�الت "
هيومن رايتس ووتش" اليوم الخميس، إن الاتفاق الجديد بشأن دمج الحكومة اليمنية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي لم يعالج قضايا حقوق الإنسان الخطيرة.
وأوضحت في بيان لها، أنه في الأشهر السابقة لتوقيع الاتفاق في الرياض يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، اعتقلت القوات التابعة للمجلس، وأخفت، ما لا يقلّ عن 40 شخصا بشكل تعسفي، من ضمنهم طفل، في محافظة عدن الجنوبية. أُطلِق سراح 15 منهم على الأقل في سبتمبر/أيلول بعد احتجازهم لأسبوعين أو أكثر.
يتعيّن على قوات الأمن التابعة للحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، وقوات الأمن التابعة للمجلس المدعومة من الإمارات، والتي ستدمج بحسب اتفاق الرياض، الإفراج فورا عن الأشخاص المُحتجزين تعسفا أو المُختفين قسرا. يتعيّن عليها أيضا تعويض الضحايا ومعاقبة المسؤولين الذين ارتكبوا هذه الانتهاكات أو أشرفوا عليها، حسب الاقتضاء.
وقال مايكل بَيْج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "لم يتطرّق اتفاق الرياض إلى المشكلة المزمنة لدى قوات الأمن اليمنية المتمثلة في إساءة معاملة السكان المحليين دون عقاب. يتعيّن على أطراف الاتفاق الشروع في إعادة بناء الثقة التي صارت منعدمة بسبب الانتهاكات التي ترتكبها هذه الأجهزة الأمنية".
المجلس هو جماعة سياسية تشكّلت في 2017 وتطالب بـ "إقامة دولة فدرالية سيادية مستقلة" في جنوب اليمن. ينافس المجلس في كثير من الأحيان الحكومة اليمنية على النفوذ، ويقوده حاليا عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس. في ردّ مكتوب على أسئلة هيومن رايتس ووتش عن هذه الانتهاكات، أنكر المجلس أنه احتجز تعسفيا أو أخفى قسريا مدنيين.
ينصّ اتفاق الرياض على أن تُدمَج قوات المجلس المدعومة من الإمارات في وزارتي الداخلية والدفاع، لتصير تحت سلطة الحكومة اليمنية المُعترف بها دوليا. كان من المُفترض أن تنتهي هذه العملية في غضون 30 يوما بعد توقيع الاتفاق يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني. لكن حتى كتابة هذا التقرير، لم يحصل تقدم واضح في اتجاه تحقيق هذا الشرط.
ينص الاتفاق على إنشاء لجنة تابعة للتحالف بقيادة السعودية لمراقبة وتطبيق بنود الاتفاق. ينبغي للجنة أن تضمن احترام وزارة الداخلية المنشأة حديثا للالتزامات الحقوقية، وأن يُجري وزير الداخلية الجديد مراجعة شاملة للمحتجزين ويُفرِج عن المحتجزين منهم تعسفا. ينبغي للوزير أيضا السماح وتسهيل زيارات المراقبين الدوليين إلى مراكز الاحتجاز، للتحقيق في الانتهاكات المزعومة.
منذ مارس/آذار 2015، قادت السعودية والإمارات تحالفا من الدول لشنّ حملة عسكرية ضدّ قوات الحوثي في اليمن بغية استرجاع سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي. لكن التوتر بين الحكومة اليمنية بقيادة هادي وقوات الأمن المدعومة من الإمارات تصاعد منذ 2017، حيث نافست هذه الأخيرة قوات الحكومة اليمنية في السيطرة على العديد من المناطق. في أواخر يونيو/حزيران، أعلنت الإمارات سحب أغلب قواتها الأرضية من اليمن، لكن القوات اليمنية المدعومة من الإمارات استمرت في ارتكاب انتهاكات هناك.
تسبب مقتل منير اليافعي، القائد البارز في قوات "الحزام الأمني" المدعومة من الإمارات، والمعروف بـ أبو اليمامة، في 1 أغسطس/آب، في اندلاع قتال بين قوات المجلس الانتقالي وقوات الحكومة اليمنية. رغم إعلان الحوثيين مسؤوليتهم عن قتل أبو اليمامة، ألقت الإمارات والمجلس الانتقالي باللوم على القوات الإسلامية في الحكومة اليمنية لمساعدتها في هجوم الحوثيين، مما أدى إلى أعمال عنف واشتباكات قاتلة. بحسب تقرير للأمم المتحدة صدر في أغسطس/آب، تسبب هذا القتال في إصابة عشرات المدنيين.
