أيتها الأخوات أيها الإخوة أعضاء المجلس الحزبي الوطني
الإخوة أمناء عموم وممثلي الأحزاب والقوى السياسية
الإخوة الضيوف والحضور جميعا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسرني باسم اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني ومكتبها السياسي وأمانتها العامة أن أرحب بكم أجمل ترحيب للحضور ومشاركتنا هذه الجلسة الافتتاحية التي ندشن بها دورة المجلس الحزبي الوطني، التي أطلقنا عليها دورة الرفيق العزيز المناضل علي صالح عباد (مقبل) تقديراً ووفاءً لدوره في قيادة هذا الحزب في أصعب الظروف التي تعرض فيها للتصفية والاجتثاث بعد حرب 1994، فكان هو والمناضل الشهيد جار الله عمر نعم القائدان اللذان قادا الحزب، ومعهما كل القيادة التي تمثلت في اللجنة المركزية والمكتب السياسي والأمانة العامة آنذاك، بروح كفاحية عالية وتصميم على استعادة بنيته التنظيمية والكفاحية واستعادة مكانته في الحياة السياسية. للرفيق مقبل ولهم جميعاً منا كل التقدير والوفاء.
أيتها الأخوات أيها الاخوة الحضور الكرام.. تنعقد هذه الدورة الأولى للمجلس الحزبي الوطني بالقوام الذي تحدد في كلمة اللجنة التحضيرية وبمشاركة نسائية وشبابية عكست التطور الملموس الذي حدث في البنية التنظيمية للحزب والذي سينعكس بصورة إيجابية على تجديد الهيئات وخاصة في اللجنة المركزية حيث ستصل نسبة المرأة والشباب إلى حوالي 70% من إجمالي الإضافة والإحلال والبالغ 132 عضواً. وسيسهم هذا التجديد وبمثل هذه النسبة في تحسين تركيبة اللجنة المركزية والذي يفترض أن ينعكس على بقية الهيئات القيادية. ويمثل هذا القرار الذي اتخذته اللجنة المركزية في دورتها العاشرة المنعقدة مؤخراً خطوة هامة على صعيد تجديد القيادة الحزبية، وهو القرار الذي لقي استجابة واسعة وسط قواعد الحزب وأنصاره، ولا يكفي هنا أن نعلنه كقرار ولكن يجب تنفيذه من قبل المجلس الحزبي في دورته هذه، وكذا من قبل هيئات الحزب المختلفة، ليغدو خطوة نحو الإصلاح الشامل الذي ينتظر الحزب الاشتراكي خلال المرحلة القادمة. وفي هذه الدورة ستتم مناقشة الاتجاهات العامة لإعادة هيكلة البنية التنظيمية للحزب، وكذا توزيع الاختصاصات والمسؤوليات بين الهيئات القيادية وخاصة اللجنة المركزية من ناحية والمكتب السياسي والأمانة العامة من ناحية أخرى واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها بما يلبي متطلبات نضاله السياسي وعلاقته بالجماهير وهمومها خلال المرحلة المقبلة في ضوء الاتجاهات العامة التي أقرتها الدورة العاشرة للجنة المركزية. ولا بد أن تشكل إعادة الهيكلة تلك رافداً قوياً لنضال الاشتراكيين في ضوء خصائص الواقع الذي يناضلون فيه وكذا المهمات التي تفرضها حقائق هذا الواقع السياسي بكل التحديات والمتغيرات التي يزخر بها. وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على أن قوة أي حزب تكمن في قدرته على الارتباط القوي بالواقع الذي يناضل فيه كحزب جماهيري، فقيمته السياسية لا تتوقف عند حدود تحليل هذا الواقع وإنما في قدرته على التواصل معه والعمل على تغييره بأدوات سياسية واقتصادية وثقافية وغيرها من الأدوات المعبرة عن النهج الديمقراطي التعددي الذي سيفرض عليه أن يقدم خياراته البرامجية للجماهير ويدافع عنها في معركة الاستمرار والبقاء. ولكي يكسب ثقة الجماهير التواقة إلى الحرية والتغيير والبناء والتقدم وتحسين حياتها المادية والروحية فلا بد أن يتسم بالصدق والنزاهة معاً، ولا بد أن يكون ذا قدرة كفاحية عالية، وأن يعمل باستمرار على خلق أدوات التواصل والحوار معها، وأن يبحث بصورة مستمرة عن البؤر الثورية داخل المجتمع ويعمل وسطها، باعتبارها المواقع التي تكمن فيها دوافع وممكنات التغيير.
