�لشهادات والوثائق السرية، الخاصة، التي حصل عليها "يمن شباب نت"، والواردة في هذا التحقيق الاستقصائي، قد تؤكد ما ذهب إليه كثيرون بخصوص الجهة المتورطة في ارتكاب جرائم إغتيال أفراد الجيش الوطني في تعز، والتي راح ضحيتها أكثر من 250 فردا في الجيش الوطني، خلال عامي (2017 – 2018)..
ويكشف هذا التحقيق الاستقصائي، من خلال الشهادات والوثائق، تفاصيل قضية أغتيال الضابط "صامد محمد سعيد المساح"، قائد الكتيبة الرابعة، المعروفة ايضا بكتيبة "العمليات النوعية والمهمات الخاصة"، في اللواء (35) مدرع، الذي تنضوي في إطاره أيضا "كتائب أبو العباس"، المعنية- بدرجة رئيسة- في تفاصيل اغتيال الضابط "المساح" بعبوة ناسفة يوم زفافه..
ومع أن هذا التحقيق الاستقصائي، كما ستلاحظون، مخصص لعرض تفاصيل هذه الجريمة بالتحديد، إلا أنه يقدم، في بعض تفاصيله، ما يشير إلى الجهة الأولى المتورطة في ارتكاب معظم جرائم الاغتيالات، إن لم تكن جميعها، التي ارتكبت خلال الفترة المذكورة ضد ضباط وأفراد الجيش الوطني بتعز، والتي قيدت معظمها "ضد مجهول"، كما حدث تماما مع قضية أغتيال الضابط المساح.
بين يدي التحقيق/ قبل الحفر عميقا
مع أن الجريمة، كما ذكرنا، قيدت "ضد مجهول"، كما خطط مرتكبوها- حسب إعتقاد بعض المقربين- غير أن أسئلة كثيرة ظلت قائمة بلا إجابة شافية..!! الأمر الذي دفعنا إلى خوض هذه المغامرة الأستقصائية بسرية تامة وحذر شديد، بحثا عن أشلاء الحقيقة المبعثرة مع جثة "صامد"، الضابط المغدور به يوم فرحته الكبرى..
ولقد شكلت لنا التصرفات المشبوهة والمثيرة للريبة، التي أعقبت ارتكاب جريمة الأغتيال، خيوط الإنطلاق الأولى نحو الحقيقة، لنتمكن- بعد جهد مضني- من فتح بعض الأقفال الكثيرة، بعد أن بدت لنا مستحلية الفتح في بادئ الأمر..!!
وفي هذا التحقيق الاستقصائي، الذي استغرق منا قرابة ستة أشهر من الجهد والبحث والمتابعة، نستعرض لكم بالتفصيل ما حصلنا عليه- وما توصلنا إليه- من معلومات مثيرة، مستندين فيها على وثائق وشهادات وحجج وقرائن كثيرة، قادتنا إلى فكفكة خيوط الجريمة الواحدة تلو الأخرى، والتي سنحاول عرضها هنا وفقا للتسلسل الزمني لإكتشافها، مع محاولة موائمتها- قدر المستطاع- مع التسلسل الزمني أيضا لإرتكاب الجريمة وتفاصيلها..
لحظات الفرح قبل الفاجعة
يوم السادس من يوليو/ تموز 2018، بدى الضابط "صامد محمد سعيد المساح" مغموراً بفرحة العمر، وهو يستقبل ضيوفه بإبتسامته المعهودة، في يوم عرسه الذي ظل يحلم طويلا بقدومه..
هنا في قرية "الزقزوق"– بني شيبة الشرق، بمديرية الشمايتين (جنوبي غرب محافظة تعز)، حيث تقطن والدته، أقيمت مراسيم الزفاف بحضور جموع غفيرة من محبي "صامد"؛ الذين تقاطروا منذ ساعات الصباح الأولى..
كان على رأس الحاضرين والمهنئيين الوكيل المساعد لمحافظة تعز عبدالعزيز الصنوي، ومدير أمن مديرية الشمايتين، حينها، العقيد عبد الكريم السامعي (قبل أن يتم عزله من منصبه لاحقا)، وإلى جانبهم شاركت وجاهات وشخصيات إجتماعية من عدد من مديريات محافظة تعز، في مشهد عرائسي يعكس حجم الشعبية والحب الذي كان يحظى به أحد "أشجع" ضباط اللواء (35) مدرع، كما يصفه لنا بعض من أصدقائه.
كان كل شيء ينبض بالفرحة في هذا اليوم الكبير، الذي استقبل فيه صامد تلك الهدية المغلفة بالموت الخادع، وأحالت فرحته إلى أشلاء مخضبة بالدم، في جريمة بشعة لم تكن لتخطر على بال غير قتلة محترفين..!!
فبعد عصر ذلك اليوم، حين بدأت مراسيم الفرح بالهدوء شيئا فشيئا وشرع الضيوف بالمغادرة تدريجيا، وجد العريس فرصته للإنسلال إلى غرفته الصغيرة لوضع اللمسات الأخيرة لهندامه، استعداداً للذهاب إلى زفّ عروسه.
وفي الغرفة، لم يكن إلى جواره سوى أخته غير الشقيقة (أ. م. س.)، وهدية كبيرة مميزة، وضعت داخل كيس بلاستيكي أحمر..
وبينما كان الأحباب والأصدقاء ينتظرون خروجه في أي لحظة لزف عروسه إليه، دوىّ انفجاراً هائلا في الغرفة..!! خرست معه الزغاريد، وتحوّل العرس إلى مأتم حزين..!!
غير أن ما حدث بعدها، كان محيراً، ومثيرا، وباعثا للشك والريبة..!!
ما بعد الإنفجار/ الخيط الأول (1)
فما الذي حدث بعد الإنفجار؟!
