بغض النظر عن الكيفية التي يقرأ بها المرء الاتفاق الدبلوماسي الذي تم الإعلان عنه، الخميس، بين (إسرائيل) والإمارات، مع وجود العديد من المؤيدين والمنتقدين للاتفاق نظرا لطبيعته التاريخية، نخرج باستنتاج واحد يبدو أنه لا يمكن دحضه، وهو أن (إسرائيل) هي الفائز الأكبر في هذه الصفقة.
وحققت (إسرائيل)، وتحديدا رئيس وزرائها المتعثر "بنيامين نتنياهو"، نصرا كبيرا. وبتعليق التهديدات بضم أجزاء من الضفة الغربية مقابل التطبيع الكامل للعلاقات مع الإمارات، منح الرجل نفسه مجالا للتراجع عن وعد قد يكون غير واقعي.
وهكذا، كسب "نتنياهو" التطبيع مع قوة عربية صاعدة مقابل شيء لم يكن من المحتمل أن يفعله في الأساس، ولم يكن في مصلحة (إسرائيل) على المدى الطويل. وفي الدوائر الدبلوماسية، هذا ما يمكن أن نسميه "انقلابا".
ومن المؤكد أن الإمارات ستحصل على الكثير في المقابل. فمن خلال إبرام هذه الصفقة، تعزز أبوظبي مكانتها في قيادة العالم العربي ودورها الجيوسياسي الضخم.
كما يمكن للإمارات تحقيق التعاون الثنائي المعزز والرسمي في قطاعات مثل الطاقة والطب والتكنولوجيا والصناعة العسكرية؛ وهو ما سيحقق مكاسب كبيرة لكلا البلدين.
وسيحصل المجتمعان الإماراتي والإسرائيلي على فرصة للعمل كفريق واحد دون الحاجة إلى القلق بشأن السياسة.
ومن المؤكد أن الشرق الأوسط ككل، سيستفيد من أي تهدئة للتوترات ومن الدبلوماسية الإيجابية. لكن الأمر يستحق تخفيف التوقعات فيما يتعلق بآثار هذه الصفقة على الأمن الإقليمي.
وبعد كل شيء، فإن الإمارات و(إسرائيل) لم يقاتل أحدهما الآخر، ولم ينظرا إلى بعضهما البعض كأعداء تقليديين. لذا فإن تسمية هذا الاتفاق بـ "اتفاق سلام"، كما فعلت إدارة "ترامب" بالفعل، هو أمر مبالغ فيه إلى حد ما.
بدلا من ذلك، فهو يمثل اعترافا رسميا بالعلاقات الثنائية القائمة منذ عقود. ويمثل أيضا بداية عملية دبلوماسية، لذا قد تستغرق المكاسب الأوسع وقتا لتؤتي ثمارها بالكامل.
كما لا يزال يتعين على الاتفاقية أن تصمد أمام معارضة سياسية من جانب البعض في المجتمع الإسرائيلي المحافظ للغاية. وإذا نكثت (إسرائيل) بوعودها بشأن الضفة الغربية، فسوف يجد الإماراتيون أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه.
وفي الواقع، ينبغي أن يُنسب الفضل إلى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، الذي يدعي أنه توسط في الصفقة، في هذا الإنجاز التاريخي، بغض النظر عن طبيعة مشاركته الشخصية. وكان دور الوساطة لإدارته لا غنى عنه. وبالطبع، لن يتوقف عن التباهي بإحلال السلام في الشرق الأوسط إلا بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني.
لكن فخره الذاتي المستمر بنفسه وسياسته، لا ينبغي أن يصرف الانتباه عن حقيقة أن ما حققه للتو لديه القدرة على زعزعة الأمور في المنطقة حقا. ولمرة واحدة بطريقة إيجابية.
وإذا أرادت السعودية الانضمام إلى الجهد الدبلوماسي، فهذا هو الوقت الذي يجب أن يتضاعف فيه الثناء على الاتفاق.
وتعد السعودية، وليس الإمارات، أكبر جائزة منتظرة لـ (إسرائيل) من حيث الاعتراف الدبلوماسي. والسعودية، وليس الإمارات، هي التي تتحدث تقليديا باسم العالم الإسلامي، وملكها هو "خادم الحرمين الشريفين".
وربما نرى تأثير الدومينو عربيا في اللحظة التي ينضم فيها السعوديون إلى السفينة. وعندما يفعلون ذلك، سيتم أخيرا كسر "تابوه" التعاون الأمني العربي الإسرائيلي الأوسع.
