمحبة والوئام بين اليمنيين ولأجل ذلك دعا الشاعر إلى المحافظة عليها بقوله:
حافظ على الوحدة بيسره ويمنه
يا شعبنا الشعب العظيم اليماني
وابني صروح المجد لبنة بلبنة
ما يستقيم المجد إلا لباني
وإحذر من أقوال الحسد والشواني
كثير اللي يحسدونك ويشنون.