وثقت هيومن رايتس ووتش حالات اعتقال تعسفي لـ 40 شخصا، منهم طفل، منذ اشتباكات قوات الحكومة مع قوات المجلس الانتقالي في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول. أمكن التحقّق من أسماء 25 منهم، الطفل ليس بينهم، من قوائم قدّمها محامون وجماعات حقوقية محلية. بحسب مصدر مطلع، اعتقل فرع "قوات مكافحة الإرهاب" التابع للإمارات في عدن، بقيادة يُسران حمزة المقطري، 15 منهم على الأقل. أكّدت جماعات حقوقية محلية أن قوات الحزام الأمني التابعة للإمارات اعتقلت عشرة أشخاص على الأقل. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد مما إذا كان هؤلاء الأشخاص محتجزين حاليا، لكنهم اعتُقلوا في مديريات مختلفة في عدن، مثل البريقة، وخور مكسر، والمعلا. أفرجت قوات الأمن التابعة للمجلس الانتقالي في أيلول/سبتمبر عن 15 من المحتجزين الـ 40، من بينهم الطفل.
وصف شهود، حُجِبَت أسماؤهم لأسباب أمنية، لـ هيومن رايتس ووتش العديد من الانتهاكات التي ارتكبتها هذه القوات المدعومة من الإمارات في الأشهر الأخيرة.
قال موظف (33 عاما) يعمل في مكتب تابع لـ"حزب التجمع اليمني للإصلاح"، وهو حزب سياسي إسلامي، إنه كان ذاهبا إلى حي الشيخ عثمان يوم 30 أغسطس/آب لما أعلمه أصدقاؤه بأن "قوات الحزام الأمني قادمة لاعتقاله" فقال "لم أذهب إلى المنزل". أخبره أقاربه أن رجالا مسلحين حاولوا دخول المنزل لكن نساء كُنّ هناك لحضور الزفاف المرتقب لشقيقه طلبن منهم المغادرة.
اعتقدت أسرته أن الوضع بات آمنا، لكن بعد مغادرة الضيوف، قال:"داهمت قوات الحزام الأمني المنزل بشكل عنيف ووجهوا أسلحتهم إلى شقيقتي ووالدتي. ذهبوا إلى غرفتي وفتشوا أغراضي. أخذوا حاسوبي المحمول وشهادة الماجستير والكتب. احتجزوا شقيقي الأصغر. هرب شقيقاي الآخرين فألغينا حفل الزفاف الذي كان مقررا في اليوم التالي. لم نعرف مكان أخي طيلة أسبوعين، حتى إطلاق سراحه في منتصف سبتمبر/أيلول".
وقال شاهد إن قوات المجلس الانتقالي داهمت أيضا واستولت على مكتب تابع لصحيفة واحدة على الأقل في عدن، والتي تخضع الآن لسيطرة المجلس.
وقالت ناشطة حقوقية في عدن إن المدينة تحوّلت في أغسطس/آب، بعد أسابيع من اندلاع القتال بين قوات الحكومة اليمنية وقوات المجلس الانتقالي، إلى مدينة أشباح. وقالت: "الكثير من المحلات والبائعين أغلقوا أبوابهم، خوفا من حرق متاجرهم... [و]تعرضت العديد من المحلات إلى الحرق أو هوجمت من قبل القوات المسلحة لأن [أصحابها] كانوا من شمال [اليمن]".
قال شهود إنهم شاهدوا خلال الاشتباكات بين قوات المجلس الانتقالي وقوات الحكومة اليمنية، رجالا مسلحين مجهولي الهوية يهاجمون ممتلكات ومحلات لأشخاص في عدن يعتبرون "شماليين"، ويرتكبون أعمال اتلاف أو نهب لمخابز ومهاجمة أشخاص يبيعون بضائع على أرصفة الشوارع (البسطات). قال شاهدان إن قوات الأمن منعت في أغسطس/آب اليمنيين من دخول المدينة فقط بسبب هويتهم "الشمالية" المفترضة. قال شهود إن في العديد من الحالات الأخرى في أغسطس/آب، أوقفت قوات الحزام الأمني رجالا عند نقطة تفتيش جبل الحديد بين مديريتي خور مكسر والمعلا، ومنعتهم من دخول المدينة.
