كشفت ندوة نظمها "ائتلاف الخليج ضد التطبيع"، وبثت مساء الاثنين على موقع "يوتيوب"، أن رسالة نصية وصلت إلى المواطنين والمقيمين في دولة الإمارات على هواتفهم، عشية الإعلان عن الاتفاق مع "إسرائيل" ، تحذرهم من الخوض أو التعليق على "قرار سيادي سيصدر قريباً".
وسعت الندوة الافتراضية، التي تابعها نحو 800 ناشط ومهتم بمقاومة التطبيع في الخليج، إلى توحيد جهود مقاومي التطبيع في دول الخليج ردّاً على اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات ودولة الاحتلال الإسرائيلي، إذ شارك فيها ناشطون في مقاومة التطبيع من السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان والكويت وقطر.
وعرض الكاتب والناشط سعيد الهاشمي من سلطنة عمان دوافع مقاومة التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتي تنطلق من مبدأ مناصرة حق الشعب الفلسطيني في أرضه، وأن هذا العدو لم يحترم الاتفاقيات التي وقعها مع عدد من الدول العربية، بما فيها التي وقعها مع الفلسطينيين.
ودعا إلى استثمار اليقظة الشعبية تجاه القضية الفلسطينية لإبقائها حية، وصياغة خطاب يتجاوز الشعاراتية، ويكشف ويعري ما يفعله الاحتلال الصهيوني في فلسطين.
رصد
بدورها، لفتت الناشطة البحرينية سمية المجذوب إلى ما قالت عنها إنها مفارقة صارخة، تتمثل بأنه في ظل وضع دولي مؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني، يجري التخلي عربياً عن الشعب الفلسطيني وقضيته. وتطرقت لجهود الشارع البحريني في مقاومة التطبيع، عبر سنوات طويلة، مؤكدة أن القضية الفلسطينية والإجماع عليها يتجاوز التيارات والطوائف، وأن الأرضية الخصبة تتوفر لدى جميع الشعوب العربية لمقاومة التطبيع التي هي مهمة الشعوب وليست مهمة جمعيات مناهضة التطبيع فقط. ودعت إلى تطوير خطاب إعلامي جديد في مواجهة التطبيع وتوسيع العمل ليشمل جميع المجالات الأكاديمية والفنية والثقافية.
إلى ذلك، لفت الباحث السعودي سلطان العامر إلى أن هذه الموجة الجديدة من التطبيع تختلف عن الموجة السابقة التي بدأت بتوقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو عام 1993، حيث تداعى الناشطون والمثقفون في دول الخليج العربية، وخاصة بعد زيارة رئيس دولة الاحتلال السابق شمعون بيريز سلطنة عمان، لمواجهة التطبيع وتأسيس جمعيات لمناهضته، وكان ذلك في ظل أطر قانونية وبيروقراطية رسمية رافضة ومساندة لمقاطعة "إسرائيل"، إذ نجحت جهود المقاطعة ورفض التطبيع خاصة بعد انطلاق الانتفاضة الفلسطينية، وأجهضت هذه الموجة من التطبيع.
وقال إن الموجة الجديدة من التطبيع تأتي في ظروف أصعب، وفي ظل تحديات مختلفة تتطلب أفكاراً جديدة لمواجهتها، فالقضية الفلسطينية تعيش أسوأ أوضاعها، والمنطقة تعيش حالة تشظ وخلاف، وهناك مضايقات تحدث وحركات اجتماعية تروج للانعزال. ودعا العامر، إلى البناء على الإرث التاريخي لمقاومة التطبيع في الخليج، والاستفادة من التجارب السابقة، والاشتباك المبدع مع المرحلة، والاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي لمواجهة التطبيع، وتوليد حاجة شعبية ومتجاوزة للحدود رافضة للتطبيع ومدركة ضرره على دول الخليج في ظل أنظمة قد لا تتسامح مع مقاومة التطبيع.
تدخل دولة الاحتلال الإسرائيلي لمنطقة الخليج للمرة الأولى، في وقت تتوحش فيه ضد الشعب الفلسطيني
واعتبر الناشط عوض المطيري إعلان تطبيع العلاقات بين الإمارات ودولة الاحتلال لحظة مشؤومة في تاريخ منطقة الخليج، إذ تدخل دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى منطقة الخليج للمرة الأولى، في وقت تتوحش فيه ضد الشعب الفلسطيني. وقال المطيري إن هذا الاتفاق يأتي في ظل اتفاقات سابقة أكد التاريخ عدم جدواها، مضيفاً أن الاحتلال الإسرائيلي يرتبط بالتيارات المعادية للديمقراطية، وأن سياسيات المحاور والاصطفاف في المنطقة وما حدث في الإمارات يجب ألا يحرف البوصلة، وأنه يجب على مقاومي التطبيع توحيد جهودهم لمواجهة هذه الموجة والتواصل مع النشطاء في مصر والأردن لاستفادة من تجاربهم في مقاومة التطبيع في ظل وجود علاقات رسمية لبلادهم مع دولة الاحتلال.