لقد أدرك حزبنا منذ فترة طويلة أن البنية الأيديولوجية التي اعتمدت ما كان يسمى بالمركزية الديمقراطية لم تعد صالحة لحزب تطور، ويتطور ليصبح حزباً ديمقراطياً يناضل وسط الجماهير بأدوات سياسية وشعبية، فكان لا بد من مواصلة تغيير هذه البنية الهيكلية وتجديد أدواتها لاستكمال البناء الديمقراطي للحزب لتوسيع قاعدة نضاله بتنوع خصائص الميادين التي يناضل فيها. إن إنجاز هذه المهمة ضروري لاستكمال البناء الديمقراطي للحزب ليغدو نضاله من أجل العدالة الاجتماعية وفقاً لمنهج ديمقراطي في النضال السياسي والاجتماعي والاقتصادي أكثر تجذراً في الواقع المعاش. لقد عرف الحزب الاشتراكي نفسه على أنه حزب وطني ديمقراطي اجتماعي، وأنه حزب العدالة والحرية ومكون رئيس من مكونات الحركة الوطنية اليمنية... وهو يناضل لتحقيق أهدافه بأدوات سياسية ديمقراطية وأدوات جماهيرية وشعبية وأخرى مجتمعية تساهم في تقديم الخدمات للمجتمع. وهو اليوم يعمل على استكمال بنائه التنظيمي والبرنامجي لتحقيق ذلك. وفي مساراته الكفاحية عمل على المشاركة في كثير من التحالفات السياسية ومنها اللقاء المشترك الذي أدى مهمة سياسية تاريخية، وآن الآوان لتقييمه والانتقال إلى صيغ جديدة من التحالفات التي تفرضها المستجدات في الحياة السياسية.
إن حزبنا يثمن عالياً هذه التحالفات التي أسهمت في تغيير مجرى الحياة السياسية في البلاد خلال العقدين الماضيين ويرى أنها تجربة للتعايش والتفاهم تميز بها اليمن، وتستحق الدراسة والاستفادة منها في تطوير مفاهيم السياسة وتحريرها من أدوات الصراع وصيغ التسلط التي عانت منها السياسة اليمنية كثيراً. وفي مجرى نضاله السياسي تعرض لمحاولات التصفية ومصادرة ممتلكاته، والتي ما يزال الجزء الأكبر منها محتجزاً بيد الدولة وغيرها حتى اليوم، وإقصاء أعضائه من أعمالهم ومطاردتهم ـ وتعرض الكثيرون منهم للسجون والمعتقلات والملاحقات والتعذيب والاغتيالات. وسجلت الحياة السياسية في محطاتها المختلفة طوال العقود الماضية صفحات من كفاح هذا الحزب ونضال نشطائه ومناضليه مقرونة بتضحيات جسيمة، تشكل جزءاً من تاريخه، وتقدم برهاناً ساطعاً على أن هذا الحزب لم يكن حالة طارئة يمكن معها تصفيته أو إقصاؤه بسهولة، فقد تجذر في قلب النضال الوطني وفي كل محطاته التاريخية، وغدا حضوره في الحياة السياسية مقترنا بتاريخ سياسي تقرر أحداثه ووقائعه كثيراً من المسارات والمعطيات السياسية في اليمن حاضراً ومستقبلاً.
ولذلك فإن عضو الحزب الاشتراكي يحمل فوق كتفه تاريخا ومسؤولية تجعلان من نضاله عملية موصولة بسلسلة طويلة من النضال والتضحيات، ولا بد أن يكون بمستوى هذه المسؤولية التي تجعل منه مناضلاً من أجل تحقيق الأهداف التي تضمنها برنامجه السياسي، ومدافعاً صلباً عن قيم الحرية والعدالة الاجتماعية، والعمل مع مختلف القوى الاجتماعية المعول عليها في النهوض بالوطن سياسياً واقتصادياً وعلمياً إلى مستوى الآمال التي ناضل من أجلها رواده الآوائل وقدموا في سبيلها التضحيات الجسيمة.