أفادت مصادر متطابقة "يمن شباب نت"، أن مجاميع مسلحة من كتائب أبي العباس انتشرت عقب الإنفجار مباشرة، طوّفت المكان، وتحت تهديد السلاح منعت كل من يحاول الإقتراب، بما في ذلك أفراد الأمن الذين منعوا من الوصول إلى مسرح الجريمة وجمع الأدلة مباشرة عقب وقوعها..!!
وبحسب ضابط البحث الجنائي في المديرية النقيب جلال المحيا، الذي كان حاضرا مراسيم الزفاف إلى جانب مدير الأمن السابق، فإن كتائب أبو العباس، التي منعتهم من الإقتراب، قامت هي بنقل جثة "صامد"، (التي تمزق نصفها السفلي بشكل شبه كلي)، الى مستشفى خليفة في مدينة التربة، مع أخته المصابة بشظايا في أماكن متفرقة من جسدها، لتفرض حصارا مشددا على المستشفى أيضا، دون أن تسمح لأحد بالإقتراب أو طرح الأسئلة..!!
ومع أن الأخت غير الشقيقة للشهيد صامد، هي شاهد الإثبات الوحيد في القضية، كونها كانت هي الوحيدة إلى جواره لحظة حدوث الإنفجار، إلا أنها ظلت مخفية ومُنعت من أي إستجواب، والإدلاء بشهادتها لدى أجهزة الأمن.
وهي، حاليا، في منزل أمها بضواحي مدينة التربة، وما زالت حتى الأن تخضع لما يمكن وصفه بـ"الإقامة الجبرية"، تحت حراسة ورقابة مشددة من قبل مسلحي كتائب أبو العباس. كما أكدت لنا عدد من المصادر، بعضها أمنية، وأخرى مقربة من الشهيد المغدور "صامد".
مواصلة إخفاء الأدلة/ الخيط الثاني (2)
كان لـ(أ. م. س.)، الأخت غير الشقيقة لـ"صامد"، أخويين شقيقين منضويين في الكتيبة الرابعة التي يقودها أخوهما غير الشقيق الضابط صامد، في إطار اللواء (35) مدرع..
وكان لهذين الشقيقين معرفة وعلاقة شخصية بالمدعو "عادل العزي"، المعروف بالرجل الثاني في "كتائب أبو العباس"، والقائد العسكري لها. (أثيرت حول العزي شبهات بإعتباره أحد أبرز المتهمين بقيادة فرق الإغتيالات التي طالت أفراد الجيش الوطني في تعز، خصوصا أثناء سيطرة الكتائب على المدينة القديمة والحي الجمهوري وعدد من المواقع الأخرى في مدينة تعز، قبل أن تطاردهم حملة أمنية وعسكرية مشتركة على خلفية إيواء متهمين بالاغتيالات، وتجبرهم على مغادرة المدينة الى منطقة الكدحة- مديرية الشمايتين- أواخر أغسطس/ آب 2018)..
وبفضل تلك العلاقة الشخصية بالرجل الثاني في الكتائب، تمكن الشقيقان من إقناع "العزي" بالسماح لهما بنقل أختهما المصابة الى العاصمة المؤقتة عدن لتلقي العلاج، كما أوصى أطباء مستشفى خليفة، كون حالتها كانت خطيرة وتتطلب العلاج الفوري..
وتحت الإلحاح والضغط، وافق العزي على ذلك، وأخرجت الفتاة بعد ثلاثة أيام من وصولها مستشفى خليفة بالتربة، ولكن ليس إلى عدن كما تم الاتفاق، بل قام شقيقاها بنقلها الى مستشفى الثورة بمدينة تعز!! الأمر الذي استدعى تدخلا سريعا من كتائب أبو العباس لإنقاذ الموقف وتفادي وصول أجهزة الأمن بتعز إلى المصابة واستجوابها..
على الفور، أرسل العزي عدد من المسلحين إلى مستشفى الثورة، والذين اقتحموا المستشفى بالقوة وقاموا بأختطاف الفتاة بعد ساعات من وصولها. وتحت تكتم شديد قاموا بنقلها الى مستشفى "الصحة" الأهلي بمدينة التربة، حيث تم إعداد سرير خاص بها في بدروم المستشفى، ووضعت تحت الحراسة والرقابة المشددة، لمنع أي شخص من الوصول إليها..!!
ولاحقا، بعد تلقيها العلاج، تم نقلها سرا إلى منزل والدتها بمنطقة "ذبحان" في ضواحي مدينة التربة. حيث ماتزال هناك خاضعة لما يشبه "الإقامة الجبرية"، تحت رقابة مشددة..!!
تواطؤ أمني مريب/ الخيط الثالث (3)
تخلص المعلومات التي جمعها مراسلو "يمن شباب نت"، إلى أن مدير أمن مديرية الشمايتين السابق، العقيد عبد الكريم السامعي، كان متواطئا في الجريمة، التي حدثت في عهده- قبل إقالته من منصبه لاحقا.
وبالعودة إلى ضابط البحث الجنائي في إدارة أمن الشمايتين، النقيب جلال المحيا، والذي كان حاضرا رفقة مدير أمن المديرية المذكور في حفل عرس الشهيد صامد، سألناه عن أسباب عدم قيام إدارة الأمن بواجبها إزاء الجريمة، ومباشرتها التحقيق عقب وقوعها مباشرة؟!..
أكد المحيا لـ"يمن شباب نت"، أن السبب الرئيس يعود أولا إلى "قيام مسلحين، يتبعون كتائب أبو العباس، بتطويق المكان، ومنع كل من يحاول الإقتراب من مسرح الجريمة، تحت تهديد السلاح!!".
