تتكون جزيرة سقطرى اليمنية من كثبان رملية هائلة وجبال صخرية وشواطئ جميلة وحياة برية فريدة من نوعها، وغالبًا ما يشار إليها باسم "جزر جالاباغوس المحيط الهندي".
لطالما كانت سقطرى وجهة مرغوبة للمسافرين المغامرين، لكن هذه الجنة الصغيرة باتت معرضة اليوم للتهديد بعد أن تم جرها مؤخرًا إلى الصراع الأهلي الذي يعصف باليمن منذ عام 2015.
ويُخشى أن الأنواع المستوطنة النادرة في الجزيرة، بما في ذلك أشجار دم التنين السريالية المتوطنة في سقطرى، والمناظر الطبيعية الرائعة المعترف بها من قبل اليونسكو يمكن أن تتعرض للتدمير إذا ما حال وضع الغموض السياسي الحالي في اليمن دون حمايتها، وفق تقرير نشرته «CNN travel» وترجمة "يمن شباب نت".
وفي حين أن مصير الجزيرة بات معرضا للاضطراب، قد تأتي المساعدة لتصبح في متناول اليد قريبًا، مما يعد مصدرا غير متوقع في عصر كورونا - تحديدا من عالم السياحة.
وهنا يأتي دور هيلاري برادت ، كاتبة رحلات تبلغ من العمر 79 عامًا.
خلال مسيرتها المهنية الطويلة ككاتبة رحلات، قامت مؤسسة هيلاري Bradt Travel Guides (كتيبات السفر الارشادية) بزيارة بعض أكثر الوجهات إثارة في العالم.
لكن سقطرى، التي تقع على بعد 60 ميلاً شرق القرن الأفريقي، ظلت على رأس قائمة أمنياتها.
عندما تمكنت "برادت" أخيرًا من زيارة الجزيرة مع زميلتها "جانيس بوث"، البالغة من العمر 81 عامًا، في فبراير، فاقت سقطرى توقعاتهم.
فقد أعجبتا بها بشدة، فقررتا التخلي عن فكرة الكتيب القصير الذي خططا له، والعمل بدلا من ذلك على إنتاج كتاب ارشادي، يمثل الدليل "الأول والوحيد" إلى سقطرى.
ولكن في الوقت الذي حصلتا فيه على الضوء الأخضر في البداية، اصطدمت خططهما بتداعيات كورونا - فقد شهدت مؤسسة النشر للدليل المستقل في المملكة المتحدة منذ ذلك الحين انخفاضًا بنسبة 75٪ في المبيعات وليس لديها ببساطة الموارد المالية لنشر كتابهما الارشادي حول سقطرى، هذا العام.
ومع ذلك، فإن "برادت" و "بوث" عازمتان على إصدار الكتاب في نوفمبر من هذا العام بسبب التطورات السياسية في سقطرى، حيث أطلقا حملة جماعية لجمع الأموال.
وقالت برادت لشبكة «CNN travel»: "أعتقد أنها قد تكون المرة الأولى التي يجرب فيها ناشر كتيبات إرشادية هذا الطريق".
وجهة فريدة
وأضافت "إنه شيء لا يمكن القيام به إلا لهذا الكتاب على وجه التحديد. لا أعتقد أن الامر كان سينجح مع كتاب ارشادي إلى جزر الأزوري البرتغالية الشهيرة مثلا، أو شيء من هذا القبيل".
وفي حين أن سقطرى أكبر جزيرة في أرخبيل يمني، الا انها تغطي مساحة تبلغ 3796 كيلومتر مربع فقط.
تقول بوث متحدثة عن جمال سقطرى: "إنها صغيرة جدًا جدًا، ولكن المدهش هو مدى قدرتها على اشباع كل رغباتك خلال فترة قصيرة".
وتضيف "لا توجد طريقة يمكن للمرء أن يصفها بصريًا. كل شيء يفاجئك. لقد وقفنا بالفعل ولهثنا عندما ذهبنا حول الزاوية ورأينا منظرًا معينًا".
فيما تقول برادت، التي كتبت العشرات من الكتيبات الإرشادية: "أنا مفتونة بالطبيعة إلى ما لا نهاية، ومكان مثل سقطرى الذي يعرض الطبيعة بهذه الطريقة الأصلية هو مثير بشكل خاص - ولهذا وجدت نفسي مضطرة للذهاب اليها".
"ومع ذلك، تمتلك سقطرى بنية تحتية سياحية ضعيفة، وبينما يوجد فندقان في الجزيرة، تميل الزيارات هناك إلى التخييم".
وقالت "كان الوصول إليها سابقًا يتم عبر رحلة تجارية أسبوعية من القاهرة، لكن الوصول إلى الجزيرة بات محدود الآن بسبب الوباء".
مشاكل سياسية
في حين أن الجزيرة تجتذب بعض المسافرين المغامرين، إلا أن البر الرئيسي لليمن ظل منطقة محظورة منذ عام 2014، عندما بدأت الحرب الأهلية التي حرضت تحالفًا مدعومًا من السعودية والإمارات العربية المتحدة ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
حتى قبل أشهر قليلة، تمكنت سقطرى من تجنب الوقوع في فخ الحرب المريرة، التي أودت بحياة الآلاف.
