أثمرت السياسة الخارجية السعودية، في تعاملها مع الملف العراقي، خلال العقود الثلاثة الماضية، عن تقارب غير مسبوق تشهده العلاقات بين البلدين اليوم، حيث اعتمدت هذه السياسة على نبذ الطائفية، ومحاربة التحزب، وتغليب المصالح العامة على الخاصة، وتعزيز العلاقات القائمة على المصالح المشتركة، بما يضمن وحدة الصف العربي، في مواجهة تحديات المرحلة الراهنة.
وتفصيلاً، رفضت المملكة خلال السنوات الماضية الابتعاد عن العراق، أو التوقف عن مساندته ودعمه، باعتباره بلداً عربياً مهماً، لا يمكن الاستغناء عنه، أو تركه في يد أعداء الأمة، هذا الدعم تسلح بالنفس الطويل، الممزوج بالصبر، مع الأمل بأن العراق سيعود ـ حتماً ـ إلى الحاضنة العربية، رغم فتور العلاقة بين الرياض وبغداد خلال العقود الماضية، على وقع التدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي العراقي، ومحاولات طهران مصادرة القرار العراقي والتحكم فيه، لصالح إذكاء الطائفية في المنطقة، ومحاولة تشرذم الدول العربية، وبث الفرقة والخصام في أوصالها.
ثمار التقارب
اليوم تحصد السعودية والعراق ثمار تقاربهما، من خلال الزيارة التي يقوم بها حالياً رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي للرياض، على رأس وفد اقتصادي كبير، واستقبله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ يحفظه الله ـ، حيث يشير هذا التقارب إلى رغبة البلدين في تطوير العلاقات بينهما في جميع المجالات.
ويرى متابعون أن تبادل الزيارات بين البلدين بهذا المستوى الكبير، يفتح آفاقاً واسعة في تعزيز هذه العلاقات وترسيخها، والوصول بها إلى مستوى متطور، يجلب معه الفائدة للشعبين الشقيقين، والدليل على ذلك أن اللقاء شهد توقيع 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين.
ولن يتوقف تطور العلاقات بين الرياض وبغداد عند هذا الحد، وإنما سيواصل مسيرته ـ بحسب توقعات المتابعين ـ ليمتد إلى مجالات جديدة، تدعم البلدين سياسياً واجتماعياً وثقافياً، من منطلق الاشتراك في الديانة واللغة والتقاليد والعادات، فضلاً عن المصير المشترك بينهما، وإن كان "الاقتصاد" سيكون في مقدمة ما يميز هذه العلاقات، من خلال إقامة مشاريع مشتركة، تجلب الخير لشعبي البلدين.
26 عاماً
حرصت المملكة على مساندة العراق، والوقوف بجانبه، وعدم تركه فريسة بين أنياب أعداء الأمة العربية والإسلامية، وطيلة الـ26 عاماً الماضية، سعت الدبلوماسية السعودية في لفت نظر العراقيين إلى الأخطار المحدقة بدولتهم من ترك الإيرانيين يتلاعبون بمصير العراق كيفما يشاؤون، وحذرت الرياض، بغداد من مغبة إشعال نار الطائفية في العراق بالوقود الإيراني، وقد ثبت للعراقيين صدق توقعات المملكة، ما دعاهم إلى إعادة الحسابات سريعاً، والعودة مرة أخرى صوب الحضن والملاذ العربي.
وفي عام 2014 ـ على سبيل المثال ـ أعربت المملكة خلال إحدى جلسات مجلس الوزراء عن قلقها البالغ لتطورات الأحداث الطائفية في العراق.
وقالت المملكة إن هذه الأحداث ما كانت لتقوم لولا السياسات الطائفية والاقصائية التي مورست في العراق خلال الأعوام الماضية والتي هددت أمنه واستقراره وسيادته.
وأكد المجلس على ضرورة المحافظة على سيادة العراق ووحدته وسلامة أراضيه، ورفض التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية، ودعوة كافة أطياف الشعب العراقي إلى الشروع في اتخاذ الإجراءات التي تكفل المشاركة الحقيقية لجميع مكونات الشعب العراقي في تحديد مستقبل العراق والمساواة بينها في تولي السلطات والمسؤوليات في تسيير شؤون الدولة وإجراء الإصلاحات السياسية والدستورية اللازمة لتحقيق ذلك. ودعا مجلس الوزراء، العراق إلى الإسراع في تشكيل حكومة وفاق وطني للعمل على إعادة الأمن والاستقرار، وتجنب السياسات القائمة على التأجيج المذهبي والطائفية التي مورست في العراق، مواجهة الخطر الكبير الذي يمثله تنظيم داعش.
وعودة العراق إلى الحضن العربي "اليوم" يحمل انتصاراً للجهود السعودية في هذا الشأن، وتواجد رئيس الوزراء العراق في الرياض، أحد الأدلة الدامغة على أن العراق استفاق من سباته، وتنبه إلى المخططات الإيرانية التي سعت للإيقاع به، ما يشير إلى التئام الدول العربية من جديد، بقيادة المملكة العربية السعودية، لمواجهة الأخطار المحيطة بها من كل حدب وصوب.