كانت الحرب السعودية في اليمن مدفوعة بالمخاوف المتعلقة بإمدادات النفط وتسليمه الى المستهلكين. التوترات الإقليمية مع إيران جعلت مضيق هرمز طريقًا غير موثوق به لـ 30 في المائة من إمدادات النفط في العالم، وظهرت موانئ الشحن العابر وخطوط الأنابيب كمكون حيوي في الاستقرار الاقتصادي المستقبلي للمملكة النفطية. المفارقة في الحملة العسكرية للمملكة العربية السعودية في اليمن هي أنها، بدلاً من تعزيز أمن النفط، ولدت معارضا عنيدًا ممثلا في الحركة الحوثية. بما أن غارات الطائرات بدون طيار في سبتمبر على حقول النفط السعودية شكلت دليلا واضحا على قدرة المليشيات الحوثية القبلية في ضرب الأراضي السعودية وتعطيل الإمداد العالمي بالنفط، وتغريم السعوديةمليارات الدولارات من الأضرار وخسائر الإيرادات. في حين تواصل الحكومة السعودية والإعلام توجيه أصابع الاتهام والتخمين بشأن هوية الجاني الحقيقي الذي نفذ الهجوم، فإن السؤال المهم الذي يطرح نفسه عن سبب ذهول وزارة النفط السعودية وعدم استعدادها لمثل هذا الهجوم الوقح. منذ عام 2009، شكل رجال القبائل الحوثية تهديدًا على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، حيث تسللوا إلى العمق عبر منطقة صحراوية يسهل اختراقها، واخترقوا المجال الجوي السعودي بصواريخ سكود وطائرات بدون طيار. لم يكن الهجوم على منشآت نفط بقيق هو الاول وبالتأكيد لن يكون آخر دليل على ضعف المملكة العربية السعودية.
بعد فترة وجيزة من الهجوم بطائرة بدون طيار، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن المملكة العربية السعودية كان ينبغي عليها شراء نظام دفاع جوي روسي متقدم كما فعلت تركيا وايران. لم تكن دعابة بوتين في غير محلها، خاصة بالنظر إلى مليارات الدولارات التي أنفقتها المملكة العربية السعودية على نظام الدفاع الصاروخي باتريوت، وهو مبلغ زاد فقط في الأسابيع التي تلت الهجوم. في حين ان انظمة اس 300 واس 400 الروسية لا تزال غير مختبرة في ساحة المعركة، وليس هناك ما يضمن أن أنظمة الدفاع الجوي الروسية قادرة على اعتراض طائرات بدون طيار. في الرد على الهجوم الأخير على الأراضي السعودية من قبل الحوثيين، من المفيد أن ننظر ليس فقط إلى العقد الأخير من الصراع على طول الحدود بين اليمن والمملكة العربية السعودية، ولكن في المرة الأخيرة التي تعرضت فيها المملكة السعودية للتهديد عن طريق الجو وعمليات التسلل البري عبر الحدود في اليمن. خلال الستينيات من القرن الماضي،تمركزت في اليمن ثلث القوات الجوية المصرية دعماً نشطاً لجمهورية يمنية تأسست عام 1962. كما أدت الحرب الأهلية التي أعقبت ذلك بين رجال القبائل الملكية شمال اليمن وبين القادة الجمهوريين إلى جر السعودية إلى الصراع التي لجأ إليها تحالف القبائل الملكية الشمالية لليمن. فقد كانت الطائرات المصرية المقاتلة تطارد رجال القبائل داخل الأراضي السعودية، وتقصف الأسواق ومستودعات الإمداد على طول الحدود.
ناشدت المملكة العربية السعودية الرئيس جون كينيدي للحصول على مساعدة عسكرية مباشرة، خشية أن يهدد الهجوم المصري النظام الملكي وإمدادات النفط في البلاد. ولكن كينيدي خوفاً من إقحام القوات الأمريكية بحرب إقليمية أخرى وافق على إرسال سرب واحد فقط من المقاتلين إلى قاعدة الظهران الجوية في المملكة العربية السعودية فيما يسمى عملية السطح الصلب. ولكن كينيدي منع الطيارين من الاشتباك مع الطائرات المصرية، خوفًا من التورط في نزاع حدودي يكون من الصعب إيجاد حلول له مستقبلاً. وبالفعل كان مجرد وجود القوة الأمريكية وتهديدها المحتمل -حتى لو لم يكن في النية استخدامها - كافياً لمنع صراع أوسع بين السعودية ومصر. ومنذ ذلك الوقت، تم استبدال الردع الذي وفره سرب كينيدي بدوريات بحرية، بينما تم تغيير اسمقاعدة الظهران، الواقعة في المنطقة الشرقية، إلى قاعدة الملك عبد العزيز الجوية، وهي الآن مركز رئيسي لسلاح الجو الملكي السعودي. ومع ذلك، لا يزال الردع نفسه يمثل استجابة مهمة ومناسبة لتخفيف حدة النزاعات الإقليمية وتجنب حدوث تصعيد كبير في العنف. رافقت بعثة كينيدي الجوية عام 1963 إلى الظهران بعثة مراقبة تابعة للأمم المتحدة راقبت المجال الجوي السعودي وحققت في أي غارات مصرية تم الابلاغ عنها عبر الحدود. يمكن للأمم المتحدة أن تلعب دورًا مشابهًا لقوات حفظ السلام الإقليمية ومراقبتها من خلال تهدئة المخاوف السعودية كجزء من جهد أوسع لخفض مستوى العنف على جانبي الحدود السعودية اليمنية. يظل الأمن في نهاية المطاف للمنشآت النفطية المستهدفة مسؤولية المملكة العربية السعودية، وهي حقيقة ستؤدي بلا شك إلى عمليات شراء أسلحة باهظة، وإن كانت مفرطة في بعض الأحيان، من قبل السعودية.
