لا تملُّ دولة الإمارات من العبث ومحاولات التخريب بدول المنطقة العربية، مستغلة حالات الثورات المطالبة بالتغيير والتحرر، وبداية حكم مدني يؤهلها أن تبني حياة كريمة مجدداً، وكانت آخر محطاتها في السودان، آخر ركب المنتفضين في العالم العربي.
ومنذ تخليها المفاجئ عن دعم الرئيس عمر البشير، الذي عزله الجيش في أبريل الماضي، بعد الاحتجاجات الشعبية العارمة التي طالبت بإسقاطه، بدأت أبوظبي رويداً رويداً تحشر أنفها في الشأن السوداني الداخلي، محاولة تحويل المسار الثوري لصالحها، عبر محاولة كسب ود المجلس العسكري الانتقالي في البلاد، وإعلانها تقديم مساعدات مالية في وقت حساس تشهده البلاد.
لا تُخفي الإمارات تخليها عن حلفائها أو من يساندها إذا ما حانت ساعته، فهي لم تعادِ البشير حباً بالسودانيين وثورتهم، فقد عُرفت أنها الراعي الأول للثورات المضادة في المنطقة، وداعمة الانقلابات العسكرية في مصر وليبيا، وأول المطبعين مع نظام الأسد خليجياً، وإعلامها يهاجم انتفاضات الشعوب بحجة الإسلاميين منذ الساعات الأولى للربيع العربي.
ورغم خدمات البشير في اليمن عبر إرسال الجنود العسكريين لمساندة التحالف الذي تقوده السعودية بمشاركة إماراتية باليمن منذ عام 2015، فإنها انقلبت عليه مع أولى المظاهرات المطالبة بتنحيه.
وبعد أسبوعين من إسقاطه في أبريل 2019، أعلنت الإمارات، وإلى جانبها السعودية، أنهما ستقدمان مساعدات للسودان قيمتها ثلاثة مليارات دولار.
واستقبل عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري الانتقالي حينها، وفداً إماراتياً سعودياً مشتركاً تُجهل صفته، قدِم إلى البلاد "يمد يد العون للسودان" وسط احتجاجات عارمة آنذاك ترفض حكم العسكر.
كما تناقلت وسائل إعلام، في مايو الماضي، أخباراً عن زيارة للخرطوم أجراها محمد دحلان، القيادي الفلسطيني المفصول من حركة "فتح"، الذي يعمل مستشاراً أمنياً لدى ولي عهد أبوظبي، رفقة مسؤول إماراتي كبير، والتقى قيادات المجلس العسكري حينذاك.
كما كتب أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، تغريدة نشرها على "تويتر" في يونيو 2019، قال فيها: "إنه ما من شك في أن هذه فترة حساسة بعد سنوات من ديكتاتورية البشير والإخوان المسلمين".
كما سارع "البرهان" إلى أبوظبي في مايو الماضي، بعد أن زار رأس الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي المدعوم من الإمارات والسعودية.
وفي تلك الأثناء عد ناشطون سودانيون تلك الزيارة بمنزلة بداية التخطيط للثورة المضادة التي تحيكها الإمارات للسودان، حيث قال أحد المغردين على موقع "تويتر": إن "رئيس المجلس العسكري السوداني يتوجه إلى الإمارات في زيارة رسمية، وحميدتي بالسعودية؛ ثورة السودان تتحول سريعاً إلى ثورة مضادة للأسف الشديد".
ويرى متابعون للشأن السوداني أن المال الذي ضخته أبوظبي في جيوب العسكر جعلهم ينحازون لصفها في بداية صعودهم لدرجة السلطة، حيث اشترت ولاءهم بملياراتها الكثيرة، رغم اللافتات الشعبية التي طالبت منذ سقوط البشير بمنع تدخل الإمارات في الشأن السوداني الداخلي، ورفض دعمها المشبوه.
وبعد الاتفاق الوطني الذي حصله الشعب السوداني بإصراره على تقاسم السلطة مع العسكر عبر المجلس السيادي، وما نتج عنه من حكومة انتقالية مستقلة، برئاسة عبد الله حمدوك، هنّأ محمد بن زايد، في 6 سبتمبر، "البرهان" متجاهلاً حمدوك المدني.
وقالت وكالة الأنباء الإماراتية "وام": إن "بن زايد" أكد خلال اتصال هاتفي مع "البرهان" وقوف الإمارات إلى جانب السودان والحفاظ على وحدته، مشيرة إلى أنهما بحثا، في اتصال هاتفي، "العلاقات الأخوية بين البلدين وإمكانية تنميتها في المجالات كافة، إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".
ولما كانت الإمارات تحاول تفتيت المنطقة، عبر دعم أغلب الحركات الانفصالية، فهي تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، وترسل الأموال للانفصاليين الأكراد شمالي سوريا ممثلين بمليشيا "قسد"، والداعم العسكري المباشر للواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يقود مؤخراً معركة مع حكومة "الوفاق" الشرعية المعترف بها دولياً، فقد سعت مجدداً للعبث بأمن السودان عبر دعم حركات انفصالية شرقاً.
