في الوقت الذي ينتظر اليمنيون نتائج تحقيقات في اغتيال العميد عدنان الحمادي قبل ثلاثة أشهر، يتم استخدام القضية في مسار آخر لملاحقة صحفيين وناشطين والتحريض ضدهم من قبل أطراف مدعومة من قبل الإمارات، في مدينة تعز (جنوب غرب اليمن).
ويشكو صحفيين وحقوقيين من تعرضهم لحملة تحريض مستمرة وتهديدات على خلفية آرائهم، ومنذ نصف شهر زادت هذه الحملة خصوصًا بعد الاستدعاءات الموجهة من النيابة الجزائية المتخصصة في عدن (جنوب البلاد) لعشرة صحفيين وناشطين في 17 فبراير/شباط الماضي، للمثول أمامها وذلك على خلفية ما أسمته "التحريض" ضد قائد اللواء 35 مدرع عدنان الحمادي والذي قُتل في مطلع ديسمبر 2019.
وأبلغت الشعبة القانونية بمحور تعز العسكري، وكيل النيابة الجزائية بعدن بأن المطلوب تكليفهم بالحضور جميعهم "صحفيين وإعلاميين ومحامين وجمعيهم يتبعون عملهم"، مشيرةً إلى إبلاغهم بالحضور رغم عدم اختصاص المحور في ذلك. وطالبت في مذكرة -حصل "يمن شباب نت" على نسخة منها- وجهتها للنيابة الجزائية بمخاطبة الجهات التي يتبعها المطلوبين تكليفهم بالحضور طبقًا للقانون.
تحريض وتهديدات
وفي ظل استمرار حملة التحريض، وغياب الحلول والاجراءات القانونية يحذر محامون وصحفيون من استغلال القضايا الجنائية لتكميم الأفواه والتحريض الممنهج على الصحفيين.
وقال المحامي ياسر المليكي -وهو أحد الأسماء الذي وردته في قائمة الاستدعاء- "إنه يتعرض لحملة تحريض واسعة وممنهجة من القوى التي تقف خلف طلبنا (النيابة الجزائية) وهي قوى تستثمر في قضية الحمادي".
وأضاف في تصريح لـ "يمن شباب نت": "وسمنا بالمجرمين وربط رؤوسنا برأس الحمادي، هذه إشارة من تلك القوى لاتباعها وأدواتها بتصفيتنا وقد شرعنوا لهم ذلك بحملة التحريض هذه ونوعية الخطاب، بالرغم ان الاعلانات لا تتناول ذكر قضية الحمادي لكن جهاز الدعاية الحربي لهذه الجهات قد سمت القضية وحددتنا كمتهمين".
فيما كشف الصحفي عبد العزيز المجيدي، رئيس تحرير موقع الحرف 28، تلقيه تهديدات من جهات وشخصيات مرتبطة بالإمارات، في ظل حملة تحريض منظمة واسعة ضده بسبب عمله الصحفي.
وفي بلاغ صحفي صادر عنه في 20فبراير/ شباط الفائت، استعرض الصحفي المجيدي تفاصيل وقائع حملات التحريض والتهديد التي طالته، ابتداء من نهاية نوفمبر 2018، وما لحقها بعد ذلك حتى الان، كاشفا أنه ومنذ أسبوعين ترده "المعلومات تباعا عن تحريات أمنية تجريها خلايا تتبع جهات خارجية عنه وعن عائلته".
وأوضح المجيدي (أحد من وردت اسمائهم في قائمة الاستدعاء) أنه تعرض لحملة "المنشورات التحريضية التي استغلت صدمة المجتمع بسبب الجريمة، لتعيد توجيهها وتوظيف الواقعة بما يخدم مصالح وأجندة جهات داخلية وأجهزة استخباراتية خارجية تخطط لإشعال النار في الجميع".
