دخلت صور الزعامات الدينية في العراق، لا سيما الشيعية منها بوصفها ترمز لشخصيات ومرجعيات عابرة للحدود السيادية للدول، حيز الجدل السياسي. اللافت في الأمر أن هذا الجدل لم يبدأ من خلال منظمات أو مؤسسات المجتمع المدني بل في البرلمان.
النائب عن القائمة العراقية حيدر الملا كان أول من طرح هذا الأمر داخل قبة البرلمان بعد أن تمكن من إدراج الفقرة الخاصة برفع صور الزعيمين الدينيين الإيرانيين، مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني والمرشد الأعلى الحالي علي خامنئي، في جدول أعمال المجلس، الأمر الذي أثار اعتراضات واسعة داخل كتلة التحالف الوطني الشيعي الحاكم الذي حمل رئيس البرلمان أسامة النجيفي مسؤولية إدراج الطلب في جدول الأعمال، وفي نفس الوقت اعتبر أن اعتراض النائب حيدر الملا على رفع هذه الصور في شوارع بغداد لا مبرر له ولسببين، الأول هو أن رفع صور الزعيمين الإيرانيين المذكورين في شوارع بغداد جاء بسبب ارتباطه بمناسبة محددة وهي يوم القدس العالمي إذ إن إيران معنية بهذا الأمر. والثاني، هو أن المرجعيات الدينية، وبخاصة الشيعية منها، عابرة للحدود القومية والعرقية على اعتبار أن كل مرجع له مقلدون في عدد من دول العالم ومن حق هؤلاء أن يرفعوا صوره كجزء من الحرية الشخصية لهم مثلما يرفعون صور أي رمز آخر يحبونه ويحترمونه.
ما حصل في البرلمان العراقي إثر مناقشة هذا الأمر كان مشادة كلامية تطورت إلى عراك بالأيدي بين النائبين حيدر الملا، الرافض لنشر صور الخميني وخامنئي في شوارع بغداد، وكاظم الصيادي، النائب المستقل المنشق عن التيار الصدري والمؤيد لنشر هذه الصور، تبعها تشكيل لجنة تحقيق عالية المستوى. وكان لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي نصيبها من هذا الجدل وتطور النقاش فيها إلى حد تعدي الخطوط الحمراء لمثل هذه القضايا الخطيرة. ففيما أعاد البعض إلى الأذهان نشر صور رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في مظاهرات الأنبار فإن هناك من أعاد إلى الأذهان حرب السنوات الثماني بين العراق وإيران. وبقي حيدر الملا، الذي لم يعتذر كما أراد منه رئيس التحالف الوطني إبراهيم الجعفري، يصر على أن الخميني وخامنئي رجلا سياسة في حين أن الكثير من نواب التحالف الوطني يعتبرونهما مرجعين دينيين لهما مقلدون حالهما في ذلك حال الكثير من المراجع الشيعية في العراق الذين تنتشر صورهم، مثل المرجع الأعلى علي السيستاني ومحمد محمد صادق الصدر، وسواهما من علماء الدين بمن فيهم زعيما المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم والتيار الصدري مقتدى الصدر. لكن الصدر وفي بيان له أمر في وقت سابق برفع صوره من بغداد وذلك على أثر تولي محافظ بغداد القيادي في التيار الصدري علي التميمي مهامه الرسمية. أمانة بغداد من جانبها باشرت برفع صور الخميني وخامنئي من شوارع بغداد وهو أمر أشاد به النائب حيدر الملا باعتبار أنه جاء استجابة لطلبه. وبينما نفى حسن الياسري، عضو البرلمان عن ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تكون الحكومة مسؤولة أو هي من تشجع نشر مثل هذه الصور أو غيرها، فإنه اعتبر أن «إثارة مثل هذه المسائل لها أهداف أخرى كان المفروض بهيئة رئاسة البرلمان أن تبتعد عنها ولا تدرجها ضمن جدول الأعمال».
في السياق ذاته، أكد الأستاذ في الحوزة العلمية في النجف حيدر الغرابي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك خلطا بين صور المرجعيات الدينية وبين السياسيين فهي ليست معلقة من قبلهم بل إنهم يتاجرون بها في وقت تقف فيه المرجعية سدا منيعا أمام المزيد من إسرافهم وفسادهم». وأضاف الغرابي أن «السياسيين يفتعلون الأزمات وحدهم لأن الشارع العراقي، السني منه قبل الشيعي، ليس لديه حساسية حيال هذه الصور التي تعود لمراجع دينية تتخطى سلطتهم الدينية من حيث التقليد الأوطان التي ينتمون إليها»، مؤكدا أن «الإسلام يقر قاعدة لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى». وأوضح أن «البعض من السياسيين يريد المتاجرة بمثل هذه المواقف أمام المتظاهرين في المحافظات الغربية بعد أن شعر أنهم لفظوه ولم يحترموه». أما في الجانب الشيعي، فيقول الغرابي، فإن «السياسيين الشيعة ممن تصدى لذلك يريد أن يظهر نفسه أمام المرجعية بأنه يدافع عنها وهي لا تحتاج لدفاع من أحد»، معتبرا أن «البرلمانيين رجال أزمات وليسوا رجال دولة».