ستصبح مسألة الحفاظ على منشآت النفط وضمان عدم انقطاع إمداداته هي الأكثر أهمية بالنسبة للسعودية التي تعمل على بناء خط أنابيب عبر المهرة، أقصى شرق اليمن، ليصب في ميناء نشطون على الساحل الجنوبي لليمن. ويشكل بناء هذا الأنبوب، تتويج لعقدين من المفاوضات السعودية والجهود الدبلوماسية التي رفض خلالها الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح منح المملكة العربية السعودية السيادة على الممر الإقليمي المطلوب لبناء ومراقبة هذا الأنبوب. كما أدت التوترات مع إيران ونقص الثقة في مضيق هرمز كممر لناقلات النفط السعودية إلى زيادة الضغط على السعودية للبحث عن بدائل لنقل النفط. أتاح اندلاع حرب أهلية في اليمن عام 2014 فرصة فريدة للسعوديين لدعم وتنمية إدارة يمنية جديدة توافق في النهاية على استئجار الأرض اللازمة لبناء ذلك الأنبوب. ان اندلاع الحرب الأهلية في اليمن عام 2014 قد أتاحت فرصة فريدة للسعوديين لدعم وتنمية إدارة يمنية جديدة توافق في النهاية على استئجار الأرض اللازمة لبناء ذلكالأنبوب. رغم أن الحرب الأهلية لم تسير كما هو مخطط لها في البداية، إلا أن الرئيس اليمني منصور هادي بقي في الرياضلأسباب تتعلق بالبلد المضيف، مما يعني أنه لن يسمح له أن يكون في مكان يستطيع من خلاله عرقلة مشروع إنشاء خط أنابيب وميناء سعوديين عبر الاراضي اليمنية في المهرة. في يونيو 2018، زار السفير السعودي في اليمن، محمد الجابر، محافظة المهرة بصفته المشرف العام على برنامج إعادة الإعمار السعودي في اليمن، بعد دراسات الجدوى التي أجرتها شركة أرامكو السعودية. وعلى الرغم من أن المهرة محافظة ذات كثافة سكانية منخفضة نسبياً، إلا أنها لا تزال تشكل تهديداً محتملاً لخط أنابيب النفط الذي تخطط له المملكة العربية السعودية.
كان هجوم سبتمبر على مرافق إنتاج النفط في بقيق بمثابة جرس انذار لوزارة النفط السعودية. وأيا كان مرتكب الهجوم، سواء الحوثيين أو إيران، فالسعودية دخلت معمعة الصراع في اليمن سعيا وراء بديل لمضيق هرمز. الأمر الذي أدى عن غير قصد الى خلق تهديد أمني جديد للمنشآت النفطية السعودية. فيما لو أصبح خط أنبوب نفط المهرة حقيقة واقعة، فإن قوات الأمن السعودية سترث مئات الأميال من أهداف الطائرات بدون طيار المحتملة ضد انبوب يمر عبر أراضٍ معادية محتملة. في هذهالحالة ستكون السعودية ستكون مضطرة لدفع الإيجار، في شكل رشاوي باهظة الثمن لزعماء القبائل المحليين، ناهيك عن تكاليف رصد المجال الجوي المحيط بخط الأنابيب. وستقع المسؤولية النهائية عن تأمين خط الأنبوب هذا والمنشآت النفطية الأخرى على عاتق المملكة العربية السعودية، في حين سيكون على الولايات المتحدة والأمم المتحدة توفير الردع والمراقبة الكافية لمنع نشوب صراع إقليمي أوسع.
د. آشر أوركابي، باحث مشارك، جامعة برينستون، معهد ترانس ريجينال.
ترجمة د.عبده البحش، باحث مشارك، جامعة الشمال، مركز المعرفة العملية.
نقلا عن مجلة ناشيونال انترست الامريكية.