وتشهد الفترة الماضية أحاديث عن دعم إماراتي لزعيم قبلي في شرق السودان، هو المعارض البيجاوي محمد عمر طاهر، من أجل تكرار المشهد الجنوبي اليمني في منطقة شرقي السودان.
وتأكيداً لذلك، خرجت مظاهرات يوم الخميس (19 سبتمبر) في ولاية كسلا للمطالبة بحصة الإقليم في السلطة الجديدة أو المضي في تقرير المصير، في أول سابقة بالمنطقة، ما يمهد لمخطط ربما تم الاتفاق عليه برعاية إقليمية.
وفي إطار ذلك اتهم السياسي السوداني محمد علي الجزولي، دولة الإمارات بالسعي لاستنساخ تجربة المجلس الانتقالي اليمني الانفصالي في بلاده؛ من خلال تسيير مظاهرات تطالب بالانفصال وتجنيد مسلحين.
د.محمد علي الجزولي@DrAlgzouli30
نموذج المجلس الإنتقالي الجنوبي في شرق السودان وبتمويل إماراتي
الزعيم القبلي الكبير من شرق السودان يشهد بأسمراء تخريج عسكري لمجندين من افراد قبيلته ثم يطير بجواز إريتري إلى أبوظبي وما زال هناك ماذا تدبر الإمارات في شرق السودان وهل يدرك عملاؤها في الخرطوم ذلك #مخطط_تقسيم_السودان
See د.محمد علي الجزولي's other Tweets
وقال الجزولي، الذي يرأس حزب "دولة القانون والتنمية" السوداني، عبر حسابه في "تويتر": إن "مسيرات خرجت في شرق السودان تطالب بالانفصال عقب تحركات زعيم قبلي تدعمه الإمارات هناك".
وأضاف أن "هذا الزعيم شهد في العاصمة الإرترية أسمرا، مؤخراً، تخرج مجندين من أفراد قبيلته، ثم سافر بعدها بجواز إرتري إلى أبوظبي، وما زال هناك، وخرجت بعدها مسيرات تطالب بالانفصال في منطقته".
وتساءل رئيس الحزب السوداني: "ماذا تدبر الإمارات في شرق السودان؟ وهل يدرك عملاؤها في الخرطوم ذلك؟".
وأردف أيضاً: "هل ستعيد الإمارات المشهد اليمني في السودان؛ حيث تدعم الشرعية الثورية في الخرطوم، وتعمل ضدها في الشرق وجنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، وتتقاسم الأدوار مع الموالين لها هنا وهناك؟"، واصفاً الأمر بالخطير، داعياً إلى مواجهة ما أسماه "مشروع تذويب الهوية وتقسيم السودان".
من جانب آخر، كان سيد علي أبو آمنة، نائب رئيس الجبهة الثورية السودانية سابقاً، وهو من الأصوات التي تنادي بحق تقرير المصير لإقليم البجا، قد كتب في حسابه على فيسبوك أن "هنالك دولة عربية بدوية خبيثة مجتهدة جداً لتخلق فتنة في إقليم البجا"، لافتاً إلى رغبة جهات كثيرة في التحكم بموانئ بورتسودان، ومحذراً في منشوره من أن الميناء "هو محط الأنظار وسر هذه المؤامرات كلها".
وذكرت صحيفة "القدس العربي" في تقرير لها نُشر في (20 سبتمبر الجاري)، أنّه من الممكن أن تستعين الإمارات برئيس إرتريا، أسياس أفورقي، لجعل قوات المعارض السوداني المتمرد محمد عمر طاهر المنتمي لمؤتمر البجا، هي من تنفذ مخطط أبوظبي، "وذلك لخبرته بالمنطقة وإلمامه بالعمل المسلح".
وقالت الصحيفة: إن "محمد طاهر من أبرز المعارضين الذي تمردوا على نظام البشير وقام بتنظيم عمل عسكري من أبناء قومية البجا الأبرز في شرق السودان، وأقام معسكراً لقواته في الحدود الإرترية السودانية إبان النشاط العسكري للمعارضة السودانية في تسعينات القرن الماضي، وعقب اتفاقية السلام 2005 واتفاقية الشرق التي تلتها".
وأضافت أن "الزعيم القبلي رفض العودة للخرطوم، واحتفظ بأسلحته وقواته التي يرجح أن تصل في أحدث التقديرات إلى ألفي مقاتل، ويتواجدون قرب الحدود السودانية في معسكر خاص بهم في الأراضي الإرترية".
وأشارت الصحيفة إلى أنّ طاهر كان غائباً عن المشهد إعلامياً وعسكرياً حتى شهر أغسطس الماضي، حيث ظهر مرتدياً الزي البيجاوي بصحبة الرئيس الإرتري "أفورقي" وهو لباس القبائل في المنطقة الحدودية، ما عُد رسالة من قبل رئيس إرتريا وطاهر إلى الخرطوم بوجه حكومتها المدنية الجديدة، بحسب الصحيفة.
جديرٌ ذكره أن موانئ السودان تمثل استراتيجية كبرى بالنسبة للإمارات في ظل تمددها الاستراتيجي العسكري الذي عملت عليه خلال الفترة الماضية في جزيرة سقطرى اليمنية في المحيط الهندي وغيرها.