الأمر الأخر- يضيف المحيا- "أننا لم نتلقى أية أوامر من قبل مدير أمن المديرية آنذاك، بالنزول بالقوة، وفتح تحقيق في الجريمة.."!!
وتؤكد إفادات متطابقة على أن مدير أمن الشمايتين السابق، العقيد السامعي، كان يحظى بدعم كتائب أبو العباس. ويذكر لنا شهود عيان أن مسلحين يتبعون كتائب أبو العباس شاركوا في القتال مع السامعي في التمرد المسلح الذي قاده لمهاجمة إدارة الأمن بالمديرية، بعد قرار إقالته من مدير عام الشرطة بالمحافظة منتصف أغسطس/ آب الماضي (2019)..!!
[للمزيد.. أقرأ: تعز.. اشتباكات في مدينة التربة إثر تمرد مدير أمن الشمايتين السابق]
التقرير الفضيحة/ الخيط الرابع (4)
لم يكن تواطؤ مدير أمن المديرية السابق يقتصر على محاولة تمييع القضيية بعدم التحقيق في الجريمة مباشرة، وفقا لما يتوجبه دوره في هذا الجانب، بل تعدى ذلك إلى حباكة تقرير فني، يحرف القضية عن مسارها الطبيعي، بغية إبعاد الشبهات عن المتهمين الرئيسيين..!!
فخلال البحث، تمكنا من الحصول على نسخة من التقرير الفني المزعوم من هاتف أحد العاملين في إدارة أمن مديرية الشمايتين (نحتفظ بإسمه بناءً على رغبته). وبعد الإطلاع عليه، وجدنا أن التقرير يتضمن تفاصيل أخرى، تزعم أن ما حدث لم يكن عملية أغتيال مدبرة، وإنما خطأ بشري حدث عبر أنفجار قنبلة يدوية كانت بحوزة الشهيد.
الأمر الذي يتعارض كليا مع ماهو مُتفق حوله من قبل الجميع، تقريبا، أن الضابط صامد المساح تعرض لعملية أغتيال قذرة بـ"عبوة ناسفة" وضعت داخل إحدى الهدايا يوم زفافه..!! وكانت الشكوك فقط تحوم حول الجهة المتورطة في هذه العملية.
صدر التقرير المزعوم تحت عنوان "تقرير فني خبرة"، عن إدارة البحث الجنائي بتعز، بتوقيع العقيد عبد الرحمن سعيد الصبري، الذي تأكد لنا أنه كان يعمل مديراً لشعبة الأدلة الجنائية في مباحث محافظة تعز في تلك الفترة. حسب النقيب غمدان الشرعبي- رئيس شعبة البحث الجنائي بأمن مديرية الشمايتين- في اتصال هاتفي أجراه معه مراسل "يمن شباب نت".
وعند سؤالنا عن الجهة المتبنية لهذا التقرير؛ خصوصا وأنه صادر عن إدارة البحث الجنائي بتعز؟! أوضح النقيب الشرعبي أن تقارير الجرائم الجسيمة، كالقتل، تصدر عادة من المقر الرئيسي لإدارة البحث الجنائي بتعز، كإجراء معروف يتم اتباعه في إدارات الأمن بالمديريات في القضايا الجسيمة.
وأضاف: يتم الرفع بتقارير الأدلة الجنائية، بعد التوقيع عليها من مدير أمن المديرية، الى إدارة البحث الجنائي في تعز، والتي بدورها تقوم بإعداد التقرير بصورته النهائية وتحت ختم الضابط المسئول في الإدارة. (أنظر نسخة مصورة من التقرير أدناه)
في الواقع، فإن هذا التقرير، المكتوب بخط اليد، أقل ما يمكن وصفه بأنه يمثل "فضيحة" مدوية، وجريمة أخرى ترتكب بحق الشهيد صامد!! فمن خلال التدقيق البسيط والسريع في محتوى التقرير، يمكن التوصل إلى الملاحظات التالية:
- أولا: يحمل التقرير تاريخين مختلفين للصدور؛ ففي الصفحة الرئيسية، والتي تحمل أسم التقرير مع ملخص يوضح مضمونه، نجد أن هذه الصفحة تحمل تاريخ التصدير (1-3- 2019)، بينما الصفحة الداخلية، التي تتضمن تفاصيل الفحص والاستنتاجات، تحمل التاريخ (1 - 3 - 2013)..!!
- وهذا يوحي، بداية، أن التقرير، سلق سلقا، بحيث لم يتم حتى التدقيق في الأمور الفنية البسيطة، كتوحيد تاريخ الإصدار في كافة الصفحات. وفي حال أعتمدنا التاريخ الأول (1-3-2019)، سنجد أن التقرير أصدر بعد تسعة أشهر من وقوع الجريمة، وهو أمر يشكك في دواعي اصدار التقرير بعد كل هذه الفترة..!!
- الأمر الأخر، فيما يتعلق بفحص التواريخ أيضا، نجد أن التقرير يذكر في مقدمته أن قسم فحص التفجيرات استلم من مدير البحث الجنائي بالشمايتين المذكرة (طلب الفحص)، والمواد المطلوب فحصها بتاريخ 18-9-2018، بينما صدر التقرير في 1-3- 2019، أي بعد أكثر من خمسة أشهر، فهل يعقل أن تستغرق عملية الفحص كل هذه المدة، لمجرد بقايا قنبلة يدوية..؟!!
- كما يزعم التقرير أن الجريمة وقعت في منطقة "سوق السبت"، وهو سوق ريفي صغير في منطقة بني شيبة الشرق، ولا توجد فيه مساكن إطلاقاً!! ويبعد عن قرية "الزقزوق"، التي وقعت فيها الجريمة، أكثر من نصف كيلو متر..!!
