تنتظر اليمن والمنطقة العربية كما يبدو، تعقيدات كثيرة عقب اتفاق الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بينهما.
تتزايد تلك المخاوف بشدة، نتيجة للعلاقة التي تربط الإمارات بما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي دعمت تأسيسه وتشكيل مليشيات تتحكم بها عن طريق ذلك الكيان.
إضافة إلى ذلك، يلاحظ وجود ترحيب كبير من قِبل ما يعرف بالانتقالي، الذي يبدي استعداده لتوطيد علاقته مع إسرائيل، خاصة أن نائب المجلس هاني بن بريك أكد رغبته في زيارة تل أبيب، وتصريحات أخرى سابقة له تدعم حديثه ذاك.
مواقف محلية رافضة
عقب تطبيع الإمارات مع إسرائيل، برزت كثير من المواقف اليمنية تجاه تلك الخطوة، فقد رفضتها جماعة الحوثي واعتبرها ما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى" التابع لها، خيانة للأمة وتكريسا للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
أما الحكومة اليمنية فأكدت وزارة الخارجية أن موقف البلاد ثابت ولن يتغير تجاه القضية الفلسطينية وحقوق الشعب. وهو ذات الموقف الذي شدد عليه 14 حزبا يمنيا برغم عدم إشارتهم للإمارات في بيانهم.
في الجنوب وبرغم الموقف المؤيد لخطوة التطبيع والذي تبناه الانتقالي، إلا أن قيادات في الحراك الجنوبي أبرزها عبد الرحمن الوالي رفض ذلك، واعتبر ما يصدر من تصريحات من قبل المجلس بأنها تؤثر كثيرا عليه وتجعل "أموره تتدهور"، مؤكدا أن أغلبية شعب الجنوب ليست مع موقف الانتقالي من التطبيع.
إضافة إلى تصريحات رئيس مجلس الحراك الثوري الجنوبي اليمني حسن باعوم، الذي قال إن الجنوبيين يناصرون الشعب الفلسطيني وقضيته، ويعارضون ما يعارضه في قضيته.
ومع صدور مواقف أخرى عديدة، كان للمواطنين في تعز أيضا صوتا رافضا لما يجري، فقد نفذوا وقفة احتجاجية رفضا لتطبيع الإمارات مع إسرائيل، مؤكدين أن القدس قضية مركزية للأمة العربية والإسلامية، وأن التنازل عنها أو التطبيع مع إسرائيل خيانة عظمى.
مكسب للحوثيين
ولا يفهم الإعلامي عبد الكريم الخياطي سبب احتفاء بن بريك و بعض قيادات الحراك الجنوبي وكذلك البيان التنديدي الذي وصفه بـ"الباهت" الصادر من الأحزاب اليمنية الرئيسية على الاتفاقية، مفسرا ذلك بأنه يأتي في سياق استحواذ السعودية والإمارات على القرار السيادي اليمني، وحتى الحزبي، باعتبار أن الأحزاب خففت لهجة بيانها لتوقعها اقتراب توقيع السعودية لاتفاقية مماثلة للتي قامت بها الإمارات.
وعن تأثير ذلك، قال لـ"الموقع بوست": "هذا سيكون له تأثيرا سلبيا ومكلفا اجتماعيا وسياسيا داخل المجتمع اليمني، وهو مكسب لجماعة الحوثي التي أصبحت تقدم نفسها أنها المدافع والمنافح الوحيد عن القضايا القومية كما هو محور إيران".
وأكد الخياطي أنه من خلال اتفاقات إسرائيل سابقا مع دول المنطقة، لا يوجد أي مبرر للتطبيع مع ذلك الكيان، مبررا ذلك بالقول إن معادلة السلام غير متحققة، فضلا عن أفكار الانغلاق والإقصاء والتوحش والعنصرية التي تسيطر على الفكر الصهيوني المهيمن على المؤسسة الإسرائيلية، وبالتالي فأي اتفاق لا معنى له في مؤسسات تل أبيب التي تنفذ أجندات انتخابية شعبوية دينية توسعية لن ولم تنفذ ما دامت تخالف مطامحها.
في صعيد ذلك، يؤيد الصحفي كمال السلامي ما طرحه الخياطي، لافتا إلى أن التطبيع سيكون له تأثير على علاقة الخليج بإيران، وهذه الأخيرة، لن تتوانى عن استخدام الحوثيين، أدواتها في اليمن، للرد على أي تحالف وليد بين الإمارات وإسرائيل وربما السعودية والبحرين، وهذا يعني استمرار النزاع في اليمن وأخذه منحى جديدا، غير المنحى السابق الذي تسبب في مقتل قرابة 200 ألف إنسان من كل الأطراف خلال السنوات الخمس الماضية، بحسب السلامي.