الأخوات.. الإخوة المندوبون
الحضور الكرام
ينعقد المجلس الحزبي في ظل مرحلة تتسم بمجاهيل عديدة تجعلها شديدة التعقيد عندما يتعلق الأمر بالبحث عن حلول لمشاكلها المتنوعة. فالمرحلة الراهنة، في طابعها العام، تتميز بكونها مرحلة انتقالية يفترض أن تؤسس لبناء الدولة التي عبرت عن مضمونها مخرجات الحوار الوطني. ولأنها مرحلة تأسيس فإن الحياة لا بد أن تزدحم بكل ما يعتور المراحل الانتقالية من أوضاع متحركة في كل الاتجاهات، بما يصاحبها من صدامات، بحثا عن تعزيز بعض القوى لمواقعها على خارطة هذه المرحلة التأسيسية الهامة. وتنعكس تعقيدات هذه المرحلة على النشاط السياسي للقوى السياسية السلمية من منطلق أن المشروع السياسي في اللحظة الراهنة أخذ ينكفئ بتأثير الحروب وأعمال العنف وما يرافقها من شحن ثقافي يستنجد بالطائفية والمناطقية وكل الهويات المفككة للنسيج الوطني. وفي ظروف كهذه يتم اختبار القوى الحاملة للمشروع السياسي الديمقراطي حول مدى قدرتها على استعادة المبادرة على قاعدة أن الصراع في هذا البلد هو في الأساس سياسي واقتصادي بوجهه الاجتماعي الذي تستقر عنده مصالح الناس بغير ظلم ولا تعديات، فلا وجه للصراع من منطلق إيماني مجرد إلا عندما يراد له أن يكون فتنة وفساداً في الأرض، فالعدالة هي الوجه الاجتماعي لمعادلة الإيمان (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن). صدق الله العظيم.
لقد مرت تقريباً عشر سنوات منذ انعقاد المؤتمر العام الخامس شهدت أحداثا هامة في حياة اليمن المعاصر. وسجلت، بقوة تأثيرها على مجمل الأوضاع السياسية والاجتماعية، إدانة تاريخية لأنظمة الحكم التي فشلت في تعبيد أي مسار للتطور والنهوض بهذا البلد، بل راكمت المزيد من الصخور في المجرى العام للحراك الاجتماعي الذي كان يحاول أن يستنهض قوة المجتمع الذاتية لتحقيق ما فشل النظام الرسمي في تحقيقه، وبذلك فقد أغلقت هذه الأنظمة كل منافذ التطور، وعطلت كل ممكنات البناء، وصادرت المبادرة الاجتماعية التي كانت تحركها حاجة موضوعية للتنمية لدى القوى الحية في المجتمع، حيث تدهور الاقتصاد ومجموعة الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، واتسعت رقعة الفقر والبطالة، وازدادت عملية توزيع الثروة تشوهاً لصالح الفئات والقوى المهيمنة وقوى الفساد، وتوقفت عملية التنمية والاستثمارات، وأخذ الرأسمال الاجتماعي في صورة البنى والهياكل التحتية يتآكل على نحو بدت معه البلاد كما لو أنها تدخل مرحلة الشيخوخة المفضية إلى الموت. كما سجلت تلك الأحداث أيضاً تلك الاستجابة الشعبية الرائعة للتحديات التي واجهت البلاد في صورة المواجهات السلمية بتعبيراتها السياسية والجماهيرية، وما رافقها من تفاعلات اجتماعية، أفضت إلى ثورة شعبية بدأت عام 2007 ممثلة في الحراك السلمي الجنوبي وثورة الشباب الشعبية السلمية عام 2011. لقد غيرت هذه الثورة وجه الحياة السياسية، وأكسبتها دينامية عالية، كان، وسيكون لها أثر إيجابي في مغادرة حالة الاستلاب القديمة التي عمت البلاد فيما يشبه اليأس من تغيير الأوضاع التي