- أما الأمر الأكثر "تلفيقا"- إن جاز التعبير- أن التقرير يقوم على أساس الزعم أن حادثة الأغتيال جاءت نتيجة إنفجار "قنبلة حديدية روسية الصنع"..!! وقد أرفق التقرير صورة لما يدعي أنها بقايا القنبلة، إلى جانب صورة أخرى يقول إنها لبقايا حزام يزعم إنه جزء من حزام المجني عليه..!! (أنظر الصور المرفقة أدناه)
وبإلقاء نظرة سريعة على الصورتين المرفقتين بالتقرير، أمكن لمقربين من الشهيد معرفة أن تلك الشظايا والآثار المزعومة لم يتم أخذها من مسرح الجريمة..!! وحتى بصرف النظر عن هذه الإفادة، لا يوجد أي دليل آخر يعزز مزاعم: أن تلك الشظايا والأثار، أخذت أصلا من غرفة الشهيد صامد!!
فالصور المرفقة بالتقرير عبارة عن لقطتين مقربتين، ولا تثبتان أنهما التقطتا في غرفة الشهيد، حيث لا توجد أي صورة توضيحية عامة من الغرفة توضح وجود تلك الشظايا فيها، كما يفترض لأي خبير القيام به أثناء جمع الأدلة..!!
البحث في مزاعم التقرير/ الخيط الخامس (5)
وللمزيد من التأكيدات حول مزاعم التقرير (الفضيحة)، ذهبنا إلى إدارة أمن مديرية التربة، وبحثنا عن النسخة الأصلية من التقرير في إرشيف الإدارة، فكانت المفاجئة: عدم وجوده لديهم في الأرشيف..!! ما يعني أن هناك من قام بسحبه حتى لا يشكل لهم فضيحة مستقبلية!! (للتوضيح: قمنا بهذه الزيارة البحثية بعد فترة من تغيير المدير السابق العقيد عبدالكريم السامعي).
الأمر الأخر: في أوآخر فبراير/شباط الماضي، قام مراسل "يمن شباب نت" بزيارة خاصة إلى قرية "الزقزوق" في منطقة بني شيبة الشرق، للبحث والاستقصاء في مزاعم التقرير الذي أراد تضليل العدالة، من خلال محاولته الإيحاء أن الضابط الشهيد صامد توفى إثر إنفجار قنبلة يدوية كانت بحوزته..!!
وهناك، التقينا بـ"نصيب محمد سعيد المساح"، الأخ الأكبر والوحيد لصامد من أبويه، والذي كان مغتربا في المملكة السعودية، قبل أن يعود مباشرة عقب حادثة أغتيال شقيقه صامد، للبحث والمتابعة. (سترد تفاصيل لاحقه، في هذا التقرير، حول أبرز مجريات هذا اللقاء).
كما التقينا أيضا بوالدته، وهو الأهم هنا، بإعتبارها أقرب الناس اليه، وظلت الى جواره معظم ساعات العرس؛ لذلك عرضنا عليها خلاصة مزاعم التقرير الفضيحة، وحين سألنها: ما إذا كان أبنها "صامد" يحمل قنبلة في ذلك اليوم؟! نفت ذلك بشكل مطلق، بل أكدت لنا بكل ثقة أن نجلها لم يكن بحوزته حتى سلاحه الشخصي!! وهو ايضا ما تؤكده الصور التي التقطت للشهيد في أوقات متفرقة طوال ذلك اليوم، إلى ما قبل حدوث الإنفجار، الساعة الرابعة والنصف عصراً..!!
أضف إلى ذلك، أن الشهيد لم يكن مجرد شخصا عاديا يجهل خطورة وجود قنبلة بحوزته يوم زفافه، أو تعوزه الدراية اللازمة لكيفية التعامل معها! وهو قائد كتيبة العمليات النوعية والمهمات الخاصة، التي تعد من أشهر وأقوى كتائب اللواء 35 مدرع، وأفضلها خبرة قتالية، كما يجمع على ذلك كل من التقيناهم، (سواء ضمن/ أو خارج/ إطار هذا التحقيق)، من جنود وضباط في اللواء وخارجه..
الإدارة الجديدة تكذب القديمة/ الخيط السادس (6)
في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2019، (أي بعد أربعة أشهر تقريبا من إقالة مدير أمن المديرية السابق، عبد الكريم السامعي)، قدم "نصيب المساح" الأخ الأكبر للشهيد "صامد"، بلاغاً رسميا إلى مدير أمن مديرية الشمايتين الجديد العقيد "محمد العليمي"، طالبه فيه بالتحقيق في القضية.
وبناءً على هذا البلاغ، أصدر المدير تكليفا لفريق الأدلة الجنائية بالإدارة، بالنزول الى مسرح الجريمة لجمع الأدلة ورفع تقريرا بذلك. كان هذا الفريق مكون من خبير المتفجرات هادي المشرقي، وفني الأدلة الجنائية محمد الحمادي.
في 24 ديسمبر، أي بعد يومين من البلاغ، وصل الفريق المكلف الى مكان الجريمة، وفي ظرف أقل من أسبوع، أصدرت إدارة الأدلة الجنائية في البحث الجنائي بمحافظة تعز، في 29 من الشهر، تقريرها الخاص بالجريمة، والمكون من (72) صفحة. (أنظر إلى صور التقرير المرفقة أدناه)
وكما هو ملاحظ، فقد خلص تقرير إدارة الأدلة الجنائية، الذي يحمل عنوان "التقرير الكتابي والصور"، إلى أن الأسلوب الإجرامي للعملية أستخدم فيه سلاح ناري "عبوة ناسفة". الأمر الذي يعري التقرير (الفضيحة) السابق، الذي كان زعم أن الانفجار ناتج عن انفجار قنبلة روسية الصنع..!!
