لا تتوقف سيطرة الإمارات على أغلب المواقع الاقتصادية في اليمن من مطارات وموانئ ومنشآت إنتاج وتصدير النفط والغاز، بل امتد الأمر إلى السطو على مواقع ومناجم استخراج الذهب في حضرموت (جنوب شرق) ومناطق أخرى في جنوب البلاد.
وفي الوقت الذي لا يزال فيه مصير 16 موقعاً لاستكشاف واستخراج الذهب غامضاً في اليمن، أكدت مصادر محلية لصحيفة “العربي الجديد” الصادرة من لندن، قيام شركات إماراتية بتهريب كميات كبيرة من الأحجار، خلال الفترة الأخيرة، من مديرية “حجر” في ساحل حضرموت عبر ميناء خاص بها بين الريان وضبه إلى أبوظبي.
وحسب المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، فإن هذه الأحجار عبارة عن كميات هائلة من الذهب الذي يتم استخراجه من مناجم خاصة في المنطقة تهيمن عليها شركات إماراتية ومحلية مرتبطة بها.
واعتبر مراقبون ذلك بمثابة نهب لمناجم الذهب في مناطق مختلفة بمحافظة حضرموت التي يخضع جزء كبير منها لسيطرة القوات الإماراتية أو قوات محلية كونتها وتديرها، والمعروفة باسم “النخبة الحضرمية”.
هكذا تبدو صورة بلد شوهته الحرب، وغمرته بالفوضى والعبث والتدخلات الخارجية وتجار الحروب من كل صنف ولون، يعيثون بمقدرات وثروات وطن يبدو ممزقاً ومدمراً بعد خمس سنوات من الصراع المسلح، والذي لا يلوح في الأفق نهاية له.
هذا البلد الفقير الذي يعاني شعبه من أزمات معيشية متفاقمة، غني بالثروات النفطية والغازية والزراعية والسمكية والأهم المعدنية، والتي لا تبعد سوى بأميال قليلة فقط عن سطح الأرض، لكنها تبتعد بآلاف الأميال عن اهتمام الدولة في اليمن منذ عقود، إذ يرزح أكثر من 17 مليون نسمة من حوالي 30 مليونا تحت طائلة الفقر والبطالة وأقدام حافية على أرض من ذهب.
ويعتبر قطاع الثروة المعدنية والصناعات الاستخراجية من أهم القطاعات الواعدة في اليمن، إذ تظهر الدراسات الجيولوجية الحكومية توفُّر العديد من المعادن والخامات الطبيعية المختلفة، والتي ما زال أغلبها مدفوناً في باطن الأرض، ولم يتم استغلالها لارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض العائدات في مواقع وجود هذه الخامات، بالإضافة إلى الفوضى التي تعيش فيها البلاد.
وتقدر دراسات وأبحاث استكشافية رسمية حديثة، احتياطي هذا الخام النفيس بنحو 100 مليون طن منتشرة في 24 موقعا استكشافيا. وهذا على خلاف ما أعلنته هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية في عام 2013 بأن احتياطي الذهب يبلغ نحو 31.6 مليون طن.
وحسب نتائج الاستكشافات التعدينية، فإن ما يزيد على 80% من مساحة اليمن تتواجد تحتها صخور رسوبية تكونت في بيئات جيولوجية متنوعة، والتي من شأنها أن تؤدي إلى إمكانية تشكيل تجمعات كبيرة وهائلة من الرواسب والمعادن الصناعية والثروات المعدنية.
في هذا الصدد، يقول الرئيس السابق لهيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية في اليمن، عامر الصبري، إن هناك العديد من العوامل التي تجعل اليمن من أهم الدول المنتجة للمعادن الصناعية، أبرزها التنوع الجيولوجي الكبير في الوحدات الصخرية، الأمر الذي أدى إلى توفر مخزون كبير من الموارد المعدنية ذات المواصفات العالمية.