كرستها الأنظمة المستبدة في الوعي، حتى أن العمل السياسي تحول آنذاك إلى ما يشبه الاحتراف الذي يدور في نطاق ردود الفعل لممارسات الحاكم، ولم يكن قادراً على إنتاج الصيغ السياسية القادرة على تحريك الجماهير، حتى جاءت الثورة الشعبية في صورة الحراك السلمي وثورة فبراير لتقلب المعادلة رأساً على عقب، وتكسب الحياة السياسية ذلك القدر من الديناميكية التي بدا معها تغيير النظام السياسي بوسائل جماهيرية أمراً ممكناً وذلك حينما يتعذر على ذلك القدر المتواضع والمسموح به والمحاصر من الديمقراطية تحقيق هذا الهدف. لقد فتحت الثورة الشعبية آفاقاً واسعة للتغيير ولتحويل العمل السياسي إلى حالة ثورية متجددة بعناصر حيوية من شأنها أن تعيد صياغة الحياة السياسية على قاعدة تكون فيها الإرادة الشعبية حاضرة بقوة، بل وتكون هي المحرك الرئيس لها. ومن الضروري الإشارة هنا إلى أنه لا يجب أن تحجب عنا الإخفاقات التي حدثت ولا الحروب التي نشبت بعد ذلك هذه الحقيقة. فمن الحقائق الحيوية التي يجب أن تظل ماثلة في الوعي هي أن هذا الثورة الشعبية قد هدمت المصدات التي احتجزت إرادة الشعب وسط ركام من اليأس ليبدأ حراك اجتماعي وسياسي منتظم بإيقاعات الضرورات الموضوعية للخروج من نفق التخلف والسير إلى الأمام، والذي بدونهما لن يكون هناك من مصير آخر غير التفكك والانهيار.
بالثورة السلمية اختار الشعب اليمني الخروج من نفق التخلف والسير إلى الأمام، اختار طريق التغيير بالسلم، وفي أوج قوته عبر عن وفائه للسلام في لحظة تاريخية كان فيها نداً لنظام عطل كل مقومات تطوره بعد أن ثار عليه وفرض شروط التغيير التي ظل يتطلع إليها عقودا من الزمن. سجًل اتفاق مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذه، ثم بعد ذلك اتفاق السلم والشراكة، حالة انتقال تاريخي في معادلة الحكم بجغرافيتها التي ظلت لعبة بيد المغامرين والمتنفذين لتغدو محط توافق سياسي عابر للجغرافيا التقليدية للحكم، وذلك وفقاً لعقد اجتماعي جديد يصوغه اليمنيون بمشاركة كل أطراف وقوى المجتمع، وعبر حوار شامل، عبرت مخرجاته عن أهمية وضرورات التغيير الذي استهدفته الثورة، حيث لا يمكن تقييم مدى نجاح الثورة أو فشلها إلا من خلال محتوى ومضمون هذه المخرجات وتنفيذها في الواقع. لقد شارك حزبنا بفعالية في الثورة وفي العملية السياسية التي انتقل إليها الفعل الثوري باشتراط أن يكون أساسها التغيير الشامل لجوهر النظام السياسي والاجتماعي، وهو ما تحقق نظريا بالحوار الوطني. ولم تكن هناك من إمكانية أخرى لتحقيق مثل هذا التحول الجوهري في النظام السياسي إلا بالحوار كمعادل موضوعي لخيار التغيير بالسلام.
لقد كان البديل للعملية السياسية هو إغراق البلاد في حرب أهلية شاملة لا يعرف أحد إلى أين ستنتهي أو إلى أي يد سيسلم مصيرها. واما حدث بعد ذلك فمسألة تحتاج إلى تقييم موضوعي لنكتشف مكامن الخطأ. وفي رأينا أن هناك ثلاث قضايا رئيسة يجب أن نتوقف أمامها بجدية باعتبارها القضايا التي تفاعلت لتعيق مسار العملية السياسية على النحو الذي شاهدناه حتى اليوم.
