ترفض الإمارات، الشريك الأبرز للسعودية في تحالف الحرب على اليمن منذ 2015، إخلاء قواتها العسكرية المتواجدة في منشأة بلحاف الغازية في محافظة شبوة، وتتمسك إلى الآن بتواجدها، بالرغم من خروج معسكرات تابعة لها “قوات النخبة الشبوانية “عقب إندلاع مواجهات مسلحة مع قوات تتبع هادي وحكومته في أغسطس 2019.
وكشفت فعاليات فرنسية (سياسية وحقوقية ضاغطة) على النظام الفرنسي، معلومات مثيرة تؤكد الموقف الفرنسي الداعم للتدخلات الإماراتية في اليمن، ومن بينها هذا التواجد الذي يتمظهر عسكرياً في معقل منشأة غازية ونفطية بقيت في عهدة شركة توتال الفرنسية إلى جانب شركتين أجنبيتين منذ 2009، حتى وصول قوات إماراتية الى المنشأة في نهاية 2017، ضمن خطتها في التواجد أو السيطرة على الموانئ البحرية والجزر المنشآت النفطية والغازية.
وكان وصول القوات الإماراتية مبعث طمأنينة “توتال” كما يبدو، بالنظر الى مغادرة هادئة وبدون تعليقات تذكر من طرف الشركة الفرنسية، وفقا لمراقبين.
وساد إعتقاد بأن الشركة الفرنسية توتال، وقبل أن تغادر “بلحاف” كانت قد هيأت المنشأة لدور إماراتي، أخطر ما فيه تحول المنشأة إلى ثكنة عسكرية، وضمنها سجن سري خطير تمارس فيه قواتها أبشع أنواع التعذيب بحق المناوئين لتواجدها ومشاريعها في إطار شراكتها في الحرب على اليمن مع السعودية.
ويقول ناشطون، “إن أحد أسباب رفض الإمارات مغادرة ميناء بلحاف وجود سجن سري كبير داخلها يتم إخفاء المعارضين لها داخله”.
ونشرت منظمات فرنسية ودولية غير حكومية، تقريراً يتضمن شهادات أشخاص سجنوا في هذا الموقع. ونددت بـمعاملات غير إنسانية ومهينة (حرمان من العلاج وتعذيب) قام بها جنود إماراتيون.
كما أعلنت المنظمة غير الحكومية السويسرية “مجموعة حقوق شمال أفريقيا والشرق الأوسط (Mena Rights Group) أن لديها شهادة شخص سجن في بلحاف، كما أطلقت في يونيو 2020 إجراءً إحتجاجياً بالقرب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
مجلة (أوريان 21) الفرنسية، وفي تحقيق نشرته مؤخراً، وصفت دور باريس “بالمُخجل” تجاه تعذيب الإمارات ليمنيين في ميناء بلحاف في محافظة شبوة. وذكرت أن النائبة (كليمونتين أوتان) عن حزب فرنسا المتمردة أعربت عن صدمتها أمام تحفظ الحكومة الفرنسية، وقد تطرقت للموضوع أكثر من مرة في البرلمان. وقالت “إننا نتحدث عن التعذيب، وهذا أمر خطير للغاية”.
وتقول المجلة إن “من بين شبكة السجون الإماراتية في اليمن، اهتمت منظمة الأمم المتحدة بسجن بلحاف في سبتمبر 2019 “.
وعندما تدخلت الإمارات مع المملكة السعودية في اليمن، اغتنمت الإمارات الفرصة لتطوير إستراتيجيات الموانئ ومحاولة الاستيلاء على موانئ والبنى التحتية في الجنوب، ومن بينها بلحاف.
بحسب باحثون فرنسيون مستقلون. “وقد زاد الطين بلّة ما نشرته الصحفية المصرية ماجي ميكائيل سلسلة من المقالات إبتداء من 2017 تندد فيها بوجود سجون سرية إماراتية في اليمن حيث تمارس أعمال التعذيب”.
وفي يوليو الماضي، كشفت وكالة الأنباء الفرنسية أنه تم فتح قضية في أكتوبر 2019 في باريس ضد ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان حول إمكانية مشاركته في أعمال تعذيب بمراكز الاعتقال. وكانت قدمت الشكوى “باسم ستة يمنيين مروا من هذه السجون”، وفق محاميهما الفرنسيين جوزيف بريهام ولورانس غريغ.
وكشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية، أن الإمارات تدير سجناً في “بلحاف” التي تشرف عليها المجموعة الفرنسية “توتال”، وذلك بناء على شهادات عدة استقتها من منظمات حقوقية دولية ومعتقل سابق وعائلة معتقل آخر.
ويعد ميناء تصدير الغاز في منطقة “بلحاف” في شبوة أكبر مشروع صناعي واستثماري يمني، بدأ إنتاجه في عام 2009، وكان يوفر إيرادات تقارب 4 مليارات دولار سنوياً، نصفها تحصل عليها الحكومة اليمنية ونصفها الآخر يتقاسمه الشركاء الفرنسيون والأمريكيون وغيرهم ضمن الشركة اليمنية للغاز المسال.
وتشغل الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال خط أنبوب يربط بين وحدتي إنتاج ومعالجة الغاز في محافظة مأرب، المستخرج من حقول جنة مديرية عسيلان بمحافظة شبوة، وخط أنابيب رئيسي يقدَّر طوله بنحو 320 كم، وبقُطر يبلغ 38 إنشاً، يربط وحدة معالجة الغاز في حقل أسعد الكامل في القطاع 18 بمأرب بمحطة تسييل الغاز في ميناء بلحاف الساحلي على ساحل خليج عدن.
وفي أغسطس 2005، وقعت الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال عقود بيع طويلة الأجل تمتد لـ 20 سنة قادمة مع 3 من كبريات الشركات العالمية، شملت: شركة “سويس” للغاز الطبيعي المسال، ومؤسسة الغاز الكورية الجنوبية المعروفة بـ”كوغاز”، وكذلك شركة “توتال” للغاز والطاقة المحدودة.
ويعد إستيلاء الإمارات على منشأة بلحاف ومنع اليمن من تصدير الغاز أكبر درجات تحدي الإمارات، بتعبير ناشطون موالون للتحالف. مؤكدين أن “عجز حكومة هادي هو الذي جعل الإمارات تواصل السيطرة على أهم مورد للغاز والنفط في اليمن وأن العجز سيستمر مع استمرار بقاء الحكومة في الرياض”.
وعن إمكانية تحرك حكومة المرتزقة لإخراج القوات الإماراتية من بلحاف يقول الناشطون: “لم تقم الحكومة بذلك وهي في أشد عداوتها بعد قصف قواتها في أبين، فكيف ستقوم بهذا الأمر والإنتقالي الموالي لأبو ظبي سيصبح قريباً شريكاً لها في الحكومة؟”.