لقي التدخل العسكري، كخيار لحلّ الأزمة الليبية، المدعوم من مصر، جدلاً واسعاً خلال الأيام الماضية، داخل أروقة مجلس الأمن الدولي في نيويورك، سواء قبل عقد جلسته، أو داخل أروقته أثناء الجلسة، قبل استبعاده لصالح تعزيز الحلّ السلمي.
وفيما كانت السلطة المصرية برئاسة عبدالفتاح السيسي تحاول استثمار جريمة قتل 21 مصرياً في ليبيا من قبل مجموعة "ولاية طرابلس"، التي تتبع لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بغرض حشد تحالف دولي وتوجيه ضربة عسكرية إلى المجموعات المسلّحة المناوئة له داخل ليبيا، قطعت حكومات بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الطريق أمامها، عبر إصدار بيانات بدعم الحل السياسي تحت مظلة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
وعلى الضفة العربية، برز تحفظ قطر على بيان لجامعة الدول العربية الذي يدعو إلى تسليح الجيش الليبي التابع لمجلس النواب المنحل، ويتفهم موقف مصر الداعي إلى توجيه ضربة عسكرية لمواقع قالت إنّها معسكرات ومخازن أسلحة لتنظيم "الدولة الإسلامية" في مدينة درنة.
كما دعمت كل من الجزائر وتونس وبريطانيا، الحل السياسي، مؤكدة أن الحل العسكري سيزيد ويعمق من تفاقم الأزمة الليبية، إضافة إلى تهديد مصالح دول جوار ليبيا.
"
دعمت كل من الجزائر وتونس وبريطانيا، الحل السياسي، مؤكدة أن الحل العسكري سيزيد ويعمق من تفاقم الأزمة الليبية، إضافة إلى تهديد مصالح دول جوار ليبيا
"
في هذه الأثناء، جاء التسريب حول مكتب السيسي عن دور النظام المصري في زعزعة استقرار ليبيا ودعم منسق العلاقات الليبية المصرية السابق أحمد قذاف الدم، في إسقاط "المؤتمر الوطني" الليبي، لتلقي بظلالها على الدور المصري الرامي إلى دعم الانقلاب العسكري الذي يقوده اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا، وذلك قبل ظهور مشكلة تنظيم "داعش" في ليبيا. وهو ما يؤكّد نيّة النظام توظيف مجزرة ذبح المصريين التي رتكبها إرهابيون ملثمون في ليبيا.
اقرأ أيضاً (سقوط جديد للدبلوماسية المصرية من بوابة ليبيا)
وكانت بريطانيا قد وزّعت مشروع بيان على الدول الأعضاء في مجلس الأمن يدعم الحل السياسي في ليبيا، ويدعو أطراف الأزمة الليبية إلى المشاركة في الحوار الذي يجريه مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا برناردينو ليون، إلا أن الأردن اعترض عليه وعطله.
وسبق مشروع البيان الذي تقدّمت به بريطانيا تفجيرات في مدينة القبة، أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" في ولاية برقة مسؤوليته عنها، وأودت بحياة العشرات ما بين قتلى وجرحى. مما منح الأردن فرص تعطيل البيان البريطاني، إذ إ التفجيرات استهدفت مديرية أمن القبة، وهي المدينة التي ينتسب إليها رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح.
لكن الإصرار الدولي انتصر للحلّ السياسي، وأجهض محاولة التدخل العسكري، إذ صدرت بيانات من الولايات المتحدة، على لسان المتحدثة باسم خارجيتها جين ساكي، ومن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، تمسكت بالحل السياسي كمخرج وحيد من عنق زجاجة الأزمة الليبية، مستبعدة الحل العسكري كخيار دولي في الوقت الراهن.
في ظل هذا المشهد من شد الحبال بين الحلّين العسكري والسياسي، يصرّ مسلّحو "داعش" على استحضار التدخل الدولي في ليبيا، باعتباره نوعاً من التمحيص لإيمان أفراد التنظيم، كما أنه سيكون ذريعة لاستدعاء أفراد التنظيم من المغرب العربي، وبعض الدول الأفريقية إلى ليبيا بموجب أوامر تصدر عن قيادته المركزية في بغداد.
ويرى مراقبون أن "داعش" ولاية برقة، سيرفع وتيرة عملياته في المناطق التي تتمركز فيها قواته في شرق ووسط ليبيا، وعبر خلاياه في غرب ليبيا، وذلك بهدف لفت أنظار التحالف الدولي ودفعه إلى اتخاذ قرار بالتدخل في ليبيا، سواء أكان ذلك بحجة اختبار إيمان أفراد "داعش"، كما تسوق بعض قياداته في ليبيا، أم لتخفيف الضغط على قيادة التنظيم المركزية في العراق بسبب الضربات الجوية التي يشنها التحالف الدولي عليه.
مع ذلك، يبدو السياق الدولي الأميركي، البريطاني، الإيطالي، الألماني، والجناح العربي المتمثل في الجزائر وتونس والمغرب وقطر، رافضاً حتى الآن مبدأ التدخل العسكري، بسبب غياب رؤية مشتركة أو إجماع دولي حول تفاصيل التدخل، والنتائج المحتملة له.
إضافة إلى أن الموقف الدولي يبدو متشدّداً حيال هذا الأمر، إذ رفض رفع الحظر عن تسليح الجيش الموالي لمجلس النواب، بسبب عدم وضوح رؤية هذا الجيش، الذي يبدو وكأنّه في نظر الدول الغربية أقرب للمليشيات منه إلى قوات نظامية.
ويرى مراقبون أنّ الدول الغربية ستسير في طريق دعم الحل السياسي، على خلاف رغبة الجناح العربي الذي تقوده مصر، وستعمل الدول الكبرى على دعم حكومة الائتلاف الوطني الجاري الحوار بشأنها بين أطراف الأزمة الليبية، وتحميلها مسؤولية محاربة الإرهاب، مع مطالبة جميع الأطراف الداخلة في الحوار على ضرورة إعلان نبذها العنف والإرهاب.