الأولى : وهي أن نقل السلطة، الذي اعتبر حجر الزاوية في العملية السياسية، قد تعطل أو عطل منذ اليوم الأول، الأمر الذي فقدت معه هذه العملية أهم شروط نجاحها، وأدى هذا الوضع إلى إضعاف فرصة التغيير عبر محاولات تعطيل وإعاقة عمل السلطة التوافقية وإفساد آليات عملها، وكذا إعاقة تنفيذ معظم المهام التي شملتها المرحلة الانتقالية، بما رافق ذلك من اختلالات أمنية وإدارية وكذا المحاولات المستمرة لإحداث فوضى عامة جسدت إصرار بعض الأطراف على إفشال هذه العملية لأسباب لم تكن بعيدة عن حسابات تتعلق برد الفعل تجاه ثورة فبراير، إما انتقاماً منها أو استغلالا لها.
الثانية : وهي أن المنظومة السياسية بمكوناتها كافة، والتي عول عليها في الاتفاق على صيغة وطنية سياسية وقانونية لبناء الدولة، جاء كثير منها إلى الحوار محمَلاً بأثقال الماضي وجروحه المحتقنة، وعلى الرغم من أن الحوار استطاع إلى حد كبير أن يطفئ كثيراً من أوار الرغبة في الثأر أو الانتقام وذلك من خلال التسويات السياسية والقانونية التي شملتها مخرجات الحوار، إلا أن كثيراً من الأطراف تعرضت لابتزاز الضغوط التي مارستها الأجنحة المتطرفة، داخلها أو خارجها، والتي ظلت ترفض الحوار وتعمل على إفشاله لتمرير مشاريع الحرب والفوضى بالاغتيالات وتفجير المواجهات المسلحة في أكثر من مكان وعلى أكثر من صعيد. لقد كان تأثير هذه الأجنحة المتطرفة كبيراً لدرجة أنها استطاعت أن تفرض خيارات المواجهات المسلحة في كثير من الأحيان حتى بعد الاتفاق على قضايا الخلاف بين مختلف القوى المتحاورة. وأدت هذه الظروف، إضافة إلى الحسابات الخاطئة، ورفض الضمانات الخاصة بكيفية التعاطي مع مخرجات الحوار الوطني وكذا محاولات الالتفاف المتواصلة على العدالة الانتقالية، إلى توفير مناخات العودة إلى مشروع الحرب. واستطاع مشروع الحروب أن يعيد صياغة المواقف والتحالفات على قاعدة الثارات والانتقام، وكذا على قاعدة تعطيل بعض مخرجات الحوار الوطني، على النحو الذي أربك المشهد وأجهض روح الحوار بصورة شكلت انتكاسة للعملية السياسية. ولطالما حذرنا من مخاطر الاستعانة بالخطاب الانقسامي، أياً كان عنوانه، لدعم الموقف السياسي على الأرض لما لذلك من آثار خطيرة على النسيج الوطني. وفي رأينا أن المشكلة لا تكمن في وجود طوائف أو مذاهب أو أعراق أو ثقافات متعددة في أي مجتمع من المجتمعات، وإنما تكمن المشكلة في كيفية إدارة هذا التنوع وحماية مصالح الجميع على قاعدة المواطنة المتساوية. لا تبنى الأمم ولا يستقيم أمرها إلا على قاعدة المواطنة، بما تفرضه من حقوق وواجبات، وفي إطار هذه القاعدة المحكومة بالمبادئ الكلية المنظمة للحياة والمصالح واحترام التنوع بإمكاننا أن نستعيد الموقف من بناء الدولة التي تحمي كرامة وحريات الإنسان وتصون حقوقه وتحفظ خصوصياته.
