أظهر ما يُعرف بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” استعداده علناً للتقارب مع إسرائيل وإقامة علاقة معها، لتقوية مركزه داخل اليمن، والمضي نحو أهدافه المتمثلة بانفصال الجنوب، وتدعمه في ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأبدى نائب رئيس ما يعرف بالمجلس الانتقالي، هاني بن بريك، في بث مباشر على حسابه في “تويتر”، استعدادهم لإقامة علاقة مع تل أبيب أو غيرها طالما ستعينهم على استعادة دولتهم، قائلاً إن السلام مطمع ومطمح لنا مع إسرائيل وغير إسرائيل.
وذكر الخضر السليماني، مدير مكتب العلاقات الخارجية للمجلس الانتقالي، في تصريح لقناة “الجزيرة”، استعدادهم لإقامة علاقات مع إسرائيل، وفقاً “لمصالح شركائنا في المنطقة”.
سبق تلك التأكيدات، صحيفة “إسرائيل اليوم” التي وصفت “الانتقالي”، في مقال صحفي، بـ”الصديق السري الجديد لإسرائيل في اليمن”.
وتعمل أبوظبي على توطيد علاقتها مع تل أبيب، بطرق مختلفة، حتى إن وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، دعا سابقاً إلى ضرورة الحفاظ على “خطوط مفتوحة” معها. كما أشاد السفير الإماراتي لدى واشنطن يوسف العتيبة، بالعلاقة بين الدولتين، وأكد استعداد بلاده أن تكون بوابة مفتوحة أمام الإسرائيليين لربطهم بالمنطقة والعالم.
قد يبدو للبعض أن “الانتقالي” غير جاد في توطيد علاقته والتطبيع مع إسرائيل، وهو النهج الذي بدأت به دول عربية عديدة، إلا أن أستاذ إدارة الصراعات والأزمات في جامعة الحديدة نبيل الشرجبي، يؤكد أن التعامل بين الطرفين وارد جداً، وبقوة، بخاصة أن كلاً منهما بحاجة للآخر.
نبيل الشرجبي : المجلس الانتقالي مدفوع من الإمارات، وهو يرغب في الحصول على دولة، وتثبيته على حكم كامل الجنوب، وتجاوز كل القوى الأخرى هناك، أما إسرائيل فترغب بالحصول على موطئ قدم في واحد من أهم المواقع الاستراتيجية في العالم، سواء كان في عدن أو شبوة أو المهرة على البحر العربي، أو في سقطرى .
وعن كيفية حدوث ذلك، يقول الشرحبي لـ”المشاهد”، : “المجلس الانتقالي مدفوع من الإمارات، وهو يرغب في الحصول على دولة، وتثبيته على حكم كامل الجنوب، وتجاوز كل القوى الأخرى هناك، أما إسرائيل فترغب بالحصول على موطئ قدم في واحد من أهم المواقع الاستراتيجية في العالم، سواء كان في عدن أو شبوة أو المهرة على البحر العربي، أو في سقطرى التي تعد بوابه العبور في المحيط الهندي؛ على أن العامل أو الرابط المشترك بينهما، هو أبوظبي التي سوف ترسم حدود العلاقة ببنهما في أول الأمر، بما يفضي إلى الحفاظ على بقاء التحالفات التي تشترك فيها الإمارات وإسرائيل في أكثر من منطقة”.
ولا يذهب بعيداً عن ذلك الباحث السياسي موسى عبدالله قاسم، الذي أكد أن إسرائيل هي المستفيد الأول من الاضطرابات في الساحة العربية، وأصبحت اليوم تجول في كثير من عواصم العرب، بعد أن كانت رهن الحصار العربي الشعبي الرافض للتطبيع.
ومن ذلك ما خرجت به الصحف العبرية حول التعامل المأمول مع ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، باعتباره حليف المستقبل، والممهد للوجود الصهيوني في الجزر والموانئ اليمنية، كما يقول قاسم.
ولفت في تصريحه لـ”المشاهد” إلى أن إسرائيل دولة توسعية، ولديها أطماع في السيطرة والنفوذ على المنطقة، واليمن بموقعها الاستراتيجي الهام هدف صهيوني بامتياز، لاسيما إطلالها المتميز على مضيق باب المندب وخليج عدن، وقد سبق أن لعبت اليمن دوراً قومياً إبان حرب 1973 ضد المحتل الصهيوني من خلال التحكم بمضيق باب المندب.
وعلى ذلك، فإن وجود موطئ قدم لإسرائيل في هذه المنطقة الحساسة، سيشكل عامل ضغط على إيران في المقام الأول، فضلاً عن زيادة نفوذها في المنطقة، وهذا بالتأكيد سيؤثر على الأمن القومي العربي، لاسيما الأمن القومي لمصر التي ستكون المتضررة الكبرى من سيطرة تل أبيب على باب المندب، لما لذلك من تأثير عميق على الملاحة في قناة السويس، وفق الباحث قاسم.
