عدن ـــ تتشكّل خارطة تقاسم النفوذ بين السعودية والإمارات جنوبي اليمن، وتأتي دعوات بين الحين والآخر من قِبل التحالف لوقف إطلاق النار بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، لكن تلك الدعوات لم تنفذ على الأرض، ومدافع الطرفين مستمرة لترسم نيرانها قواعد اشتباك جديدة تصب في مصلحة الرياض وأبو ظبي.
لم يمضِ غير ساعات على إعلان الرياض وقف إطلاق النار بين الحكومة الشرعية من جهة، وبين المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة أخرى، حتى تجددت الاشتبكات بالسلاح الثقيل بين الطرفين في محافظة أبين جنوبي اليمن، في مؤشر على أن التحالف السعودي-الإماراتي غير جاد في وضع حدٍّ للحرب الدائرة بين الطرفين منذ ما يقارب شهرين.
وتظهر الخارطة العسكرية تراجعاً للقوات الحكومية، خصوصاً والرياض تواطأت لصالح أبو ظبي في إضعاف حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً.
وعملت السعودية إلى جانب الإمارات على تفكيك القوات المحسوبة على الرئيس هادي، وخصوصاً منها ألوية الحماية الرئاسية التي خاضت ضدها الإمارات معركة في أغسطس/آب الماضي في العاصمة المؤقتة عدن، ثم قصفتها لاحقاً على مشارف عدن، قبل أن تخوض ضدها معركة استنزاف منذ شهرين في صحراء أبين.
وفي موازاة ذلك يستمر التحالف في السيطرة على محافظة المهرة، إضافة إلى جزيرة سقطرى التي أسقطتها القوات الإماراتية والسعودية لصالح قوات الانتقالي قبل أيام، وسيطرت على اللواء الأول مشاة بحري وهو اللواء الوحيد التابع للشرعية في الجزيرة، إضافة إلى مخطط آخر كشفت عنه مصادر حكومية يهدف إلى السيطرة على حضرموت، وهو مخطط إذا ما نُفذ فسيجعل من الشرعية فاقدة لكل المناطق "المحررة" في الجنوب غير محافظة شبوة.
هكذا يحاول التحالف الإجهاز على ما تبقَّى من قوة للحكومة الشرعية، ويطلق دعوات متكررة لوقف إطلاق النار، لكن تلك الدعوات -في رأي مراقبين- فقط لذرّ الرماد على العيون، لكن على الأرض يعمل التحالف السعودي-الإماراتي على تقطيع أوصال الشرعية، سواءً عبر نفي قيادتها السياسية ومنعهم من العودة إلى اليمن، (الرئيس هادي منع من العودة أكثر من مرة ومنع نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري)، أو عبر تدمير الترسانة العسكرية التابعة للشرعية بسلاح الإمارات الذي استخدمه المجلس الانتقالي مؤخراً في معارك أبين وسقطرى.
اقرأ أيضا:
من يقف وراء حملة الاغتيالات في عدن؟
وتبدو تجربة الأطراف اليمنية مع الوساطات السعودية مريرة، بعد تعثر تنفيذ اتفاق الرياض الذي رفضته الحكومة الشرعية منذ بدايته قبل أن توقع عليه لاحقاً بضغط سعودي.
وتتوجس الشرعية من الاتفاقات بينها وبين الانتقالي الذي ترعاه السعودية، خصوصاً والرياض تلعب دور الوسيط بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، في الوقت الذي تنسج اتفاقات غير معلنة مع الإمارات الداعم الأساسي للانتقالي.
أي أن الرياض طرف في المعركة ضد الشرعية، وهو ما أكده شيخ مشائخ سقطرى، عيسى السقطري، وهو أيضاً الأمين العام المساعد لمجلس الإنقاذ الوطني اليمني الجنوبي، إذ قال لـTRT عربي إن قبائل سقطرى "مستاءة من الدور السعودي ومحاولاتها القيام بدور الوسيط وهي متورطة في تسليم الجزيرة للإمارات"، موضحاً أن "الرياض وأبو ظبي تعملان على تقاسم جنوب اليمن والسيطرة على كل مواقعه الحيوية".
ووصف السقطري، وهو أحد الشخصيات القبلية التي واجهت الإمارات في الجزيرة، لجان الوساطة السعودية بأنها "لا تخلو من الخبث والمكر السعودي الذي بات مكشوفاً في الأحداث الأخيرة".
ويتساءل مراقبون لماذا لا توجد رغبة حقيقية لدى التحالف في وقف إطلاق النار في الجنوب، خصوصاً أن كل تصريحات التحالف الرسمية تدعو لوقف القتال في الجنوب وتوجيه المعركة باتجاه مناطق سيطرة الحوثيين.
في هذا الإطار يرى الباحث اليمني في مركز كارنيغي للسلام، أحمد ناجي، في حديث مع TRT عربي، أن "لا رغبة حقيقية للأطراف الإقليمية في تطبيق وقف إطلاق النار، وذلك لأن خارطة النفوذ لم يُتفق عليها بعد"، مشيراً إلى أن "التصعيد العسكري عبر الوكلاء من وقت إلى آخر يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية ونفوذ".
ولفت ناجي إلى أن "فشل وقف إطلاق النار يعود أيضاً إلى هشاشة الاتفاقيات التي تأخذ البعد الشكلي والإعلامي على حساب واقعية هذه الاتفاقات".
ويبدو أن تسارع الأحداث جنوبي اليمن وفتح حروب دائمة أرهقا الشرعية، بما لا يأتي لصالح المجلس الانتقالي الذي يحاول التحالف تجريده من ترسانته العسكرية وفق اتفاق الرياض، غير أن دور تدمير "الانتقالي" لم يأتِ بعد -في رأي محللين- خصوصاً والتحالف يستخدم "الانتقالي" لضرب الحكومة الشرعية في الوقت الراهن، ومستقبلاً لن يسمح له بإدارة الجنوب أو إعلان الدولة الجنوبية، وذلك لأن مصلحة التحالف تصب في نزع مخالب القوى في الجنوب وإضعافها حتى يتمكن التحالف من إدارة الأطراف الجنوبية منزوعة السلاح