دوافع الإغتيال/ الخيط السابع (7)
بعد كل تلك الأدلة والقرائن السابقة، كان لابد لنا أن نصل إلى السؤال الأهم: لماذا تم اتخاذ قرار تصفية قائد الكتيبة الرابعة في اللواء 35 مدرع، الضابط صامد محمد سعيد المساح؟!
ربما كانت الإجابة على هذا السؤال، هي الجزء الأكثر صعوبة في هذه العملية الاستقصائية برمتها. الأمر الذي تطلب منا المزيد من البحث، وتوسيعه أكثر، والمرور بمسارات أخرى أكثر تعرجا، بحثا عن حقائق إضافية كان يتوجب علينا معرفتها للمساعدة في الوصول إلى جزء كبير من الإجابة.
وقد أضطرنا ذلك إلى الإنتقال/ والتوغل في/ تفاصيل قديمة تعود إلى سنوات قبل حادثة الأغتيال، تتعلق بمسيرة الضابط الشهيد صامد المساح ونزاهته ووطنيته وشجاعته، وما قام به من أعمال وطنية شجاعة جعلته تحت دائرة ضوء الجهة التي قررت تصفيته..
تعود بنا البداية إلى تفاصيل مسيرة حافلة بالجندية والعطاء للضابط الشهيد، بدءَ من الإنخراط مع المقاومة الشعبية، والتدرج منها إلى الجيش الوطني، والاحتواء ضمن قوات اللواء 35 مدرع، وصولا إلى تأسيس الكتيبة الرابعة "عمليات نوعية ومهمات خاصة"..
غير أن النهاية، تقودنا- بكل أسف- إلى حقيقة مؤلمة ومثيرة أكثر للشكوك: تسريح وتشتيت الكتيبة الرابعة، وقوامها (50) فرداً..!! وكان قرار التسريح- حسب وصف أحد أفراد الكتيبة- لم يصدر بصورة رسمية، وإنما بشكل عملي ضمني، حيث تم تهميش الكتيبة والتوقف كليا عن دعمها، والتعامل معها، بمجرد اغتيال قائدها الشهيد صامد..!! بالنظر إلى أنها كانت تشكل عائقا أمام طموح وصفقات الفاسدين الكبار. وفقا للمصدر نفسه.
يقول المصدر، الذي شدد على إخفاء هويته لدواع أمنية، إن محاولات تسريح الكتيبة وتهميشها عمليا بدأت والقائد صامد كان ما يزال موجود، وذلك بسبب المهام التي كانت تقوم بها، والتي تعارضت بعضها مع رغبات وتوجهات ومصالح بعض الكبار في اللواء 35 مدرع، وفي إطار مسرح عملياتها بشكل عام..
وتفيد المعلومات التي حصل عليها "يمن شباب نت"، أن ايقاف الدعم عن الكتيبة بدأ قبل فترة من أغتيال القائد صامد، الذي لم يستسلم وواصل عمل الكتيبة، وبمجرد اغتياله، تشتت أفرادها، فبعضهم لزم بيته، وبعضهم أنضم الى ألوية عسكرية أخرى في محافظة تعز، بينها كتائب أبو العباس، فيما التحق البعض الأخر بما يسمى "قوات حراس الجمهورية" المتواجدة في الساحل الغربي، بقيادة طارق محمد عبد الله صالح، نجل شقيق الرئيس اليمني السابق (صالح)، وهي قوات أنشأتها وتدعمها دولة الإمارات العربية المتحدة..
وبالنسبة لنا، فقد شكلت هذه النهاية الدراماتيكية، في الواقع، أحد خيوط البحث الرئيسية، تحت سؤال كبير وملح: لماذا يتم تهميش، أو تسريح وتشتيت كتيبة بهذه الكفاءة، وقد أثبتت قدرات قتالية كبيرة؟!
الأمر الذي استدعانا إلى البحث في التفاصيل، التي من خلالها توصلنا إلى جزء كبير من الحقائق التي استدعت المجرمون إلى اتخاذ قرارهم بتصفية الضابط الشهيد "صامد"، وصولا إلى القضاء كليا على كتيبته القوية والمثيرة للجدل..!!
الجندي (ي. ن.)
لبضعة أشهر، باءت إلى الفشل كل محاولاتنا بإجراء لقاء مع أي من أولئك الجنود المقربين من الشهيد صامد، من الذين لزموا منازلهم حسرة وكمدا، أو خشية من المصير المجهول بعد قائدهم الفذ والشجاع..!
من بين هؤلاء، الجندي (ي. ن)، الذي أوصلنا إليه أحد أقاربه الثقات، بإعتباره أحد الذين رافقوا الشهيد صامد منذ بداية مسيرته القتالية والوطنية حتى أغتياله، ليلزم بعدها بيته خوفا على حياته. لم ينجح وسيطنا في إنتزاع الموافقة من قريبه، الذي ظل حذرا في التعامل معنا، رافضا كل العروض والضمانات للحديث، قبل أن يضطر- بعد عدة محاولات فاشلة- للموافقة لاحقا وفق شروطه، والتي كان بينها عدم الإشارة إليه، ولو حتى برموز تمت لإسمه الحقيقي بصلة، لتجنب كشف هويته. وهو ما حدث، حيث لا علاقة لهذين الحرفين (ي. ن) بإسمه الحقيقي..
وثمة أمر، رأينا أنه من المهم الإشارة إليه، ضمن سياق حصولنا على هذه الموافقة، ذلك أنها جاءت بعد فترة من إغتيال العميد عدنان الحمادي، قائد اللواء 35 مدرع، مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2019؛ وإنضمام العقيد السلفي عادل عبده فارع، المكنى بـ"أبي العباس"، مع أغلب أفراد كتيبته الى ما تعرف بقوات "حراس الجمهورية" المدعومة إماراتيا في الساحل الغربي، بقيادة طارق صالح..