وهذا الأمر، بحسب قاسم، سيكون من السهولة بمكان أن يتحقق مع وجود “حلفاء” كالمجلس الانتقالي الذي لديه الاستعداد لبيع كل شيء من أجل وهم الدولة والسلطة الزائلة، وعلى هذا الأساس تروج إسرائيل وأذرعها الإعلامية والمخابراتية لما يسمى الحلفاء الجدد، لتحقيق أهدافها التوسعية في الجزيرة العربية.
ويُلاحظ خلال السنوات الأخيرة، حجم التقارب الحاصل، وبشكل علني، بين أبوظبي وتل أبيب، وبناء على ذلك، يرى قاسم أن تصريحات “الانتقالي” بخصوص العلاقات مع “الكيان الإسرائيلي المحتل”، ما هي إلا تنفيذاً للإملاءات الإماراتية التي كانت من أوائل دول الخليج المُطبِّعة معه، وقد كشفت وثائق “ويكيليكس” العلاقة السرية القديمة التي طفت على السطح
يستخدم المجلس الانتقالي الجنوبي، ورقة إسرائيل، لتحقيق أهدافه التي يتطلع إليها، دون النظر إلى طبيعة التوتر الحاصل بين تل أبيب والعرب عموماً، بسبب استمرار توسعها في مناطق تابعة للأراضي الفلسطينية.
على النقيض، توظف جماعة الحوثي “إسرائيل” لكسب مزيد من الحشود، بحجة أنها تعمل ضد تل أبيب، وستنتصر للقضية الفلسطينية، وتزعم أنها قادرة على استهدافها، برغم أنه لا عداء حقيقياً بين الطرفين، والأمر لا يتجاوز مربع التصريحات الصادرة من زعمائهم، وهي ذات سياسة حليفها في المنطقة، المتمثل بإيران.
ويتضح وجود أهداف لدى كل من “الانتقالي” وإسرائيل، ربما تشجعهما على المضي قدماً في توطيد العلاقة، لتقوية مراكزهما.
ويشير الشرجبي إلى أن الإمارات والمجلس الانتقالي لديهما الاعتقاد نفسه بقوة إسرائيل لفعل أي شيء، وإقناع القوى الكبرى في العالم بما لها من قوى ضغط مهولة وغير عادية تتجاوز حدود كل الدول والمنظمات، بتغيير أوضاع الجنوب حسب رغبتهم.
وفي حال حدث ذلك، يُرفع العتب علي دول التحالف العربي من أنها ساعدت على تفتيت اليمن، ويُلصق الأمر بإسرائيل، وعليه يرجح الشرجبي سبب تصريح قيادات “الانتقالي” بشأن الاستعداد للتعامل مع تل أبيب.
وبخصوص جدوى ما يقوم به المجلس الانتقالي، يعتقد قاسم أن تصريحاتته لا تخرج عن سياق النهج السياسي الإماراتي الداعم له، وهي في محاولة يائسة لكسب الكيان الصهيوني لدعم الدولة المنشودة في المحافظات الجنوبية، كونهم يجهلون عنفوان الشعب اليمني ورفضه لكل المشاريع الدخيلة، وسبق أن قاتلوا المحتل البريطاني (صانع الكيان الصهيوني) وطردوه شر طِردة من الأرض اليمنية، ومستعدون لمواجهة كل الأعداء على أرضهم، وهي سمة اليمني على مر العصور.
لكنه يتساءل: “إذا كان العرب يحاربون إيران باعتبارها محتلة لجزر عربية، وتعادي دولاً عربية عديدة، فكيف لهؤلاء العرب نسج علاقات مع كيان صهيوني محتل لأرض عربية في فلسطين وسوريا ولبنان؟ ولماذا يقيمون علاقات معه ويستجلبونه لأراضيهم، فيما يدعون محاربتهم لإيران، وكانت محركات الحرب في اليمن وفق منظورهم حرباً لقطع يد إيران في الجزيرة العربية؟”.
وخلص قاسم إلى التأكيد مجدداً على أن إسرائيل ستكون المستفيد الأول في حال تلكأت السعودية عن استعادة “الشرعية”، ومضت في شرعنة انقلاب عدن المدعوم إماراتياً، مؤكداً أن المجلس لن يستفيد سوى الوهم، وسيفيق في النهاية على كنتونات جغرافية تتحكم بها الدول الأخرى، من أبوظبي إلى الرياض، وحتى تل أبيب، هذا في حال ظلت السلطة اليمنية كما هي الآن رهن التحالف، ولم تذهب للبحث عن بدائل تساعدها في استعادة البلاد، وتغيير الواقع بشكل جذري.
وتحاول إسرائيل جاهدة فتح وسائل إعلامها للعرب، وجعلهم مشاركين فيها، كما أنها بشكل دائم، وخصوصاً منذ تدخل التحالف العربي في اليمن، تراقب ما يجري بشكل مستمر، حتى إنها أقامت مرصداً في إريتريا القريبة من اليمن، لمراقبة قوات التحالف.
كما أن يوني بن مناحيل، ضابط إسرائيلي سابق في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، ذكر في مقال له أن اليمن قد تتحول إلى تهديد جدي على بلاده، وذلك تعليقاً على هجمات الحوثيين الصاروخية على السعودية.