يجلس الحاج نعمان، مستظلا بجوار البقالة التي لا تبعد عن منزله كثيراً، يتساءل مع عبدالرزاق مالك البقالة "ها مو قالوا، ما نزلش سعر الدقيق، هو ذا السعودي، يقصد الريال، قد تراجع" يتحدث وهو يحاول جاهدا خلع ساقه الصناعي ليضعها بجانبه، بعد أن فقد ساقه اليمنى قبل عدة سنوات بانفجار لغم زرعه متمردون قبل سنوات في منطقته بمحافظة إب، فيرد عليه صلاح لا لا يا عم نعمان.. التجار يلعبوا لعبتهم".
منذ أشهر لم يتسلم نعمان، متقاعد، راتبه مما زاد من معاناته ككثير من أبناء هذا البلد المغلوب على أمره، لكنه لا يزال يأمل في أن تنتهي الحرب وتعود مؤسسات الدولة ليحضا بوضع أفضل.
يعيش معظم اليمنيون ظروفاً معيشية بالغة في الصعوبة، منذ أن انقلبت مليشيا الحوثي على السلطة في 21سبتمبر 2014، وأدخلت البلاد في حرب دفعها ثمنها الكثيرون من الأبرياء، كان أشدها خلال العام 2018، الذي شهد تدهورا غير مسبوق في سعر العملة المحلية، فتضاعفت أسعار المواد الغذائية في ظل نهب مليشيا الحوثي لمرتبات موظفي الدولة منذ ثلاثة أعوام.
تراجع سعر صرف العملات الأجنبية أمام العملة المحلية، الريال، خلال نوفمبر الماضي ومطلع الشهر الجاري، لكن ضمائر التجار لم تتحسن فظلت الأسعار كما هي إلا من تراجع رمزي لا يكاد يفرق بين الأسعار قبل التحسن وبعده.
تتصدر محافظة مأرب رأس القائمة بين المحافظات الأكثر كُلفة بحسب تقرير لمركز الاعلام الاقتصادي صدر في سبتمبر الماضي، قبل أن يتراجع المركز في تقريره اللاحق بأن المحافظة شهدت تحسنا ملحوظا في ارتفاع الأسعار، لكن الواقع يؤكد أن تجار بمارب هم الأكثر جشعا واستغلال للنازحين والسكان معا، كما يقول الأهالي.
مكتب التجارة والصناعة، بالمحافظة، عمّم في منتصف نوفمبر الماضي، قائمة أسعار بالمواد الغذائية والأساسية، وزعت على المحلات التجارية، تطالب التجار، الجملة والتجزئة، بالتعامل معها، لكنه أخفق في تطبيق ذلك، بحسب مراقبين.
المواطن يدفع فاتورة حرب المليشيات
يقول وائل، صاحب محل مواد غذائية، للصحوة نت" بالنسبة لتسعيرة المكتب كانت عشوائية، ليست موجودة في مقر الشركات، حسب قوله.
يضيف " التسعيرة الثانية كانت جيدة ومدروسة وتعاملنا معها، لكن عدم استقرار الصرف أجبرنا على تغيير السعر، مستدركا، استقرار الصرف هو المتحكم الرئيس وليس مكتب التجارة والصناعة، كذلك هناك مشكلة أخرى هي أن تجار الجملة يطلبون منا أن ندفع لهم بالريال السعودي وهذا سبب عدم تراجع الأسعار".
وعن فارق السعر بين صنعاء ومارب، قال إنه بسبب النقل، وأن الشركات المصنعة كلما فرضت عليها المليشيات اتاوات، تضيفها فوق قيمة السلعة ليدفعها المستهلك، بمعنى أن فاتورة الحرب التي تخوضها المليشيات ضد الدولة يدفع قيمتها المواطن سواء رضي بذلك أم لم يرض.
التجار والسلطة المحلية
تدرك السلطة المحلية بمارب أن المحافظة بسبب الازدحام السكاني بسبب النزوح، تحولت إلى بيئة خصبة للتربح السريع من بعض التجار، خاصة وأنهم يتعاملون مع تسامح السلطات وتشجيع الناس على التعايش، يتعاملون مع ذلك بانتهازية مفرطة، ما دفع بوكيل المحافظة، علي محمد الفاطمي، قبل أيام الأسبوع الماضي، لقاء مع كبار تجار المواد الغذائية والأساسية بالمحافظة، حذر خلال اللقاء التجار بأن السلطة المحلية ستتخذ الإجراءات الحازمة تجاه المتلاعبين بالأسعار بغرض تكوين ثروات على حساب معاناة المواطنين وطالبهم بالالتزام بتعاميم مكتب التجارة والصناعة.
ضغوطات دولية
يربط الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي، محمد الجماعي، في حديث لـ "الصحوة نت" تراجع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل تحسن الريال وعدم تراجع أسعار المواد الأساسية إلى الضغوط التي تواجهها الحكومة في هذا الجانب.
وأضاف الجماعي ... المراقب للوضع الاقتصادي يدرك كيف أن الريال انهار بشكل متسارع أمام العملات الصعبة، ليصل خلال أيام إلى 800 ريال للدولار الواحد، وأيضا حدث العكس وإن لم يتراجع إلى المستوى المطلوب، وهو ما يدل على أن هناك أطراف فاعلة على الساحة اليمنية، عملت في البداية على سحب العملات الأجنبية من السوق ما تسبب بانهيار الريال، وفعلت العكس، بضخ العملات الأجنبية في السوق، عندما استجابت الحكومة لتلك الضغوطات، لكن تلك الأطراف لم تسمح بعودة الأسعار إلى سابقها لتضمن مواصلة الضغط على الحكومة مقابل تنازلات سياسية، حسب قوله.
أزمات متعددة يواجهها اليمنيون، منذ انقلاب المليشيات على السلطة الشرعية، وحرب يبدو أن فصولها لا زالت طويلة، وأزمات اقتصادية خانقة كل ذلك يدفع ثمنها المواطن البسيط من قوت أطفاله ومستقبلهم.. فهل ستنتهي فصول تلك المأساة؟