موضع قدم لإسرائيل
ولا يستهين الصحفي السلامي بخطوة التطبيع الإماراتي مع إسرائيل، نتيجة لنفوذ الأولى الكبير في اليمن، بعد أن نجحت في زرع مليشيات في الجنوب والغرب، وتسليحها وتمكينها من فرض أمر واقع، كما هو حال الإدارة الذاتية التي أعلنها الانتقالي جنوبا، وكذا القوات المشتركة التي تسيطر كليا على الساحل الغربي، وترفض أي وجود للحكومة الشرعية.
وبناء على ذلك، يفيد السلامي لـ"الموقع بوست" أن المركز دائما ما يؤثر في الأطراف، والإمارات صارت مركزا محوريا في أزمة اليمن، وصار دورها التخريبي حديث الساعة، وهذا يعني تلقائيا أن تلك الأدوات والمليشيات التي أنشأتها، ستكون رهن إشارتها، وعلى استعداد لأن تحذو حذوها في تأييد ومباركة وربما تخطو خطوة أخرى نحو التطبيع مع إسرائيل، وما يؤكد ذلك من وجهة نظره، هو حالة الترحاب التي أبدتها قيادات بالانتقالي، وإعلاميون وسياسيون وقادة محسوبون على أبو ظبي، بخطوة التطبيع.
وأضاف السلامي محذرا من خطورة تبعات التطبيع: "اليمن صارت ساحة نفوذ غير شرعي للإمارات، هذه الدولة التي تسعى للحصول على خدمات أمنية وعسكرية إسرائيلية، وبالتالي فلن يكون لديها مشكلة في إيجاد موضع قدم لإسرائيل في اليمن أو جزرها ومياهها الإقليمية، وذلك في سياق سباق النفوذ الذي تخوضه أبو ظبي، وتشارك فيه إسرائيل للسيطرة على الموانئ الواقعة على البحر الأحمر، وكذا الحصول على مناطق نفوذ في القرن الأفريقي".
تحويل اليمن إلى بؤرة صراعات
تدخل اليمن كل عام في مأزقا جديدا غاية في التعقيد، منذ بدء الحرب فيها، إلا أن مخاوف الإعلامي الخياطي تتزايد بعد خطوة التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، فهو يرى أن أبوظبي التي تسيطر على اكثر من نصف الأراضي اليمنية وكامل سواحل البلد، إضافة إلى كامل أجواء العاصمة المؤقتة عدن بالاشتراك مع السعودية، وامتلاكها معسكرات موالية في الجزر القريبة من باب المندب أحد أهم المنافذ البحرية العالمية، سيخلق ذلك حججا كبيرة لصراع دولي وإقليمي في بلادنا يفاقم الوضع ويمنع بالتالي أي اتفاق سلام أو انتصار للشرعية.
وخرج بذلك الاستنتاج بإشارته إلى أن الاتفاقية الموقعة بين تل أبيب وأبوظبي، تخص قضايا الصراع الإستراتيجي المشترك بين الطرفين إضافة لأمريكا، وهذا يعني أن إسرائيل بالنسبة لإيران وتركيا والصين وغيرها من القوى القادمة، ستعتبر أن كل اليمن تحت نفوذ إسرائيل الإستراتيجي.
كما انتقد الخياطي ما يردد بأن إسرائيل مثلها مثل الحوثي تستحضر التاريخ وصراعاته وتفسره وفقا لهواها الإمبراطوري، قائلا إن الكثيرين لا يعلمون أن هناك مراكز إستراتيجية إسرائيلية تعمل على استعادة ما يسمى "أملاك إسرائيل في الجزيرة العربية"، موضحا أنه "في إسرائيل يقوم مركز دايان الذي يرأسه مارتن كريمر في الجامعة العبرية، ومركز قافي العبري بجمع البيانات والخرائط التاريخية، وإرسال مختصين، ورصد كل مكان سكن فيه اليهود في الوطن العربي وخاصة الجزيرة العربية ومنها اليمن، بغرض استعادة أملاكهم".
وختم حديثه بالتأكيد على خطورة التطبيع، كونه سيشكل تهديدا كارثيا على مصالح البلاد، وستكون الحرب الحالية مجرد "نزهة" مقارنة مع ما سيحصل بعد ذلك، مستطردا "إن من يريدنا أن نعتقد الآن بأن علينا أن نطبع مع إسرائيل لتحل كثيرا من مشاكلنا كون تل أبيب وواشنطن وراء الكثير منها، ربما لا يلاحظ أن دولا سبقت بتلك الخطوة، ولم ولن يتغير شيء في وضعها السياسي والاقتصادي إن لم تزد إسرائيل وتفاقم مشاكل تلك الدول منها إرتيريا وجنوب السودان الغارق في حروبه القديمة الجديدة".
ومن المتوقع أن تتجه دول عربية أخرى للتطبيع مع إسرائيل، بينها المملكة العربية السعودية، التي قال جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأميركي، إن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والرياض أمر حتمي.
وبدأت الأمور تتجه في هذا الإطار منذ أشهر، إذ تبادل بعض المسؤولين العرب والإسرائليين زيارات مختلفة، تنبئ عن قادم جديد في المنطقة، من غير الواضح بعد حجم تأثيره على اليمن وطبيعة ذلك.