أكدت إيران على دعمها لمحادثات السلام بين الأطراف اليمنية التي اختتمت جولتها التمهيدية الخميس الماضي بـ"اتفاقية ستوكهولم". وعلى ضوء ذلك، كشفت الخارجية الإيرانية في بيان لها الاثنين الماضي، أن طهران تجري حوارا مع الاتحاد الأوروبي بهدف تفعيل نفوذه للضغط من أجل إيقاف الحرب في اليمن.
وتأتي تصريحات الخارجية الإيرانية تلك، لتعزيز الدور المتزايد الذي يوليه الاتحاد الأوروبي بالملف اليمني. حيث سعت دول كبرى في الاتحاد الأوروبي إلى تكثيف حضوره وتأثيره في هذا الملف، بصورة أكبر، منذ مطلع العام الجاري. وبشكل خاص، بعد تعيين الخبير البريطاني مارتن غريفيث كمبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن أواخر فبراير/ شباط الماضي.
*الحضور الأوروبي في الملف اليمني *
باستثناء دور بريطانيا الرئيسي منذ بداية الازمة اليمنية، كحاملة لملف اليمن بمجلس الأمن، ولتحركها بمعزل عن الاتحاد الأوروبي الذي بدأت إجراءات الخروج منه قبل عامين، فقد بدأ الاهتمام الأوروبي بالملف اليمني بالبروز في شهر مارس/ آذار الماضي، حين قامت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي، انتونيا كالفوبيورتا، في 19 من الشهر، بزيارة خاصة إلى العاصمة اليمنية صنعاء على رأس وفد أوروبي رفيع المستوى، يتكون من: سفيري فرنسا وهولندا؛ ومبعوث خارجية مملكة السويد؛ ورئيس القسم السياسي في البعثة الأوربية.
وطبقا لبيان صدر عنها اليوم التالي للزيارة، أعلنت رئيسة البعثة أن هذه الزيارة تعتبر هي الثانية لها إلى صنعاء "ضمن جهود الاتحاد الأوروبي في التواصل مع جميع الأطراف اليمنية لحثهم على الانخراط في محادثات لإيجاد تسوية سياسية دائمة".
وحيث أكدت على أن الاتحاد الاوروبي يدعم "الجهود الاممية للتوصل لتسوية سياسية دائمة للازمة اليمنية"، فقد دعت باسم الاتحاد "جميع الاطراف للانخراط وبنوايا حسنة مع جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن جريفيث."
وكان مصدر دبلوماسي خاص أبلغ "يمن شباب نت"، حينها، أن الجهود التي تبذلها البعثة الأوروبية تصب في دعم جهود المبعوث الأممي الجديد، قبل أيام قليلة من زيارته السعودية والإمارات في أول جولة له للمنطقة منذ توليه مهامه.
بعدها بأقل من شهر، وصلت إلى العاصمة صنعاء بعثة أخرى من الاتحاد الأوروبي ولجنة حقوق الإنسان، إلى جانب وفد من المانحين السويسريين في منتصف أبريل/ نيسان.
وفي 25 يونيو/حزيران 2018، عقد وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي جلسة مناقشات بخصوص اليمن بحضور المبعوث الأممي مارتن غريفيث، الذي قدم إحاطة خاصة للمجلس، قبلها بيومين، حول تحركاته وما توصل إليه من خلاصة أولية لطبيعة الأزمة وما يتوجب القيام به.
وفي مطلع يوليو/ تموز الماضي، التقت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن أنطونيا كالفو بويرتا، القيادي الحوثي مهدي المشاط رئيس ما يسمى "المجلس السياسي" للانقلابين في العاصمة صنعاء بشكل غير معلن.
وعلى ضوء ذلك، يُعتقد أن استئناف المشاورات بين الأطراف اليمنية مؤخرا في العاصمة السويدية (ستوكهولم)، خلال الفترة 6 – 13 ديسمبر الجاري، جاءت في سياق تلك التحركات الأوروبية. حيث أبدى الاتحاد الأوروبي انفتاحا على جماعة الحوثي، في الوقت الذي كانت فيه شبه معزولة عالميا باعتبارها جماعة متمردة انقلبت على السلطة الشرعية المعترف بها دوليا، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي نفسه.
*وفي الـ15 من الشهر الجاري، أكد الاتحاد الأوروبي على أنهم ينظرون إلى اليمن كأولوية في عملهم الدبلوماسي.*
وأخذا بالاعتبار تلك السياقات، بدى وكأن إيران تعول وتراهن أكثر على الدور الذي يمكن أن يلعبه الاتحاد الأوروبي من أجل إحراز تقدم على صعيد وقف الحرب في البلاد، وتسوية الأزمة، دون التأثير كثيرا على وضع حلفائها الحوثيين في اليمن.
وعلى ما يبدو أن تلك القناعة الإيرانية تزايدت أكثر، خصوصا في ظل تزايد المواقف والتصريحات العدائية للإدارة الأمريكية الحالية إزاء طهران، في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس الأمريكي ترمب، الإعلان بشكل متكرر عن تمسكه بدعم حلفائه في التحالف العربي (السعودية والإمارات) في حرب اليمن.
وعلى العكس، لا تبدو دولة الإمارات العربية المتحدة المشاركة في التحالف العربي، واثقة من تحركات الاتحاد الأوروبي في اليمن. حيث تعتبره منحازا لجماعة الحوثي، لاسيما منذ صدور البيان المشترك عن ممثلة الشؤون الخارجية للاتحاد فيدريكا موغيريني، والمفوض الأوروبي للمساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات خريستوس ستيليانيدس، في أغسطس/آب الماضي، بخصوص الغارات الجوية التي سقط ضحيتها مدنيين.
