اذا كان قطاع النقل البحري مهم لاي دولة فهو يمثل اهمية اكبر بالنسبة لليمن بسبب نقص الموارد الطبيعيه و قلة المحاصيل الزراعية وندرة المياه وانعدام الصناعات الرئيسية والاعتماد علي نشاط الاستيراد بنسبة 90% في توفير احتياجات المواطنين المختلفة من المواد الغذائية والسلع الاساسيه والبضائع الاستهلاكيه والمنتجات المتنوعة والتي يتم نقلها بحرا واستيرادها من اماكن الوفرة و مراكز الانتاج والتصنيع في أنحاء العالم لتغطية احتياجات الاستهلاك المحلي.
وفي ظل الاعتماد المتزايد على الواردات الخارجية من شتي انحاء العالم لتغطية الاحتياجات المختلفة فان الموانئ البحريه وتوفر خدمات الشحن البحري التنافسية يمثلان اهمية كبيرة لتحقيق الامن الغذائي للجمهوريه اليمنية . إذ تعتبر الموانئ البحرية هي المنفذ والرئة لليمن ويمثل الشحن البحري الشريان والوريد الذي يمد الوطن بالغذاء والحياة وتأثيره يرتبط بحياة كل المواطنين ومعيشتهم وقوتهم الضروري. فهو الجسرالذي يربط اليمن بمصادر الانتاج والغذاء حول العالم والقناة التي تجري فيها الواردات المختلفة لتلبية احتياجات العيش والحياة لكل افراد المجتمع .
ولأهمية هذا القطاع الحيوي ودوره الاساسي في تحقيق الامن الغذائي لليمن يجب عدم إهماله او تجاهل المشاكل والعراقيل والمعوقات التي تقف حائل دون قيامه بدوره المطلوب . ويجب ان يعطي الاولوية القصوي في الاهتمام مهما كانت الظروف والاوضاع . ففي الوقت الذي تعاني اليمن من زيادة معدلات الفقر فالأسواق اليمنية تشكو من ارتفاع كلفة السلع والبضائع المستوردة والتي بدورها توثر بصورة مباشرة في أسعار السلع وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الشحن البحري من موانئ العالم المختلفة الي الموانئ اليمنية والتي اصبحت تشكل نسبة كبيرة من قيمة السلع حيث وصلت الي 40% من قيمت معظم المواد والسلع والبضائع الاساسية المستورده الامر الذي اثقل كاهل المواطن وكان احد الاسباب ألرئيسية في زيادة الفقر والمعاناه في أوساط المجتمع اليمني.
ان المؤشرات العلمية الحديثة والمعايير الصادرة من قبل هيئات عالمية متخصصة تحدد درجة ومستوي التاثير السلبي و الاختلال الخطيرالحاصل في زيادة تكاليف النقل البحري الي الموانئ اليمنية . حيث أظهرت الدراسات والإحصائية الصادرة من “منظمة الاونكتاد” أن تكاليف عمليات النقل الطبيعية للسلع علي المستوي العالمي تشكل 6,1% من قيمة السلعة ، في الوقت التي تنخفض فيه هذه النسبة في الدول المتقدمة لتصل إلي 5,12%، في حين ترتفع في الدول النامية إلي نحو 8,7%، وتصل لدي دول جنوب افريقيا إلي 13,8%، اما في اليمن فان ارتفاع كلفة الشحن البحري يصل في بعض السلع الغذائية الضرورية الي ٤٠٪ من قيمة السلعة من بعض الموانئ العالمية الي الموانئ اليمنية وهذا يعد مؤشر خطير حيث يتضح بان أجور الشحن البحري الي الموانئ اليمنية هي في اعلي المراتب لتكاليف النقل البحري ليس في المنطقة والاقليم فحسب ولكن في العالم كله.