أسواق
ورأت الباحثة والناشطة آلاء الصديق من دولة الإمارات، أن سقف الحريات في الإمارات لا يحتمل مثل هذا التوجه (مقاومة التطبيع) في هذه المرحلة، إلا أنها دعت إلى ألا تتحول صعوبة التعبير إلى صعوبة التفكير في مواجهة التطبيع. وأكدت ضرورة مواجهة حملات التضليل الإعلامي، وقالت "يجب أن نتذكر أن من يتلاعب بنا مرة سيتلاعب بنا مرات عديدة"، لافتة في هذا الصدد إلى ما روجته السلطات الإماراتية ونشره إعلامها الرسمي عن أن اتفاقها مع "إسرائيل" يوقف ضم أراضي الضفة الغربية، وهو ما ثبت أنه غير صحيح.
وأكدت الصديق ضرورة ترسيخ فكرة أن ما حدث لفلسطين وللشعب الفلسطيني احتلال، وأن فلسطين لا تعود إلا بزوال هذا الاحتلال. وعرضت مواقف مشرفة عبر سنوات طويلة للشعوب الخليجية وللشعب الإماراتي ورفضه ومناهضته التطبيع، لافتة إلى أن القانون الاتحادي الإماراتي، الذي أقر عام 1972 ويرفض التطبيع ويعاقب المطبعين بالسجن والغرامة، ما زال ساري المفعول في الإمارات ولم يجر إلغاؤه أو تعديله.
رسالة نصية وصلت إلى المواطنين والمقيمين في دولة الإمارات على هواتفهم، عشية الإعلان عن الاتفاق مع "إسرائيل" تحذّرهم من الخوض أو التعليق على قرار سيادي سيصدر قريباً
وردت الصديق على سؤال ما الذي تغير حتى تقوم دولة الإمارات بعقد اتفاق مع دولة الاحتلال والتطبيع معها، بالقول إن "الذي تغير اتباع الامارات، وبعض دول الخليج، سياسة تكميم الأفواه وقوانين مكافحة الإرهاب والتطبيع الرياضي والثقافي، مشيرة إلى رسالة نصية وصلت إلى المواطنين والمقيمين في دولة الإمارات على هواتفهم، عشية الإعلان عن الاتفاق مع "إسرائيل"، تحذرهم من الخوض أو التعليق على قرار سيادي سيصدر قريباً".
وفي تصريح لـ "العربي الجديد"، قالت الناشطة الإماراتية آلاء الصديق، إن "تنظيم الندوة سببه ذروة التطبيع الخليجي التي وصلت لمنتهاها بما أن الإمارات عقدت اتفاقية سلام مع دولة أخرى ليست في حالة حرب مباشر معها بمباركة وسيط في النصف الآخر من العالم وهي الولايات المتحدة الأميركية".
وعن سبل مواجهة التطبيع في الخليج قالت الصديق: "مواجهة التطبيع أولا بتكرار القناعات المبدئية التي تعد من أسس المنطق، نظام محتل اغتصب أرضا لا حق له فيها وهجّر أهلها، وأهلها إخواننا في الهوية والإنسانية والدين والعروبة"، متسائلة "كيف نعقد أي اتفاق مهما كانت طبيعته مع المحتل ونقف ضد أصحاب الحق؟".
وعن الموقف الشعبي الإماراتي من خطوة التطبيع التي قام بها النظام الحاكم في الإمارات تقول الصديق: "لا يمكن تحديد الموقف الشعبي، فأدوات القياس غائبة، ومنذ التسعينيات كانت هناك محاولات تطبيع وتعزيز للعلاقات الإماراتية مع الكيان الصهيوني، وظلت خفية لكنها بدأت تظهر على السطح رافقها تكميم أفواه في مطلع عام 2000 واستمر تدريجا ليجبر النخب على كسر الصمت بالترويج الدعائي لما تقوم به الحكومة من دون رأي سوى الرأي المؤيد".
لكن الصديق شددت على أن "التأييد الشعبي للتطبيع مصطنع والطبيعي أن يرفض الإماراتيون هذا التطبيع".
وعرضت الناشطة في مقاومة التطبيع في قطر، إسراء المفتاح، تجارب وجهود مقاومي التطبيع في بلادها، وقالت إنه يمكن دائماً العمل في مقاومة التطبيع حتى في المساحات الضيقة، حيث بدا نشاط مقاومة التطبيع في قطر من خلال رصد حالات التطبيع والإعلان عنها من خلال الفضاء الإلكتروني، ومن خلال التواصل مع مقاومي التطبيع في فلسطين، والتعريف بالأنشطة والجهود التي يقومون بها، خاصة في مجال حماية الأراضي الفلسطينية ومنع مصادرتها من قبل الاحتلال، وتقديم الرواية الفلسطينية للسياح الأجانب الذين يزورون الأراضي المحتلة في مواجهة الراوية الإسرائيلية، والقيام بالحملات والتواصل مع الشركات التي تقوم بالتعاون مع الاحتلال وانتهاك حقوق الفلسطينيين، لتحذيرها من الإعلان عن حملات لمقاطعة منتجاتها، فضلاً عن التواصل مع الأندية الطلابية والتعريف بالقضية الفلسطينية وحملات مقاومة التطبيع ودورها في مساندة الشعب الفلسطيني.