وحملّ المجيدي كل من "رئيس جهاز الاستخبارات السابق حمود الصوفي، وأمين عام التنظيم الناصري عبد الله نعمان، المسؤولية الكاملة عن ما قد أتعرض له أو أحد أفراد أسرتي من مساس أو أي أذى، جراء ذلك التحريض والاستهداف".
وفي حين يتهم صحفيون وناشطون أمين عام الناصري بالوقوف خلف حملة التحريض واستدعاءات النيابة، نفى عبدالله نعمان في مؤتمر صحفي في تعز يوم الخميس الفائت تلك الاتهامات.
وحاول معد هذا التقرير التواصل مع مكتب النائب العام والنيابة الجزائية لمعرفة حيثيات اصدار مذكرات استدعاء عشرة صحفيين وناشطين الصحفيين في قضية مقتل الحمادي؛ إلا أن أحدا لم يرد على طلب واستفسارات معد التقرير.
انحراف مسار القضية
ويرى الصحفي مازن عقلان، استدعاء النيابة الجزائية "انحراف بمسار قضية اغتيال الحمادي عن طبيعتها الجنائية والقانونية إلى ممارسة الإرهاب على الصحفيين والناشطين المدنيين لاستهداف الخصوم السياسيين والتغطية على القتلة الحقيقيين".
واعتبر عقلان (أحد من وردت اسمائهم في قائمة الاستدعاء)، حملة التحريض التي يتعرض لها وبقية زملائه الصحفيين والناشطين بأنها "إرهاباً تمارسه قوى ظلامية مأجورة ترغب في الانتقام من تعز ومن الشرعية وجيشها الوطني وناشطيها الصامدين لأكثر من 5 سنوات للدفاع عن الجمهورية والسيادة الوطنية" حد قوله.
ودعا عقلان في حديث لـ"يمن شباب نت" إلى احترام الدستور ولوائح النظام القضائي وعدم تجاوزه "لتنفيذ أجندات الإرهاب والتحريض على القتل والتصفيات".
تطور خطير
ويرى المحامي توفيق الحميدي رئيس منظمة سام للحقوق والحريات، أن "استدعاء الصحفيين في قضية تشكل خطر على أمن الدولة "تطور خطير جدًا".
وقال الحميدي في تصريح لـ" يمن شباب نت" إن النيابة الجزائية المتخصصة حدّد لها القانون اختصاص معين متعلق بالجرائم التي تمس الأمن العام للدولة"، مشيرًا إلى أن الجرائم المتعلقة بقضايا النشر والرأي تختص بها نيابة الصحافة.
وتأسست نيابة الصحافة باليمن في مايو 2009، وتتولى النظر في جرائم العلانية والنشر وكافة الدعاوى المتعلقة بقضايا الصحافة والمطبوعات المنصوص عليها في القانون رقم (25) لسنة 1990م بشــأن الصحافة والمطبوعات.
ويعتقد أن الاستدعاء فيما يتعلق بما يسمى "التحريض والتشهير" على وسائل التواصل الاجتماعي أو كتابة رأي في تصرف وسلوك الدولة أو مسؤول عام "قد يفتح الباب ضد كل النشطاء والحقوقيين".
وأضاف: "اليوم يتم انتقاد رئيس الجمهورية والتحالف العربي والأحزاب والشخصيات وكذلك الأمم المتحدة (..) وبالتالي إذا مر الاستدعاء مرور الكرام فإنه سيفتح أبواب واسعة أمام النشطاء وسيتحول القضاء الى سيف مُسلط أو إرهاب منظم" حد تعبيره.
وقال الحميدي إن "اليوم هناك خلط واضح وتوظيف سيء للقانون وأدوات السلطة القضايا التي غابت مع الأسف الشديد في كثير من القضايا أهمها قضايا السجون السرية والاعتقالات التعسفية والاغتيالات ووجود مرتزقة الى غير ذلك".