وأعرب العديد من السكان عن قلقهم من أن تشجع خطابات السياسيين والمسؤولين الهجمات الانتقامية ضدّ يمنيي الشمال. أظهر مقطع فيديو يعود إلى مطلع أغسطس/آب، راجعته هيومن رايتس ووتش، مسؤولة حكومية بارزة، زينب القيسي، المديرة العامة لشؤون المرأة في وزارة الصحة العامة والسكان اليمنية، وهي تقود سيارة مع رجال أمن، وتصرخ بأن الشماليين الموجودين في الجنوب يجب قتلهم. ظهرت وهي تقول: "أيها الشماليون، ارحلوا من بلادنا. إن وجدت واحدا منكم أيها الشماليين، سأذبحه من خلف رقبته. 30 جثة منكم اليوم".
في رد على رسالة من هيومن رايتس ووتش تستفسر فيها عن الانتهاكات المزعومة المرتكبة خلال الاشتباكات بين قوات المجلس الانتقالي وقوات الحكومة اليمنية في أغسطس/آب، أنكر عضو في هيئة رئاسة المجلس الانتقالي ارتكاب قواته لاحتجاز تعسفي أو إخفاء قسري وقال:" إن وُجِدت هناك احتجازات لبعض الأفراد، فهم يُعتبرون في تعداد أسرى الحرب، كونهم عناصر مقاتلة، منهم من هو منتسب إلى القوات المسلحة اليمنية ومنهم من هو منتسب إلى التنظيمات الإرهابية من القاعدة وداعش [تنظيم الدولة الإسلامية]". وجّهت هيومن رايتس ووتش أيضا رسالة إلى الحكومة اليمنية تستفسر فيها عن الاحتجاز التعسفي المزعوم لمدنيين والانتهاكات ضد السكان المحليين، ولم تصلنا أي إجابة حتى وقت كتابة هذا التقرير.
ذكر المجلس الانتقالي في رده أيضا وجود "خط تلفوني مفتوح" لاستلام شكاوى المواطنين وبلاغاتهم عن الانتهاكات الحقوقية، لكنّ مصادر متعددة في عدن أخبرت هيومن رايتس ووتش أنهم لم يكونوا على علم بوجود أي "خط تلفوني مفتوح" لتقدي شكاوى عن الانتهاكات الحقوقية التي ارتكبتها قوّات المجلس الانتقالي خلال اشتباكات أغسطس/آب.
وثقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات ارتكبتها قوات الأمن المدعومة من الإمارات، بما يشمل استخدام القوة المفرطة أثناء الاعتقالات، واحتجاز أقارب المشتبه فيهم للضغط عليهم لتسليم أنفسهم، واحتجاز الرجال والأطفال تعسفا، واحتجاز الأطفال مع البالغين، وإخفاء العشرات قسرا. في تقرير صدر في سبتمبر/أيلول، وجد "فريق الخبراء البارزين بشأن اليمن في الأمم المتحدة" أن الإمارات والقوات المدعومة من الإمارات مارست الاحتجاز التعسفي والتعذيب، بما يشمل العنف الجنسي، في منشآت الاحتجاز التي تسيطر عليها.
في ردها على رسالة هيومن رايتس ووتش، قالت هيئة رئاسة المجلس إنه فيما إذا تم دمج قوات المجلس مع قوات الحكومة اليمنية على النحو المنصوص عليه في اتفاق الرياض، سيضمن المجلس أن تحمي قواته الأمنية حقوق الإنسان وتمنع الانتهاكات.
قال بَيْج: "وعود المجلس الانتقالي الجنوبي بحماية الحقوق هي خطوة بسيطة لكنها ليست كافية على الإطلاق نظرا إلى سجل انتهاكاته الخطيرة. بعد اتفاق الرياض، لدى المجلس كما الحكومة اليمنية والتحالف بقيادة السعودية، الآن فرصة لإعادة بناء الثقة لدى السكان المحليين ومنح الأولوية لحماية الحقوق الأساسية. عليهم ألا يهدروها".