ذلك ما نعتقد أنه ساعد في حصولنا على موافقة الجندي (ي. ن.) للإدلاء بهذه الشهادة المفعمة بالكثير من التفاصيل الدقيقة، والخطيرة..، والتي نوردها هنا ضمن عناوين بسلسلة قرائن جديدة تتعلق بالتفاصيل التي أدت إلى اتخاذ قرار تصفية صامد وكتيبته الخاصة..
"التهريب" بداية الفتيل/ القرينة الأولى (1)
تحت جنح الظلام الدامس الذي يكسو القرية النائية، وفي ليلة شديدة البرودة، من ليالي فبراير/شباط القارس (2020)، تسللنا إلى منزله في الموعد المضروب لنا سلفا. حيث بدأ "ي. ن."، بإسترجاع شريط ذكريات أربع سنوات من النضال اللصيق مع القائد- كما يحب أن يطلق عليه.
بدءاً بالإنخراط في المقاومة الشعبية، أواخر شهر مارس/آذار 2015، ضد إنقلاب المليشيات الحوثية في جبهة الضباب على المدخل الغربي لمدينة تعز"، ثم التنقل بين عدة جبهات للمقاومة الشعبية، شملت: جبل الضعيف في جبهة الوازعية، وجبهة المسراخ، والأقروض، حيث برز الشهيد صامد في تلك الجبهات، كمقاتل مقدام وشجاع رغم صغر سنه، لافتا أنظار قادة المقاومة الذين حضى بثقتهم وإعجابهم على الدوام..
ومع بداية تأسيس الجيش الوطني، انضم صامد ومجموعته القتالية الى اللواء 35 مدرع، الذي أسس فيه كتيبة الرابعة تحت اسم "كتيبة العمليات النوعية والمهمات الخاصة"، والتي خاضت أشرس المعارك في جبهة حيفان، حيث سقط منهم الشهداء، وأصيب قائدهم "صامد" أكثر من مرة..
وهكذا، خلال فترة وجيزة كانت بطولات الكتيبة الرابعة، وقائدها المقدام، محل حديث وإعجاب فصائل المقاومة والجيش الوطني على مستوى محافظة تعز، متكسبا حب الجميع وثقتهم بشجاعته ونزاهته ووطنيته..
يواصل الجندي "ي. ن." حديثه لـ"يمن شباب نت"، قائلا: "وخلال هذه الفترة من العام 2016، لا أذكر الشهر بالتحديد، بدأ الحديث يدور همساً في اللواء عن عمليات تهريب مشتقات نفطيه وأسلحة للمليشيات الحوثية بتواطوء من قيادات رفيعة في اللواء. وكان حينها قد وقع أحد جنودنا، وإسمه "طارق"، لا أذكر بقية إسمه بالكامل، أسيرا لدى مليشيات الحوثي في جبهة حيفان".
وتابع: "وفي أحد الأيام، ضبطنا قاطرة محملة بالمشتقات النفطيه، كانت في طريقها إلى المليشيات الحوثية عبر خط سامع – حيفان. وبعد التحقيق مع سائقها إعترف أنه من محافظة عمران (شمال اليمن)، واكتشفنا أن القاطرة لديها تصريح بالمرور من قيادة اللواء 35 مدرع، بموجب اتفاق سابق مع المليشيات الحوثية في جبهة حيفان.."!!
واضاف: وحينها، أمر القائد صامد على الفور بحجز القاطرة والسائق، واتصل بالعميد عدنان الحمادي، الذي بدوره وجه بحجز القاطرة مع السائق، وأرسل الينا عبدالسلام الذبحاني- من شعبة إستخبارات اللواء- لغرض إستلام القاطرة، إلا أن صامد اشترط إفراج مليشيات الحوثي عن الأسير "طارق" مقابل سائق القاطرة، مالم فسوف يقوم بتسليم السائق مع القاطرة إلى قيادة المحور بالمحافظة!!
وبحسب "ي. ن."، وافق القائد الحمادي، وكلف رسوله الذبحاني بالذهاب مع صامد الى قيادة محور تعز. لكن وأثناء ماكان صامد في تعز لمقابلة قيادة المحور العسكرية، تفاجئنا بقدوم الضابط فؤاد الشدادي من اللواء رفقة مسلحين، وقاموا بتحرير القاطرة والسائق بالقوة، بذريعة أن موضوع القاطرة من إختصاص قيادة اللواء..!!"
يستدرك: "وحينها، تأكد لنا تماما، وبدون أدنى شك، صحة تلك المعلومات عن وجود قيادات رفيعة في اللواء متورطة في عمليات تهريب منظمة للسلاح والمشتقات النفطية إلى المليشيات الحوثية، دون علم العميد عدنان الحمادي، الذي اسشتاط غضباً حين سماعه بإطلاق القاطرة والسائق" !!
يواصل الجندي "ي. ن.": "وبعد عملية ضبط القاطرة النفطية، تم إيقاف كل أشكال الدعم والإمداد عن صامد وكتيبته، من قبل اللواء 35 مدرع. لكن ذلك لم يوقف القائد صامد من مواصلة عمله، والذي رفض الإستسلام وأصدر توجيهاته الصارمة لأفراد الكتيبة بزيادة اليقظة في تفتيش أي مركبة تمر في نطاق عملياتنا".
شحنة أسلحة تزيد التوتر/ القرينة الثانية (2)
وبعد أقل من شهر حدثت المفاجئة الثانية، يقول "ي. ن."، حيث تم ضبط "ديانا" (شاحنة متوسطة الحجم)، محملة بمختلف أنواع الذخائر العسكرية، بينها قاذفات (RBG)، وكانت هي الأخرى في طريقها إلى المليشيات الحوثية، وسائقها أيضا كان يحمل تصريح مرور من قيادة اللواء 35 مدرع..!!