ولمعرفة حجم الكارثة التي يعاني منها المواطن اليمني في الحصول علي احتياجاته الأساسية نعود الي التقارير الرسمية التي توضح ميزان التبادل التجاري حيث تشير الي أن اجمالي الواردات، من السلع والبضائع والمنتجات المستوردة الغذائية والأساسية والاستهلاكية الواردة الي اليمن عبر المنافذ البحريه الرسمية للعام ٢٠١٣ قد بلغت ( ١٠,٠٢٢,٨٧٨,٢٢٦ ) عشرة ملياراً واثنين وعشرين مليون وثمانمائة وثمانية وسبعون الف ومئتان وسته وعشرون دولارا. حيث تأتي السلع الاساسية والمواد الغذائية لتشكل النسبة الاكبر من الواردات و تأتي الحبوب وخاصة القمح في المرتبة الأولي يليها الارز والسكر ،وزيت الطبخ والحليب والبقوليات واللحوم المجمدة وغيرها من مجموعة السلع الضرورية . وبالنظر الي نوعية الواردات نجد ان السلع التي شكلت نسبة كبيرة من الواردات هي من الاولويات الضرورية الأزمة لحياة الإنسان ولا يستطيع الاستغناء عنها . وفي الوقت الذي سجلت الواردات من السلع الاستهلاكية غير الضرورية والكماليات المستوردة الي اليمن في نفس الوقت نسبه متدنية جدا لا تتناسب حتي مع نصف عدد السكان . وبذلك نستنتج ان تركز الإنفاق للمواطن اليمني علي السلع الاساسية والغذائية الضرورية فقط حيث لا يسمح له دخله المتدني الحصول علي احتياجاته من السلع الاستهلاكية وغير الضرورية والكماليات . كما ان ارتفاع الأسعار مع تدني دخل الفرد يزيد من درجة الحرمان والمعاناة في في المجتمع . حيث ان المواطن لا يكاد يكفيه دخله المحدود حتي نهاية الشهر لشراء ما يحتاجة هو وأسرته من الضروريات فقط مثل الغذاء والدواء والكساء فمن اين ينفق علي السلع الاستهلاكية والكماليأت .
وفي الوقت الذي تعتبر اليمن افقر دولة المنطقة فإنها تعاني من مشكلة ارتفاع الأسعار لمعظم السلع والبضائع والمنتجات الاساسية والاستهلاكية وخاصة الغذائية المستوردة حتي مقارنة بأسعار مثيلاتها في دول الخليج وكثير من الدول في العالم . ونستطيع ان نلاحظ ان أسعار المواد الغذائية الاساسية في الاسواق اليمنية من دقيق و سكر وارز وزيت وبقوليات وغيرها من السلع الضرورية أغلي بكثير من أسعار نفس السلع في السعودية والإمارات وعمان والكويت وقطر والبحرين . فهل يعقل ان نترك المواطن اليمني المطحون الفقير صاحب الدخل المحدود والقوة الشرائية المنخفضة والإمكانيات الضعيفة يدفع سعرا على للحصول علي القوت الضروري له ولاسرته من السعر الذي يدفعة المواطن الخليجي الميسور الحال ذو الدخل المرتفع والمستوي المعيشي المرفه للحصول علي نفس السلع الغذائية الاساسية والضروريات اللازمة للعيش والحياة وتتساوي الحاجة اليها عند الناس وفي اي زمان ومكان واي دولة وتحت اي ظروف .