ويرى أن الاستدعاء وحملة التحريض التي ظهرت فجأة "ستُميع القضية الأساسية (اغتيال الحمادي)، التي أصبح فيها المتهم واضحًا ومعتقلًا".
ويصف المحامي الحميدي استدعاء النيابة الجزائية بعدن للصحفيين والناشطين بـ"الانتقائي" لافتًا إلى أن "اليمن شهد الكثير من أعمال العنف وكان هناك ما هو أعلى من التحريض بل والتصريح من قبل مسؤولين وقيادات مع ذلك ظل الأمر في إطار رأي، ولم تحرك النيابة الجزائية المتخصصة أي حراك واستدعاء لأي من الأطراف".
وبحسب رئيس منظمة "سام" للحقوق والحريات (مقرها جنيف) فإن الاستدعاء في ظل الظروف القلقة يطرح مجموعة من التساؤلات وقد يعرض حياة الكثيرين للخطر.
ضغوط على القضاء
بدوره يقول المحامي ياسر المليكي إن الاجراءات الشكلية للاستدعاءات لا يتوافر فيها ما يتطلبه القانون، وهذا يعني لا يوجد تحقيق قد حصل قبل الاستدعاء لتعرف النيابة هل الشكوى المقدمة لديها تمتلك دليل أو هل رفعت بالإجراءات القانونية السليمة".
وأضاف المليكي لـ"يمن شباب نت": "إذا كانت قضيتنا مرتبطة فعلاً بالتحريض على الحمادي كان يمكن للجنة التحقيق أن تحقق معنا أو تستدعينا أثناء تواجدها في تعز".
وتحقق لجنة شكلها الرئيس عبدربه منصور هادي، في السادس من ديسمبر 2019 برئاسة النائب العام علي الأعوش، حول واقعة مقتل "الحمادي" لكنها لم تكشف حتى الآن عن أي معلومة أو تشير بالاتهام لأي طرف رغم مضي أكثر من شهرين ونصف على واقعة.
ويتوقع المحامي المليكي وهو يعمل في توثيق انتهاكات حقوق الانسان في محافظة تعز وعدد من المحافظات اليمنية، حدوث "ضغط وتأثير على القضاء" خصوصاً في ظل عدم خضوع مؤسسات عدن للحكومة.
مخاطر ومخاوف
وبشأن مخاطر حملة التحريض المستمرة منذ نحو أسبوعين بالصحفيين والناشطين العشرة يقول الصحفي مازن عقلان إنها تتمثل بـ"تمييع وإضاعة قضية الحمادي".
وبناء على ذلك يعتقد عقلان أن التأخير في دفن جثة الحمادي "له صلة وثيقة لإبقائها شماعة للارتزاق وتنفيذ الاجندة نفسها التي حاولت السعي لتقسيم الحجرية وضرب تعز والجيش الوطني عن طريق الزج بالحمادي واللواء 35 مدرع في صراعات عبثية".
أما المحامي ياسر المليكي يقول إن مخاطر استمرار التحريض تتمثل "بإسكاتي كمدافع عن حقوق الانسان، ومنع تنقلاتي والتضييق عليَّ وتشويه سمعتي؛ فضلاً عن التأثير في القضاء وإعاقتي قانونًا في مستقبلي وأعمالي وتحركاتي".
وأضاف: "أنا قلق من هذا الذي يحدث وحياتي وحياة أسرتي باتت مهددة".
وأثار أمر استدعاءات النيابة الجزائية بعدن لعدد من الصحفيين والناشطين تنديد واسع وسط تحذيرات من خطورة الزج بالصحفيين في الصراعات السياسية. حيث أستنكر، الوكيل الأول لنقابة الصحفيين اليمنيين، سعيد ثابت سعيد، بشدة تلك الاستدعاءات واصفًا بأنها "استهدافًا واضحًا للصحفيين" معتبرًا هذه الإجراءات بأنها "سابقة خطيرة ستطال حرية التعبير، وستستهدف جميع الصحفيين مستقبلا".