وهذه المرة أيضا، رفض الشهيد صامد إطلاقها، إلا أن أوامراً حاسمة وشديدة اللهجة جاءته بإخلاء سبيل الشاحنة مع السائق!! وحينها غادر صامد الجبهة، تعبيرا عن رفضه وعدم موافقته على ما حدث..
وتابع: وأثناء ما كان القائد صامد في منطقة "المركز"، وهو سوق صغير على الخط الرابط بين محافظة تعز ومدينة التربة، تلقى اتصالا من العقيد عادل عبده فارع (أبو العباس)، يطلب منه العودة، مع وعد بتنفيذ كل مطالبه، فوافق صامد على العودة، ولكن هذه المرة تم تسليمه وكتيبته الخاصة جبهة "الكدحة".
يقول "ي. ن.": حينها كانت علاقة صامد بمافيا التهريب في اللواء 35 مدرع، قد دخلت مرحلة عميقة من التوتر والعداء الشديد، حيث تعرض لأكثر من محاولة إغتيال فاشلة، كان أخطرها إلقاء قنبلة على سيارته أثناء مروره في سوق "النشمة"!!
وتابع: وحين أدرك صامد حجم الخطر الذي يترصده، كان يقول لنا: "لو حصل لي شيئا، فغريمي معروف، هو "ف. ش" وجماعته المسيطرة على اللواء!!
مرحلة جديدة من المواجهات/ القرينة الثالثة (3)
يواصل "ي. ن." شهادته، قائلا: ومع إندلاع المواجهات بين الأجهزة الأمنية، وكتائب "ابو العباس" في المدينة القديمة وسط مدينة تعز، مطلع العام 2018، على خلفية عمليات إختطاف واغتيال أفراد من الجيش الوطني، قام المدعو "عادل العزي"- الرجل الثاني في قيادة كتائب أبو العباس- باستدعاء القائد "صامد" إلى اجتماع سري في مدينة "النشمة"..
وعن أبرز ما دار في ذلك اللقاء، يقول "ي. ن.": أبلغنا صامد بعد انتهائه من هذا الإجتماع السري، أن عادل العزي قال له إن عدوهم الحقيقي هو حزب الإصلاح "الإخونجي"!! وطلب منه التوجه بكتيبته الى مدينة تعز لتعزيز مسلحي الكتائب الذين يواجهون من وصفهم بمليشيات الإصلاح هناك!!
وأضاف: كما أبلغنا القائد الشهيد صامد، أن "العزي" سلمه قائمة بأسماء القيادات المطلوب تصفيتها من حزب الإصلاح بينهم ضباط وأفراد في الجيش الوطني..!! الأمر الذي رفضه صامد بشدة، وقال له: "نحن لا علاقة لنا بتلك الخلافات بينكم، فنحن جميعا جنود دولة وليس لنا عدوا غير مليشيات الحوثي الإنقلابية، ولا يمكن أن يتوجه سلاحنا لغيرها"..
من خلال تلك التفاصيل، يمكن تفسير ما حدث على النحو التالي: ربما كانت قيادة كتائب أبو العباس قد أعتبرت "صامد" جزء منها، وبدأت بالتعامل معه على هذا الأساس، لاسيما بعد اتصال "ابو العباس" له، ونجاحه في إقناعه العودة، وتسليمه جبهة "الكدحة"، التي كانت تتبع كتائبه..
لكن بعد رفض صامد لمطالب العزي تلك صراحة، فمن المؤكد أن ذلك وضعه في مواجهة أخرى جديدة، هذه المرة مع كتائب أبو العباس، أو على وجه الدقة، مع قيادات عليا في هذه الكتائب، أعتبرت أن صامد، برفضه هذا، لم يعد صديقا يمكن الوثوق به، بل عدوا أصبح يشكل خطرا حقيقيا عليها..!!
وبهذا، أصبح الشهيد صامد، عدوا مشتركا للحليفيين المختلفين معه: "ف. ش" في اللواء 35، و "ع. ع" في كتائب أبو العباس.
البحث عن عدالة ضائعة
في مقابلة حصرية أجراها مراسلنا، مع "نصيب محمد سعيد المساح"، الأخ الأكبر للشهيد صامد (والأخ الوحيد من ابويه)، تحدث عماعانته- وما زالت تعانيه- أسرته بعد جريمة الإغتيال الآثمة التي حدثت لشقيقه، والتهديدات التي تعرض لها جراء محاولاته متابعة القضية وتحقيق العدالة..
كان "نصيب" مغتربا في مدينة جدة السعودية، وعلى إثر اغتيال شقيقه الوحيد، أضطر للعودة فور سماعه الخبر المفجع، الذي- يقول- إنه نزل عليه وعلى والدته كـ"الصاعقة"، مضيفا: فشقيقي "صامد" كان محبوباً من الجميع، ولم يكن لديه مشاكل مع أحد، كما أنه- بحسب ما يعرف الجميع عنه- لم يكن ينتمي لأي حزب سياسي..
وخلال متابعته القضية، تحّمل الشقيق تسديد ديون أخيه الشهيد، كما يؤكد، والتي يقول إنها "تجاوزت مليونين ونصف"، منوها "مع أنها كانت جميعها عبارة عن ديون استلفها صامد مقابل تموين وشراء ذخيرة للكتيبة الرابعة". ويُعتقد أن هذه الديون استدانها القائد صامد بعد توقف الدعم له وكتيبته من قيادة اللواء 35 مدرع.