ومع ذلك، ورد أن الجزيرة قد استولى عليها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات - الذي يقاتل من أجل الانفصال عن جنوب البر الرئيسي لليمن، في يونيو.
وتواصلت شبكة CNN مع الأمم المتحدة ووزارة الخارجية الإماراتية ووزارة الخارجية للمملكة العربية السعودية والسفارة الأمريكية للجمهورية اليمنية، للتعليق على الوضع الحالي في سقطرى، لكنها لم تتلق أي رد.
تقول بوث: "بالنسبة للأشخاص بالخارج فهم لا يعرفون ذلك جيدًا، من الصعب جدًا عليهم فهم السياسة". مضيفة بالقول "إنها السياسة تتغير باستمرار".
ومثل الكثيرين، تشعر "برادت" و"بوث" بقلق بالغ من أن المشاكل السياسية المتغيرة باستمرار قد تعرض مستقبل الجزيرة للخطر.
وتوضح برادت: "تتحرك دبابات من هم في السلطة من البر الرئيسي فوق مواقع معرضة للخطر".
وقالت "إنهم لا يهتمون كثيرًا بالعالم الطبيعي، وهذا أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو ويجب حمايته".
في حين تم إصدار مشورة اعتبرت اليمن في المستوى 4: الذي يمنع السفر - وهو أعلى مستوى - ضمن استشارات السفر المقدمة من الولايات المتحدة، تأمل "برادت" و "بوث "أن يساعد نشر الدليل في رفع صورة سقطرى وتعزيز السياحة في المستقبل.
وتقول بوث: "يمكن للدليل الموثوق، الذي نعتقد أنه دليلنا، أن يساعد بشكل كبير إنه يمنح المكان مكانة أكثر قليلاً".
واضافت "إنه أمر مربح للطرفين حيث وبمجرد وصول السياح إلى هناك - طالما أنهم من النوع المناسب -، سيبدأ الناس هناك في إدراك أنهم حصلوا على شيء يمثل في الواقع مصدرا مدرا للمال".
وتابعت: "ولذلك سيبدؤون في الاعتناء بالبيئة الطبيعية بشكل أفضل".
تبدوا كلتيهما واثقتان من أن كتابهما سوف يجتذب "النوع المناسب" نظرًا لجمهور الكاتبة برادت المهتم بالسفر والمغامرة، جنبًا إلى جنب مع التغطية التفصيلية المضمنة في "الدليل الكامل المحشو بالمعلومات"، والذي يتيح للزوار المحتملين معرفة ما يمكن توقعه بالضبط في سقطرى.
كما أنهن يشعرن بأن نشر الكتاب سيجعل سقطرى "مرئية دوليًا" أكثر، بحيث "لا يمكن أن تنزلق تحت تأثير التغييرات السياسية الضارة دون أن يلاحظها أحد".
لكنهما تعتقدان بأن عامل الوقت حاسم بسبب الوضع المتغير باستمرار على الأرض، وهذا هو السبب في أن وسيلة جمع تبرعات الجمهور اضحت ضرورية.
تقول برادت وبوث إن هذا هو الدليل الذي تمنيا لو كان متوفر لهما قبل زيارة الجزيرة بأنفسهما.
نقترب من الهدف
وأضافت: "في شهر آذار (مارس)، انخفض دخلنا المالي واضطررنا إلى تعليق جميع خطط النشر لدينا".
وتابعت "لكن عندما رأينا إلى أين كانت [سقطرى] تتجه سياسيًا، لم نرغب في التأخير. ولم نكن نرغب بتوفير نسخة بسعر مخفض من هذا الكتاب، لأن الجزيرة جذابة للغاية، ولم نتمكن من نشره. لكننا أردنا بشدة".
أثناء البحث، تشاورت المؤلفتان المشتركتان مع العديد من الخبراء، بمن فيهم علماء النبات وعلماء الآثار، الذين ساهموا في الدليل.
حددت "بوث" و"برادت" هدفًا للتمويل الجماعي يصل قيمة 10,000 جنيه إسترليني (13,000 دولار)، والذي سيغطي تكاليف طباعة الكتاب وإنتاجه.
وقد ادهشتهما الاستجابة التي تلقتها الحملة منذ إطلاقها في وقت سابق من هذا الشهر، بالإضافة إلى العديد من القصص من المسافرين الذين أذهلتهم سقطرى تماما كما كان حالهم.
تضيف بوث: "كان الناس يقولون" هذا هو الكتاب الذي أريده حقًا، لقد كان ذلك مؤثرا للغاية".
وقد كان التمويل الجماعي أقل بقليل من 1000 جنيه إسترليني (حوالي 1300 دولار) وهو ضئيل للغاية من هدفه، حتى زمن كتابة هذا التقرير.
وبعد عقود من السفر حول العالم، اعترفت "برادت" و "بوث" بأن احتمال قضاء ساعات على متن طائرة لزيارة وجهات بعيدة أصبح أقل جاذبية.
تقول برادت: "لن يتعين علينا السفر إلى أماكن مثل سقطرى حيث يتعين عليك التخييم، لسنوات عديدة أخرى، لذا فهو [الكتاب] مجرد نهاية رائعة لمسيرتي سفر".