لندن- بعد أن حدد مرشد الدولة الإيرانية الإسلامية وولي الفقيه آية الله علي خامنئي مرشحين الرئاسة، بما يضمن ولايته الفقهية، ومساره نحو الدكتاتورية الدينية، ظهر ردود فعل مختلفة من القوى السياسية التي كان لها دور في الثورة الإيرانية ضد النظام الشاهنشاهي(1979)، تلك القوى التي تنكر لها نظام الملالي وأعلن دولة دينية بعد فترة قصيرة من عودة آية الله رح الله الخميني من باريس، من هذه القوى الفاعلة آنذاك في الساحة الإيرانية حزب "تودة" أو حزب الشعب الإيراني، فقد أصدر بياناً في 23 مايو (أيار) الماضي ينعي فيه الثورة ويعلن عن بداية حقبة مظلمة في تاريخ إيران السياسي.
جاء في البيان: "بعد قرار مجلس صيانة الدستور في إيران الذي ?تألف من المرتزقة الأ?ثر ظلام?ة للرجع?ة وأذناب علي خامنئي، المرشد الأعل? حرمان المئات من المرشحين للرئاسة، بما في ذلك هاشمي رفسنجاني، لم يعد هناك أدنى شك لدى غالبية الشعب بشأن الخطط التي يحيكها قادة الرجعية لتنظيم انتخابات زائفة وتنصيب تابع ذليل آخر مثل أحمدي نجاد في الموقع الرئاسي. إن قبول ترشيح بعض البلطجية مثل محمد قاليباف ومحسن رضائي اللذين يفتخران بالاعتداء على أبناء شعبنا الكرام بالضرب وممارسة القمع الدموي، وقبول ترشيح شخصيات سيئة السمعة من أمثال حداد عادل وجليلي وولايتي؛ بينما يرفض ترشيح هاشمي رفسنجاني الذي يتولى حالياً منصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، يكشف مرة أخرى المستوى الحقيقي لـحرية الانتخابات وحدودها في النظام النموذجي للعالم أمام انظار الرأي العام في إيران والعالم".
ولفت حزب تودة، الذي صار مطارداً منذ وسط الثمانينيات، واتهم قادته بالتجسس والعمالة للاتحاد السوفيتي وصدر ضده فتاوى تحريم وتكفير وألقي أبرز أعضائه في سجون الثورة الإيرانية، الأنظار إلى إدعاءات المرشد الأعل? للنظام، وغيره من أنصار الحكم الاستبدادي، وأن النظام الحالي يمثل العقبة الرئيسية أمام أي تنمية اقتصادية-اجتماعية في اتجاه انقاذ ايران من الوضع الكارثي الحالي.
وضمن الحزب في بيانه كلمة هاشمي رفسنجاني بعد الاقصاء عن خوض الانتخابات الرئاسية وحصرها في المجموعة التي تلتف حول المرشد، قال: "كنت أعلم إنه كان ينبغي أن لا أدخل السباق الرئاسي، وقلت أيضاً في اجتماعات خاصة انني أعرف هؤلاء الناس أفضل من أي شخص آخر... وحسب اعتقادي فإنه لم يكن بالإمكان إدارة البلد بطريقة أسوأ مما يجري، حتى مع سيناريوهات معدة مسبقاً وأساليب مدمرة... لا أريد الانجرار إلى تصريحاتهم ودعايتهم، لكن جهلهم يزعجني. إنهم لا يعرفون ما يفعلون...". ثم تناول رفسنجاني الوضع الاقتصادي ووصف إيران بأنها بلد مفلس سقط في أزمة عميقة.
وعرج بيان تودة على اقصاء رفسنجاني من الانتخابات الرئاسية قائلاً: "إن رفض ترشيح هاشمي رفسنجاني الذي كان يشار إليه منذ وقت غير بعيد باعتباره ركيزة النظام ورفيق الإمام، هو مؤشر إلى الخطوة الحاسمة التي اتخذتها الرجعية الحاكمة بزعامة علي خامنئي نحو دكتاتورية شبه عسكرية أكثر فظاظة، لا يملك فيها حتى بعض كبار قادة الجمهورية الإسلامية الحق في حياة سياسية من دون إذنه. إن الانقلاب الذي نفذه القائد الديني الأعلى وأعوانه هذه المرة حتى قبل أن تبدأ الانتخابات، أنهى كلياً الوهم بشأن الدولة الجمهورية، وأكد للشعب الايراني أن أحد الانجازات الأخيرة المتبقية من ثورة 1979 الرائعة، أي الدولة الجمهورية، قد ذُبح من قبل النظام الثيوقراطي وحكم البلطجية".