وأعرب نصيب عن امتعاضه من عدم مساعدته في تسديد تلك الديون من قبل قيادتي اللواء والمحور العسكري بالمحافظة، الذين لم يدفعوا حتى ريالا واحدا منها..!! مستدركا: "بل حتى الطقم الخاص بشقيقي لم يتركوه، فقد أخذوه وقاموا ببيعه"..!!
وبحسب حديثه مع "يمن شباب نت"، فقد استمرت هذه الصدمة لعدة أشهر، تعرض خلالها الشقيق إلى "ضغوط نفسية وإرهاب، وصل حد التلميح بتصفيته إن هو حاول إثارة القضية مجددا"، لا سيما بعد أن قيدت الجريمة "ضد مجهول"..!!
وأكد لنا "نصيب" إنه رفض الإستسلام أمام تلك التهديدات، خصوصا وأن جثة شقيقة مازالت مرمية في ثلاجة مستشفى خليفة بمدينة التربة، "لذلك قررت المواجهة، رغما عن كل تلك الظروف التي كانت جميعها ضدي".
وضمن حديثه، كشف لـ"يمن شباب نت"، أنه حين طالب بفتح ملف القضية في إدارة أمن مديرية الشمايتين، في عهد مديرها السابق، أخبروه أن من إغتال شقيقه هو "حزب الإصلاح"، ولتعزيز تلك المزاعم، ذكروا له اسماء بعض قيادات الإصلاح في قيادة مقاومة مديرية الشمايتين، وإدارة المديرية، ممن يزعمون تورطهم في عملية الأغتيال..!!
ومع أنه لم يصدق تلك الإدعاءات، إلا أنه ظل حائراً، لا يدري كيف يتصرف داخل هذا الوكر لوحده!! حسب قوله، حتى صدر قرار تغيير مدير أمن المديرية السابق عبدالكريم السامعي، منتصف أغسطس 2019، فقرر أن يعاود طرق أبواب العدالة وتحريك القضية، وتمكن من تحديد اسماء أربعة مشتبهين رئيسيين على صلة بعملية الإغتيال..
على إثر تلك المستجدات، تقدم الشقيق ببلاغ رسمي إلى مدير عام شرطة محافظة تعز العميد منصور الأكحلي، أواخر العام الماضي، ناشده فيه بإلقاء القبض على الأربعة المشتبه بهم وإحالتهم إلى العدالة، مع تشكيل لجنة من المعمل الجنائي للنزول إلى مسرح الجريمة "الذي مازال مغلقا من يوم وقوع الجريمة حتى اليوم"..[أنظر صورة من البلاغ مرفقة أدناه]
وعلى ضوء ذلك، حصل على توجيه من مدير عام الشرطة بالمحافظة، إلى مدير عام الشرطة بالمديرية، بالتحقيق وضبط المتهمين. (يمكن العودة إلى الخيط السابع (7) أعلاه للمزيد من التفاصيل حول تقرير اللجنة المكلفة من البحث الجنائي بالنزول الميداني وجمع الأدلة)..
ومع ذلك، إلا أن "نصيب" يتهم إدارة المديرية باستنزافه مالياً، دون أن تفعل له شيئا، حتى الأن!! في إشارة إلى عدم القبض على المتهمين الرئيسيين المذكورين في مذكرته..
وحين توجهنا بتلك الشكوى والإتهامات إلى مدير أمن مديرية الشمايتين الحالي، العقيد محمد مقبل العليمي، أرجع أسباب عدم إلقاء القبض على المشتبه بهم إلى "حساسية القضية، ولكون المطلوبين جنودا لدى كتائب ابو العباس"، في حين أن إمكانيات إدارته لاتسمح له القيام بمثل تلك المخاطرة..!! حسب تعبيره.
وأكد مدير أمن المديرية، رفضه تحريك حملة أمنية "دون توفر الإمكانيات والحماية لها"، خصوصا وأنه "سبق وأن اقتحمت مجاميع مسلحة إدارة الأمن أكثر من مرة، واطلقت سراح مطلوبين خطرين كانوا محتجزين لديها"..
ملف الأغتيالات
في 19 فبراير/ شباط 2018، رفع مدير عام مديرية الشمايتين مذكرة إلى محافظ المحافظة، بالتوجيه إلى قيادة محور تعز بتسليم عادل العزي، لاختطافه وقتله الجندي مالك اليعقوبي، أحد أفراد الجيش الوطني.
وفي أوآخر مايو 2019، عُثر على خمس جثث تم التمثيل بها، لجنود من الجيش الوطني، كانت مدفونة في إحد المقابر الواقعة في المربع الشرقي الذي كان حينها تحت سيطرة كتائب ابو العباس. وقبلها بأيام قليلة عثر أيضا على ثلاث جثث آخرى مدفونة جوار مبنى الاستخبارات بالحي الجمهوري شرقي المدينة، أيضا.
وفي التاسع من شهر يونيو 2018، اغتيال العميد رضوان العديني قائد لواء العصبة في الحي الجمهوري، من قبل محسوبين على جماعة أبو العباس، كما قيل حينها.
وبعد أشهر قليلة من خروج كتائب أبو العباس من المدينة، عثر على مقابر جماعية في سوق الصميل، في الجهة الشرقية للمدينة..
وبحسب إفادات متكررة، معلنة من مصادر متفرقة في الجيش الوطني، بلغ عدد ضحايا الاغتيالات أكثر من 250 فردا من ضباط وجنود الجيش الوطني بتعز، خلال الفترة الماضية..
وفي حين يعتبر هذا الملف، أحد الملفات الكبيرة المنسية، فإن معظم القتلة مايزالون طلقاء، دون أن تقدم الأجهزة الأمنية أي مبررات لذويهم على هذا الخذلان القاتل، فمتى يحين أوان نفض غبار هذا الملف المغلق منذ سنوات..!!