كانت التحركات الدبلوماسية الرئيسية، مثل مبادرة السلام العربية لعام 2002، التي عرضت على (إسرائيل) الاعتراف العربي الكامل مقابل انسحابها من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب 1967، امتيازات حصرية للسعوديين.
لكن اعتبار الإماراتيين الآن في طليعة الدبلوماسية العربية الجريئة هو الأكثر إثارة للاهتمام، لكن الأمر متوقع أيضا للرياض؛ نظرا للمتاعب الأخيرة للسعوديين تحت قيادة ولي العهد "محمد بن سلمان".
ولا يوجد دليل يشير إلى أنه من خلال إبرام هذه الصفقة مع (إسرائيل) أن تكون الإمارات قد انفصلت عن السعودية.
لكن الاتفاق جعل الأمر بالتأكيد يبدو كما لو أن أبوظبي كانت تمضي قدما وترسم مسارا مستقلا بشكل متزايد. أولا، سحبت أبوظبي قواتها من اليمن وتركت شريكها في التحالف السعودي في العراء.
والآن يأتي هذا الاتفاق، وحتى إذا وقعت السعودية على مثله، هو احتمال تركه "ترامب" مفتوحا، بالقول إن دولا عربية أخرى يمكن أن تنضم إلى هذا الاتفاق قريبا، فسيتم ذكرها إلى الأبد باعتبارها تابعا وليست مبادرا. ولن يكون التاريخ العربي لطيفا مع السعوديين لتخليهم فعليا عن قيادتهم لشريكهتم الصغرى.
ثم مرة أخرى، ربما كان هذا ما يفضله السعوديون طوال الوقت، بتنسيق فعّال مع الإماراتيين. ربما أراد السعوديون أن يروا أولا كيف يتم تلقي الصفقة في العالم العربي والأهم من ذلك في طهران، العدو القديم.
وعلى هذا الأساس، تحدد المملكة ما إذا كنت تريد الانضمام أم الابتعاد. ويكاد يكون من المؤكد أن ينتقد الإيرانيون الصفقة، وسيشير الحرس الثوري الإسلامي المؤثر إلى الإماراتيين على أنهم "خونة"، لكن المهم هو الأفعال. وقد يكون هذا ما تنتظره الرياض.
وتجدر الإشارة أيضا، إلى أن السعوديين في وضع مختلف تماما عن الإماراتيين فيما يتعلق بـ (إسرائيل). وتضمنت الصفقة الحد الأدنى من المخاطر للإماراتيين محليا. لكن ليس الأمر كذلك بالنسبة للسعوديين.
((3))
وإذا احتضن النظام (إسرائيل) قبل الأوان، دون وجود اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يحل قضية القدس، فقد يثور الشعب السعودي، أو على الأقل رجال الدين في البلاد، وهذا شيء لا يستطيع "محمد بن سلمان" تحمله ببساطة.
وكان كل ما ركز عليه ولي العهد الشاب منذ إطلاق مشروعه التحويلي المسمى "رؤية السعودية 2030" يحد من دور وسلطة الشيوخ المحافظين في المملكة.
لكن التنازل عن القدس لـ (إسرائيل) يمكن أن يرفع نفوذ رجال الدين إلى آفاق جديدة. حتى أنه قد يعيد التشدد الذي أحدث الفوضى في البلاد عام 1979، ثم مرة أخرى من عام 2003 إلى عام 2004.
وتوجد الكثير من الأمور المجهولة في هذه الاتفاقية التي ظلت المناقشات حولها هادئة بشكل عجيب حتى أصدر "ترامب" بيانه.
لكن هناك شيء واحد مؤكد؛ وهو أن علاقات القوة في العالم العربي تحولت بقوة لصالح دوله الأصغر، الإمارات وقطر المنافسة لها. وتبقى السعودية مشغولة بعملية انتقالها الدقيقة، وقد تلاشت هيبة مصر منذ فترة طويلة.
ولا يزال التحدي النهائي والأكثر قيمة للشرق الأوسط يتمثل في الحد بشكل كبير من التوترات مع إيران. وإذا لم تنفجر العلاقات بين أبوظبي وطهران نتيجة لذلك، حيث كانت مؤخرا جيدة جدا، فسيكون الإماراتيون قادرين على التوسط بشكل أكثر فاعلية بين الإسرائيليين والإيرانيين، وهو دور لعبه العمانيون تاريخيا.
وقد لا يصنع النظام في طهران سلاما مع (إسرائيل) أبدا، لكنه بالتأكيد لديه مصلحة في وقف حرب واسعة النطاق. ويمكن لدبلوماسية أبوظبي الذكية والانتهازية مع (إسرائيل) أن تساهم في هذا الصدد وتغير المنطقة إلى الأبد.