يبدو جلياً أن الجولات المكوكية التي بدأها سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للدول العظمى ستسهم في إعادة ترتيب علاقات السعودية الخارجية، بما يتناسب مع المرحلة المقبلة ويحقق مصالح البلاد.
ومع الخطر الصفوي الجاثم على قلب الشرق الأوسط، جاءت التحركات العاجلة للقيادة السعودية لتعيد رسم إستراتيجياتها الدولية، بما يحقق التقارب مع مختلف الدول العظمى اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، خصوصاً مع بروز العديد من القوى المؤثرة في الساحة الدولية.
الأمير الشاب محمد بن سلمان، بدأ مهمته الشاقة بعد أن عزز العلاقات السعودية الباكستانية والتي تمثل قوة عسكرية محورية في آسيا، ثم انتقل إلى روسيا يرافقه فريق عمل رفيع المستوى، ونجح خلال زيارته القصيرة في رأب صدع العلاقات السعودية الروسية، ولم يعد إلا وقد ملأ حقيبته بالعديد من الاتفاقات الثنائية والمشروعات الضخمة والشراكات الإستراتيجية والتي ستجبر الدب الروسي على تعزيز علاقاته بالسعودية والتي تمثل ثقلاً اقتصادياً عالمياً، فضلاً عن تأثيرها الديني على مليار ونصف المليار مسلم في العالم.
ويرى المراقبون أن هذا النجاح حفز القيادة السعودية على التحرك باتجاه العمق الأوروبي المقابل، وكان الهدف فرنسا، حيث تلعب باريس دوراً مؤثراً في الاتحاد الأوروبي ولذلك كانت الوجهة التالية للسعودية حيث سبق أن التقى "المحمدان" الرئيس الفرنسي خلال رحلتهما لمباحثات كامب ديفيد الشهر الماضي، وجاءت زيارة سمو ولي ولي العهد اليوم تأكيداً للرغبة السعودية في الانفتاح على دول العالم العظمى.
ويرفض الدكتور صدقة فاضل عضو مجلس الشورى أن يكون سبب التوجه الجديد ما يقال عن إدارة أمريكا لظهرها للسعودية بعد التقارب مع إيران ويقول: "أولاً هناك تأكيدات أمريكية للمملكة ودول الخليج بأن العلاقات بين الطرفين لن تتغير وستظل في أعلى مستوياتها، إضافة إلى رؤية صاحب القرار السعودي الخبير والفاحص في ما يحدث في العالم الآن من تحول من نظام القطبية الواحدة والتي كانت تعتليه الولايات المتحدة بمفردها إلى نظام متعدد الأقطاب تزاحم فيه روسيا والصين والاتحاد الأوروبي، أمريكا على ريادتها العالمية، وقد تنبه صانع القرار السعودي لذلك وتوجه لتنويع علاقاته مع الدول العظمى وتأكيد على عدم انحياز المملكة ورغبتها في الانفتاح السياسي للجميع.
ويواصل في حديثه لـ"سبق" قائلاً: السياسة السعودية الخارجية تقوم على عدة ثوابت من أهمها عدم الدخول في تكتلات مناوئة لبعضها البعض، ولذلك جاءت هذه التحركات الذكية، حيث يقوم حالياً ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بزيارة لفرنسا بعد زيارته لروسيا، ومن المتوقع أن تليها زيارات رسمية أخرى للصين وبريطانيا وألمانيا وجميعها تهدف لتوثيق العلاقات السعودية بالأقطاب العالمية.