وبالنسبة للحكومة اليمنية الشرعية، ما يزال من غير الواضح، حتى الأن، ما إذا كانت ما تزال غير راضية تماما/ أم لا، عن تلك التحركات التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي مع إيران بعيدا عنها؟ مع أنها أعربت هي الأخرى عن رفضها أيضا لما تضمنه البيان الأوروبي المشترك بخصوص الغارات الجوية للتحالف في اليمن.
كما اعتبرت الخارجية اليمنية في بيان لها في وقت سابق من مطلع يوليو الماضي "بأن أي تواصل مع الفاعلين الإقليميين دون التشاور الكامل معها سيؤدي الى فشل هذه الجهود". في بيان لها على خلفية الزيارة السرية لرئيسة البعثة الأوروبية لقيادة الحوثيين بصنعاء في يوليو الماضي.
لكن ما هو واضح، على أية حال، أن الحكومة اليمنية تواصل التشديد على المرجعيات الثلاث الرئيسية، والمتمثلة بـ: المبادرة الخليجية؛ ومخرجات الحوار الوطني؛ وقرارات مجلس الأمن الدولي، كأساس لأي حل أو تسوية سياسية.
ومع أن الاتحاد الأوروبي ما زال يعتبر تلك المرجعيات الثلاث أساسا للحوار والتفاوضات لحل الأزمة في اليمن، إلا أن تحركاته الأخيرة تركز، بشكل أكبر، على الأزمة الإنسانية التي خلفتها الحرب في اليمن، أكثر من المرجعيات الثلاث، بينها القرار الأممي رقم (2216).
*مصالح مشتركة*
وفي تفسيره لطبيعة تلك التحركات الأوروبية – الإيرانية، يذهب المحلل السياسي اليمني محمد الغابري بعيدا عن الملف اليمني.
فهو بداية، يرى- في حديثه لـ"يمن شباب نت"- أن الاتحاد الأوروبي يسعى لإبقاء إيران ملتزمة بالاتفاقية النووية الموقعة عام 2015، كما أن طهران تستخدمها كورقة تفاوضية معهم للتخفيف من العقوبات الأمريكية التي تطالها بين وقت وآخر.
ومع ذلك، لا يقلل الغابري من تأثير الاتحاد الأوروبي في الملف اليمني، باعتباره كيان له تأثير في السياسة والعلاقات الدولية "وبالتالي يمكنه ممارسة الضغط على السلطة اليمنية والتحالف العربي، والتلويح بقنوات اتصال مباشرة مع الحوثيين".
ويرى أيضا، أن إيران والاتحاد الأوروبي معا، يمكنهما التأثير على الحوثيين للاستمرار بمحادثات السلام وغيره. لكنه أكد على أن المرجعيات (الثلاث) ستظل هي الثابت الذي لا يستطيعون تجاوزه "وإن لوحوا، ضمنا وليس تصريحا، عبر التواصل المباشر مع الحوثيين".
ومثله، يربط أستاذ إدارة الأزمات والصراعات نبيل الشرجبي، التفاهمات الأوروبية – الإيرانية حول ملف اليمن، بالصراع الدولي، معتبرا أن "ما قيل عنه أنه تنازل حوثى في مباحثات السويد، كان أحد تفاهمات الجانب الأوروبي مع إيران حول عديد من الملفات التي تهم الطرفين".
وأضاف لـ"يمن شباب نت" أن إيران تراهن على أوروبا بسبب حجم الاستثمارات الأوروبية في طهران، والتي تتجاوز 200 مليار دولار، وزادت بعد رفع واشنطن العقوبات عنها، فهي قد أقفلت أبوابها أمام أي نوع من الاستثمار الأمريكي.
*تأثير محدود *
وبرغم أن رهان الطرفين في الملف اليمني يأتي في إطار حماية مصالح الجانبين، كما يقول الشرجبي، إلا أن الواقع "يؤكد أنه لا يمكن لأوروبا أن تنجح في إيران، ولا يمكن لهم أن يشكلوا أي تأثير، لا في إيجاد أي دور لهم أو لطهران أو في الحرب اليمنية، بسبب أن الشرق الأوسط هو منطقة نفوذ مطلق للولايات المحتدة".
وهنا، يشير الشرجبي إلى قانون "داميتون" الأمريكي، الذي يتعلق بعمل الشركات الدولية، ويُمنع بموجبه التعامل أو التعاون بأي شكل مع أي دولة ترعى الإرهاب. والقانون تم فرضه من قِبل الكونجرس الأمريكي على باقي الشركات متعددة الجنسيات، وفي حال ما إذا أقدمت الشركات الأوروبية على مخالفة ذلك، فستتعرض للعقوبات الاقتصادية بموجب هذا القانون.
وهناك حالة واحدة فقط "يمكن فيها تجاوز التحدي الأمريكي"، بحسب الشرجبي، وذلك "في حال تمكن الاتحاد الأوروبي من تشكيل كتلة اقتصادية واحدة مع اليابان والصين تحديدا". لكنه يستبعد حدوث ذلك، على الأقل في الوقت الراهن وعلى المدى القريب، "كون درجة العداء والشك المتبادل بين أوروبا وبكين، تمنع في الوقت الحالي قيام تكتل من هذا النوع".
وعليه، يخلص أستاذ إدارة الصراعات والأزمات إلى نتيجة تتعارض مع ما توصل إليه سلفه الغابري، بشأن إمكانية التأثير الأوروبي على الملف اليمني. حيث يقل الشرجبي من ذلك "سياسيا".
فالجانب الأوروبي- كما يقول: "يتركز اهتمامه بالمنطقة على الجوانب الاقتصادية، أما الاهتمامات السياسية فهي تستخدم أحيانا من أجل تعظيم ذلك الجانب".