ان دخل المواطن اليمني لا يكاد يكفيه ليحصل علي احتياجات اسرته من القوت الضروري حتي نهاية الشهر . فاليمن تحتل المرتبة الـ 144 في التصنيف العالمي لمستويات الدخل في البلدان، والمرتبة 176 في التصنيف العالمي الخاص بشروط تعادل القوة الشرائية مع الدخل الفعلي في مجال الدخل السنوي للفرد فيها والمقدر بأقل من 600دولار سنويا من إجمالي الناتج المحلي والسبب هو ارتفاع التكاليف مما يشكل تهديدا حقيقيا للامن الغذائي واهم الاسباب في زيادة معدلات الفقر والبطالة والجوع والحرمان
لقد بلغ اجمالي الزيادة في أجور الشحن والنقل البحري للبضائع المستوردة من مواني العالم الي الموانئ اليمنية حوالي مليار ونصف المليار دولار مقارنة بأسعار الشحن الي الموانئ المجاورة جدة،صلالة ، دبي في العام نفسة ٢٠١٣ والتي يدفعها المستوردون كفارق وزيادة في أجور شحن الحاويات والبواخر لشحن السلع والبضائع المختلفة الي اليمن . وتشكل نسبة الزيادة في الشحن علي السلع الاساسية والمواد الغذائية من البرازيل واستراليا وامريكا وكندا ودول الاتحاد الاوربي وشرق أوربا وروسيا والصين والهند وباكستان وتايلند والدول العربية حوالي ٩٨٥ مليون دولار تقريبا ويحتسب هذا المبلغ التقريبي بضرب عدد البواخر والحاويات الواصلة الي المواني اليمنية في نفس العام في فارق أسعار الشحن للحاويات والبواخر لنفس الفترة الي الموانئ المجاورة .
ولو احتسبنا نصيب الفرد الواحد من الزيادة في السلع الاساسية والمواد الغذائية فقط والتي يشترك الجميع في استهلاكها وشرائها وذلك بقسمة اجمالي المبلغ التقريبي ٩٨٥ مليون دولار علي عدد سكان اليمن ٢٥ مليون لكان نصيب الفرد الواحد٣٩.٤٠ دولار اي ان الاسرة الواحدة المكوونة من متوسط ٥ افراد تتحمل حولي ٢٠٠ دولار في السنة كزيادة في أسعار الشحن لغذائها الضروري واحتياجاتها الاساسية . وهذه تعتبر كارثة لأصحاب الدخل المحدود خاصة و٩٥٪ من السلع والبضائع التي يحتاجها المواطن تأتي مستوردة . وكان يمكن ان تستفيد منها الاسرة في سد احتياجات اخري قد تكون ضرورية او اخري ثانوية . كما ان هذا المبلغ الضخم لو استثمر في مشاريع التنمية الاقتصادية لكان له اثار ايجابية علي الاقتصاد والمجتمع او لو وزع كمساعدات إنسانية للأسر الاقل فقرا في مجتمعنا الذي يعد الافقر في المنطقة . وايضا كان يمكن استثماره لتحسين المستوي الصحي او التعليمي او اي من القطاعات الخدمية التي ينتفع بها المجتمع او لإيجاد بعض البني التحتية التي يحتاجها الوطن.
وقد جائت نتائج الدراسة الاستقصائية التي قامت بهامنظمة اليونيسف و برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بالتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء في اليمن مرعبة وتؤكد مأساة اقتصادية يعيشها السواد الأعظم من الشعب اليمني. حيث تشير الإحصائيات الي ان٧٣٪ من عدد السكان في اليمن يعيش تحت خط الفقر منهم ٤٢٪ يعيش علي اقل من ٢ دولار في اليوم الواحد . كما تشير الي ان ٢٢٪ من السكان اي خمسة ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد ولا يملكون قوت يومهم الضروري . و في الوقت نفسه، أظهرت نتائج الدراسة أن هناك ٢٢٪ خمسة ملايين شخص يعانون من إنعدام الأمن الغذائي المتوسط ومعرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي الحاد وتشير النتائج إلى أن معدل سوء التغذية الحاد العالمي في اليمن ينذر بالخطر في العديد من مناطق البلاد حيث ان سوء التغذية الحاد وصل الى أسوأ معدلاته في بعض المحافظات بنسبة 28%، وهي أعلى بكثير من حد الطوارئ الذي تضعه منظمة الصحة العالمية والذي يبلغ 15%. كما أن سوء التغذية المزمن بين الأطفال وصل الي معدلات تثير القلق حيث، يعاني حوالي 63.5% من الأطفال من التقزم.