أما المسألة الثالثة فهي القضية الجنوبية: لقد حددنا موقفنا كحزب اشتراكي من الاسلوب الذي عوملت به القضية الجنوبية في حينه، وقلنا إن ذلك الأسلوب قد تجاوز حقيقة أن قضية الجنوب كانت تحتاج إلى معالجة تنطلق من الطبيعة الخاصة لهذه القضية باعتبارها قضية سياسية، تعد محور بناء الدولة، التي لا يجب أن يخضع حلها لمساومات أو مراوغات كتلك التي تمثلت في اللجوء إلى تقسيم الجنوب إلى إقليم شرقي وإقليم غربي بدلاً من النظر إليه كوحدة متكاملة في المعادلة الوطنية لبناء الدولة الاتحادية الديمقراطية، التي كان رأينا وما يزال أن تتكون من إقليمين. لقد قدم حزبنا، بمسؤولية وطنية كاملة، المبررات السياسية والتاريخية، وغيرها من المبررات المتعلقة بالعوامل التي هدمت شروط الوحدة السلمية بالحرب، لتمسكنا بهذا الخيار، غير أننا لم نجد من يحاورنا بمسؤولية سوى الاتهام بالانفصالية. لقد كان الأمر مؤسفاً أن يقمع الحوار بأن يضع البعض أنفسهم حماة لوحدة دمروها بالحرب وبالتعالي على الوقائع التي إنتجتها سياساتهم الخاطئة على الأرض. وبإرادوية، مبعثها الشعور بتضخم القوة في مواجهة الاستحقاقات الفعلية لنجاح الحوار، تركت أهم قضية في الحوار بدون حل جاد يستلهم خيارات الشعب في الجنوب وتضحياته الجسيمة التي قدمها منذ نهاية حرب 1994لإسماع صوته مطالباً بحل عادل لقضيته. لقد أخطأت هذه الإرادوية للمرة الثانية والثالثة... والعاشرة في تقدير أهمية وعمق هذه القضية عندما تطرح على مائدة النقاش بحثاً عن الحل. وفي كل مرة كانت تلجأ فيها النخب إلى المراوغة، كانت القضية تتعقد أكثر وأكثر، ومعها يشعر الناس باليأس من توليد شروط موضوعية من داخل المعادلة الوطنية للحل العادل الذي يردده الجميع. بل إن البعض تعدى ذلك وبصورة عمد فيها إلى إعادة طرح مشاريع الهوية القديمة نكاية بالمعادلة الوطنية ليؤكد فشلها في إيجاد الحل العادل من داخلها. وعلى نحو متسارع بدأت مشاريع الهوية المنكرة ليمنية الجنوب تعيد إنتاج نفسها لتقتحم مسار حل القضية وتربك المشهد مستفيدة من هذا التلكؤ الذي أخذ يفقد المعادلة الوطنية ديناميتها في إنتاج الحل العادل الذي يرضي الشعب في الجنوب ويحافظ على هويته اليمنية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن الجنوب نفسه تعرض هو الآخر لرفض هويته من قبل هويات أخرى من داخله ترفض الجميع.
إن المعادلة الوطنية والهوية اليمنية هما المؤهلتان موضوعيا لإيجاد مثل هذا الحل العادل. وأقول مؤهلتين لأن للمسألة وجهاً آخر، وهو عندما ينصرف معناها إلى أهمية بقاء الجنوب موحداً ومحمياً من التفكك، فإنهما الوحيدتان القادرتان على تحقيق ذلك. أما الهويات الأخرى فهي وإن كانت حاضرة في سياقات تاريخية من حيث مبناها ومعناها في الإطار الزمني الذي تشكلت فيه حتى انفتاحها على هوية أكبر لأسباب موضوعية، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بما يمثله دعاتها في الوقت الحالي من تعالٍ على الواقع، فالحقيقة التي لا يجب أن نغفلها هي أن الهويات لم تكن هي أساس مشكلة اليمن حتى يهرب إليها البعض لتمييع الحل. إن الكيفية التي توظف فيها الهويات في اللحظة الراهنة تجعلها متصادمة مع الحقائق التاريخية في أكثر الموضوعات صلة بالجغرافيا السياسية والمصالح الاستراتيجية للشعب، وبالتالي فإن استحضارها في الوقت الحاضر لا يشكل حالة انقسامية في الجنوب فحسب ولكنه يدخل هذه القضية في مواجهات تجرها بعيدا عن مضامينها السياسية إلى صراع هويات توفر ذرائع لنزعات عصبوية ستصبح أشد خطورة على القضية الجنوبية من أي تحديات أخرى. إن التاريخ لا يتكرر بصورته القديمة إلا على نحو هزلي. والتاريخ كما يقول بعض الفلاسفة "هو سجل للتغيير وتذكرة بأن لا شيء يدوم للأبد، وحتى الذي يزول ويعود إلى الظهور مرة أخرى فإنه لا يعود بالوضع القديم نفسه". أما الذين يتباكون - صباح مساء - على المعادلة الوطنية فلم تسعفهم الدموع أن يقدموا أي دليل على ثقتهم بأن هذه المعادلة قادرة على إنتاج الحل من داخلها بما يرضي الشعب في الجنوب، لأن البعض لا يفهم هذه المعادلة إلا بأنها قوة وتسلط ومراوغة وأمر واقع، وبذلك فإنهم يدفعون الآخرين إلى البحث عن الحل من خارج هذه المعادلة وبعناوين هوية مختلفة وتسويقها داخل بؤر اليأس والاحتقان التي تتشكل يومياً في المجتمع بسبب ما يولده هذا الفهم الخاطئ للمعادلة الوطنية من حلول محبطة.