بعدها جاء البيان على تجارب الانتخابات في إيران، خلال العقود الماضية من عمر الجمهورية وفوز الإصلاحي خاتمي ومحاولاته التي اجهضت في الانفتاح السياسي والاجتماعي، وهزيمة مرشح الولي الفقيه ناطق نوري حينها: "لقد اكتسبت بلادنا مجموعة متنوعة من التجارب القيمة في العقود الأخيرة في ما يتعلق بالانتخابات في ظل النظام الثيوقراطي في إيران. وكانت ملحمة ما?و (أ?ار) 1997 وتصويت 20 مليون من الشعب ضد ناطق نوري، المرشح المفضل الذي تم اختياره من قبل "المرشد الأعل? للنظام"، قد هزّت اركان النظام الثيوقراطي. وخلال 8 سنوات من عهد الحكومة الموالية للاصلاح، على رغم أنها لم تتمكن من تحقيق تغ??رات جوهرية وديمقراطية، لكنها استطاعت أن تحقق تحولاً في الاجواء السياسية في المجتمع وخلقت الفرصة للتنظيم الاجتماعي. واعتبر اقطاب الرجعية أن السنوات الثماني لحكومة الاصلاح تمثل خطراً جدياً بالنسبة إليهم، ونتيجة لذلك، عندما كانت ولاية خاتمي تقترب من نهايتها، كانوا مصممين على عدم السماح بأن يحدث هذا أبداً مرة أخرى".
وهذا ما حدث في الدورات الانتخابية الأخرى، وإصرار مرشد الدولة وولي الفقيه فيها على القبض على السلطة بدكتاتورية دينية وذراعها الجيش الثوري، ووصف بيان تودة القمع الذي مورس ضد التظاهرات الرافضة نظام المرشد مما أسفر عن فرض أحمدي نجاد، قائلاً: "وتبين تجربة ثلاثة انتخابات مختلفة في السنوات العشر الماضية، منذ الانتخابات الرئاسية في 2005 و2009 إلى الانتخابات البرلمانية في 2011، الدور الواضح للنظام والحرس الثوري والقوى القمعية في التخطيط المسبق للانتخابات وسحق أصوات ملايين المواطنين بوحشية، وأخيراً ترتيب وصول تابعين أذلاء كأحمدي نجاد وأمثاله الى مناصب تعود الى ممثلي الشعب الحقيقيين".
ووصف البيان نظام خامنئي بالرجعي، وسعيه إلى تنصيب أحد المتشددين من اتباعه رئيساً وتمرير انتخابات شكلية، وطالب البيان بالآتي: الغاء الاشراف والمصادقة من قبل مجلس ص?انة الدستور، وعدم تدخل قوات الأمن والحرس الثوري في الانتخابات، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع السجناء السياسيين، وانهاء الإقامة الجبرية المفروضة على السيدة زهرة رهنورد والسيد مير حسين موسوي والسيد مهدي كروبي".
هذا وينتهي البيان إلى أن وجود قرارات قد اتخذت مسبقاً من قبل اقطاب النظام، يعني هذا لن تكون هناك أية انتخابات في إيران يمكن البحث فيها عن مرشح للتصويت له، مناشداً الشعب الإيراني عدم المشاركة في الانتخابات، ففي "مثل هذه الظروف، لن تخدم المشاركة في الانتخابات سوى خطط النظام لجلب الناس الى صناديق الاقتراع. ان المسألة الرئيسية امام الحركة الشعبية وكل القوى المؤيدة للإصلاح والمحبة للحرية هي تنظيم احتجاجات واسعة ضد نظام الحكم الحالي والسياسات الطائشة والمدمرة لـلمرشد الأعل? وأعوانه".