ويرى الصبري أن هناك ضرورة التحويل الصناعي للمعادن التي ما يزال استخدامها يتركز بشكل أكبر في الأعمال الحرفية البسيطة، ولا تعدو كونها أنشطة تعدين حرفية.
ويأتي الذهب في مقدمة هذه الثروات الاقتصادية الواعدة، حيث يتواجد، كما يوضح الصبري، بنسب كبيرة تصل لنحو 20 غراما من الذهب في الطن الواحد من الصخور الحاوية لهذا الخام، وارتفاع معدلات التواجد في مناطق بمحافظة حجة شمال اليمن.
وتشير الدراسات ونتائج البحث والتنقيب التي قامت بها هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية اليمنية، إلى تواجد معادن مهمة في اليمن منها الذهب، والرصاص، والزنك، والنحاس، والفضة، إضافة إلى وجود المعادن والصخور الصناعية بكميات كبيرة، إذ يتواجد معظمها في مناطق مأهولة مع وجود البنى التحتية التي تسهل عملية الاستثمار والاستغلال لها.
وتقدر دراسة حديثة أجرتها الهيئة، في وادي مدن حضرموت بأن الاحتياطي من مادة الذهب في الوادي يصل إلى نحو 678 ألف طن بدرجة 15 غرام ذهب في كل طن صخور يحوى المعدن الأصفر.
لكن العمليات الاستخراجية والاستثمارية واستغلال هذه الثروات تجري في إطار من السرية، حسب الباحث والأكاديمي في مركز الدراسات والبحوث الاستكشافية الجيولوجية، توفيق صلاح، الذي قال إن “شركات إماراتية تضع يدها على قطاع المعادن بشكل عام في اليمن، ومواقع استكشاف واستخراج الذهب بشكل خاص، وبالذات في المحافظات والمناطق التي أصبحت تحت سيطرة الحكومة اليمنية”.
وتقع المواقع الخاصة بمحافظة حضرموت، حسب صلاح، في صخور الأساس التي يعود عمرها للعصر “البريكامبري” ضمن الصخور البركانية والرسوبية المتحولة و”الغرانيتية” المتداخلة.
وتنتشر احتياطيات الذهب في مناطق صبرين، اللوذ، ووادي عطف بالجوف شرقاً، ومناطق في صنعاء وصعدة شمالاً وأبين جنوباً، إضافة إلى تقدير الاحتياطي من الذهب في وادي مدن ومنطقة حجر في حضرموت، وفقا لصلاح.
كما أن التقدير الأولي فيما يخص محافظة حجة يشير إلى وجود احتياطي في منطقة الحارقة يقدر بـ39 مليون طن، بمحتوى يتراوح بين 1 و1.65 غرام ذهب في كل طن صخور حاوية على الذهب، مشيرة إلى أن هذه البيانات ذات جدوى اقتصادية كبيرة.
لكن مصادر محلية بالمحافظة الواقعة شمال اليمن أفادت بأن سكاناً محليين تهافتوا خلال الفترة الماضية، بسبب ما يمر به اليمن من صراع وفوضى وشلل تام يضرب مؤسسات الدولة الرسمية، على حفر مناجم لاستخراج الذهب بشكل عشوائي، إذ يستخدمون مواد كيميائية ضارة كثيراً بالبيئة وبالخامات النفيسة في المناجم، وبالتالي العبث بها وتبديدها.
وأكد الخبير في مجال المعادن قيس الوالي وجود احتياطي كبير في منطقة الحارقة في حجة التي تعتبر واحدة من أكثر المناطق اليمنية فقراً، حيث تعتبر ذات جدوى اقتصادية محفزة للاستغلال.
وحسب الوالي، تمر عملية التنقيب عن الذهب بمرحلتين، الأولى استطلاعية والثانية استكشافية وتستغرق عملية البحوث الأولية حوالي 6 سنوات، في حين تتم مرحلة الاستكشاف المعدني خلال مدة تتراوح ما بين 5 – 15 سنة، بينما تأخذ مرحلة التطوير 3 سنوات.