الحضور الكرام.. إن التحديات الضخمة التي تنتصب أمام البلاد في صورها الأمنية والاقتصادية والسياسية والوطنية لا تترك أي مجال للمعالجات الترقيعية أو المؤقتة، فإما أن نكون أو لا نكون. لا بد من حسم خيارات الحل لجملة هذه التحديات بروح تضع مصلحة الوطن فوق كل المصالح الأخرى. فالبلاد لم تعد تحتمل المزيد من التدهور دون أن يؤدي ذلك إلى تهديد كيان الدولة برمته. لقد تعرضت الدولة منذ زمن طويل للمصادرة لصالح أطراف في المعادلة السياسية والاجتماعية، وأخذت هذه الأطراف تتناوب إضعاف الدولة من مواقعها في الدولة وفي المجتمع وباستخدام أدوات الدولة نفسها. لقد رأينا كيف أن هذه الأطراف أضعفت الدولة، بل وصادرتها أحيانا كثيرة، ولم تستطع بدورها أن تؤدي وظيفة الدولة في صيانة المجتمع وحماية مصالحه. واليوم وبعد كل هذه التجارب المكلفة والمأساوية لا بد أن تكون مهمتنا الرئيسة هي حماية الدول من الانهيار. وتقف على رأس المهمات المطلوب انجازها لحماية الدولة من الانهيار مغادرة مشروع الحروب فوراً والتوقف عن المؤامرات والاغتيالات والقتل الذي ما زالت تمارسه بعض القوى بهدف إرباك الأوضاع العامة, والعودة إلى مسار العملية السياسية، والعمل بجدية على إنجاز ما تبقى من مهام المرحلة الانتقالية. وفي سياق هاتين المسألتين تبرز أكثر المهمات إلحاحاً في الوقت الحاضر وهي؛ أولاً: التصدي بقوة لكل محاولات جر البلاد إلى صراع طائفي، فالشحن الذي يتم في اللحظة الراهنة لتقسيم المجتمع على هذا الأساس هو من أخطر ما تعرض له اليمن في حياته المعاصرة، وهو محاولة خبيثة لتحويل الصراع حول القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشغل الشعب، والتي يجب أن يعمل على حلها ليؤمن مسارات تطوره وتقدمه واستقراره، إلى صراع تستحضر فيه كل العوامل المفضية إلى الحروب والتفكك والتمزق. إن ما يجب أن نؤكد عليه هنا وندعو إليه هو أن على القوى السياسية والاجتماعية والدينية بعناوينها المختلفة أن تلتزم بحقيقة أن خلافها في جوهره هو سياسي واقتصادي، وأن العنوان المذهبي والطائفي أو الملتبس بالحديث عن هويات متناقضة ليس سوى أداة شحن خطير لتحويل الخلافات التي يمكن حلها على قاعدة الاتفاق على إدارة رشيدة للمصالح إلى صراع يستأثر فيه المتغلب بكل المصالح.