وتعتبر المؤشرات السابقة من اخطر الموشرات الانسانية علي الاطلاق وتتجاوز الحد الذي تكون فيه عادةً المساعدات الغذائية الخارجية ضرورية حيث تقول ممثلة برنامج الأغذية العالمي في اليمن لبنى ألمان:” الجوع في تزايد مستمر في اليمن، ويؤثر ارتفاع أسعار الغذاء بالإضافة إلى حالة عدم الأستقرار السياسي التي تشهدها البلاد على العديد من العائلات و أن ما يقرب من ربع سكان اليمن بحاجة إلى مساعدات غذائية طارئة فورا . كما ان ربع الأسر في اليمن تعاني من انعدام الأمن الغذائي مما حد من قدرتهم على شراء الطعام.
ان تأثير ارتفاع الأسعار لمختلف السلع يطال كل افرد الشعب اليمني بلا استثناء وتنعكس اثاره السلبية ونتائجه الكارثية على المواطن والاقتصاد بصورة اشد تاثيرا وايلام . ويجب ان تبداء فورا الخطوات الجادة في التخفيف من غلاء المعيشة و تأمين الغذاء و الاحتياجات الاساسية للمواطن بأسعار تتناسب مع مستوي دخله . وأول الخطوات هي في توفير خدمات الشحن والنقل البحري المتطورة والتي تربطنا بدول العالم المختلفة وتقديم خدمات متميزة من حيث السرعة وجودة الخدمة وانخفاض التكلفة من اجل تخفيض كلفة السلع المستوردة والتي بدورها سوف تنعكس علي الأسعار لتخفف عن كاهل المواطن بعضا من معاناته وتعمل علي توفير احتياجاته المختلفة بالكميات المطلوبة وبدون انقطاع وبكلفة اقل وجودة اعلي ومدة اسرع .
ان اكبر التحديات التي تواجهها اليمن ويجب ان تحتل مرتبة الاولوية في مهام ومسؤوليات الحكومات القادمة هي تامين ما يكفي من القوت الضروري للمواطن بما يتناسب مع مستوي دخله . وقد بين الله سبحانه وتعالي ورتب اولويات في العيش والحياه في قوله سبحانه ( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) صدق الله العظيم.
كما ان معدل النمو السكاني في اليمن يسجل نمو و زيادة غير عادية و ارتفاع خطير وصل الي نسبة (3.3%) وهذايعتبر من اعلي معدلات النمو السكاني في العالم . وهذا النمو السكاني المرتفع في ظل التدهور والانكماش الا قتصادي يشكل ضغطا كبيرا علي الموارد المتاحة . حيث من المفترض ان اي نمو سكاني يجب ان يرافقه نمو اقتصادي مضاعف اوبنفس المستوي الموازي علي الاقل لتحقيق الامن الغذائي والاستقرار الاجتماعي . ومن المتوقع ان يصل عدد السكان في اليمن بحلول العام ٢٠٢٠ الي ٣٥ مليون نسمة حسب توقعات الاحصائيات الرسمية . لذالك فان استمرار تجاهلنا وعدم اهتمامنا بالمشاكل والعراقيل والتحديات التي توثر علي امننا الغذائي في ظل استمرار النمو السكاني المرتفع سيكون له نتائج كارثية يصعب معالجتها مستقبلا و لا يمكن تلافي انعكاساتها الخطيرة واثارها السلبية علي المجتمع . لذالك يجب علينا الإسراع في ايجاد الحلول والمعالجات الممكنة لمحاربة الجوع والفقر والحاجة والقيام بالخطوات المطلوبة لتفادي آثارها المدمرة وانعكاساتها السلبية في حياتنا المعيشية ومستقبل أجيالنا وامنه الغذائي .
ابراهيم محمد عبدة دادية
منسق الموانئ البحريه والنقل البحري