إن العبث الذي يمارسه البعض، داخلياً وخارجياً، بتوظيف هذه القضية في إشعال الحروب وإذكاء العنف، هو عمل تخريبي يعد امتداداً طبيعياً لما تشهده المنطقة من صراعات دموية وتدمير ممنهج لمقدرات بلدانها، والذي لن يتوقف عند الحدود المسموح بها كما يتصور هؤلاء. وعلينا في اليمن أن ندرك قبل فوات الأوان أننا قد ندفع الثمن باهضاً لحروب لا ناقة لنا فيها ولا جمل سوى أننا أُقحمنا فيها لأسباب تتعلق بتسويات لسنا طرفا فيها. والثانية : هي التعاطي المسؤول مع القضية الجنوبية، كما شرحنا أعلاه، والتوقف بمسؤولية أمام خيارات الشعب في الجنوب، على أن يترافق ذلك مع المشروع الذي يؤمن الحل في إطار المعادلة الوطنية والهوية اليمنية، مع احترام التنوع، وبما يبقيه موحداً ودون تسويف بتقسيمه ليبقى طرفا في معادلة الدولة الاتحادية المكونة من إقليمين. ولا بد أن نكرر هنا ما قلناه أكثر من مرة من أن على النخب السياسية في الجنوب أن تتفق على قواسم مشتركة دون أي غطرسة أو مخاتلة من قبل أي طرف بفرض خياره على الآخرين كخيار وحيد. لقد أدى هذا الوضع إلى ضياع كثير من الفرص التي كان بالإمكان استغلالها لتعزيز المسار لحل القضية الجنوبية حلاً عادلاً وفقاً لخيارات الشعب في الجنوب. ولا بد لهذه القوى، من وجهة نظرنا، أن تنتج روابط وثيقة بالعملية السياسية دون تحفظ وذلك من منطلق أن هذه العملية تعنيهم وتعني القضية الجنوبية، ففي سياقها فقط يمكن حل القضية الجنوبية، كما أن نجاحها في الحفاظ على كيان الدولة يعد ركناً هاماً في توفير شروط هذا الحل. أما إذا حدث الانهيار، فإن الجنوب سيجد نفسه تائهاً ومتخبطاً ومنقسماً وسط هذا الانهيار، ربما أكثر من الشمال. إن تجاهل ورفض العملية السياسية سيخلق الفرصة أمام مشروع العنف الذي ستتولاه قوى جاهزة ومتربصة بالجنوب وباليمن عموماً.
الأخوات الإخوة المندوبون.. يمر وطننا العربي بظروف وتحديات جسيمة وتبقى القضية الفلسطينية هي قضيتنا المركزية والتحدي الأكبر الذي يجب أن يظل حاضراً في وعينا ومقترناً بنضالنا على صعيد أقطارنا.. وسيظل هذا النضال ناقصاً ومجزءاً وغير فعال بدون أن تكون فلسطين حاضرة في كل قسمات ومحطات هذا النضال. لهذه الحقيقة وجهها الموضوعي الذي لا يمكن تجاهله عندما يتعلق الأمر بأمن هذه المنطقة ودولها قاطبة مع بقاء هذه القضية بدون حل عادل. لقد انشغلت الأنظمة العربية بقضاياها الداخلية وكأنها لم تعد تدرك أن تعقيدات هذه القضايا الداخلية هو من صميم حسابات التسوية التي تريد إسرائيل وحلفاؤها فرضها على الشعب الفلسطيني، وأن الشعب الفلسطيني وقواه الحية المناضلة وهم يتصدون لمشاريع التسوية تلك لا يدافعون عن قضيتهم المشروعة على نحو مجرد من مصالح شعوب المنطقة... هنالك ترابط وثيق يشكل فيه الفلسطينيون، بتضحياتهم الجسيمة، خط الدفاع الأول عن مصالح الأمة وهذا هو ما يجعل هذه القضية حصان الرهان في معركة كسر العظم مع قوى التخلف. إن واجب العرب بدعم القضية الفلسطينية يجب أن ينظر إليه في الأساس من هذه الزاوية التي يتكامل فيها الأمن القومي العربي وتتكامل فيها المصالح العربية وكذا عناصر القوة في مواجهة التآمرات التي يتعرض لها الوطن العربي حتى اليوم.
في نهاية كلمتي هذه أشكر جميع من شرفونا بالحضور وأشكر رئيس الجمهورية الأخ عبد ربه منصور هادي لدعم انعقاد مجلسنا الحزبي هذا، ونشكر قيادة وزارة الدفاع والكلية الحربية، ونشكر كذلك القيادة الأمنية في أمانة العاصمة، ونشكر كل من عمل على نجاح هذه الفعالية الافتتاحية من الشباب والمنظمين والجنود المجهولين من كوادر الاشتراكي والفرقة الموسيقية. أحييهم وأحييكم جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.