�ن جلسة عابرة مع صديق، ألتقط "فائز سالم عفيف"، تفاصيل الفكرة لينجح في أبتكار "آلة رش" لمكافحة الحشرات الضارة، بطريقة سهلة وعملية، صنعها من مواد محلية الصنع..
ينتمي عفيف إلى مدينة تريم بوادي محافظة حضرموت (شرقي اليمن)، المدينة التي تزخر بالعديد من المبتكرين في مجالات عدة، غير أنهم لا يحظون بأي إهتمام أو دعم، مادي أو حتى معنوي، من قبل الجهات المسؤولة..!!
لا يولد المرء مبتكِرا. لذلك من النادر أن تجد مثل أولئك النوابغ الذين يمتلكون قدرات خاصة على الإبتكار، وإذا وجدت فقليلا منهم أولئك الذين يحوزون النجاح. ذلك أنه لكي تكون مبتكرا ناجحا، يجب أن تتمتع أولا بقدرات خاصة استثنائية، غالبا ما تقوم على أساس معرفي راسخ، علمي ومنهجي؛ أو بالممارسة والتجارب العملية التي بدورها تمنحك الإحترافية والنجاح..
وإلى جانب الخيال الخصب (كموهبة، أو ما يُكتسب من الممارسة)، ثمة أشياء أخرى معززة ومساندة؛ كالهواية (حب الإبتكار)، والإرادة والصبر والتضحية.. وبالتأكيد لابد أن يكون المبتكر مؤمنا بذاته؛ من خلال إيمانه القوي بقدراته وإمكانياته، كي يواصل المضي قدما دون أن يثني من عزيمته المثبطون، وما أكثرهم.
لكن، مع كل ما سبق، لا بد أن تكون هناك "حاجة"، فالحاجة- كما يقال- هي "أم الإختراع". ومن الحاجة تتولد الفكرة دائما، والمبتكر الناجح هو الذي يتمكن من سبر تفاصيل الفكرة، وتحويلها إلى آلة- كما فعل "عفيف" الذي تمكن من تحويل تفاصيل جلسة "دردشة على الماشي"- كما يصفها- إلى فكرة لإبتكار آلة صغيرة، تطورت لاحقا إلى آلة أكبر، بحسب مافرضته مقتضيات الحاجة..
الفكرة وأسبابها (الحاجة)
متحدثا عن بدايات الفكرة وطبيعتها، يوضح المبتكر عفيف لـ"يمن شباب نت"، قائلا: "جاءت الفكرة عن طريق أحد الأصدقاء خلال جلسة دردشة ونقاش على الماشي، تحدث فيها عن الوضع العام للبلد مع تفشي جائحة كورونا، في الوقت الذي تنتشر فيها الحشرات بكثرة، ناقلة الأمراض بين الناس، ما يجعلهم بحاجة ماسة لآلة تحد من انتشارها".
إلتقط عفيف الفكرة، وقرر خوض غمارها على الفور، وبعد عدة محاولات استمرت لأكثر من شهر، نجح في ابتكار آلة صغيرة تستخدم لرش الحشرات، مستخدما في ذلك موادا محلية بسيطة ومتوفرة. ثم تطورت الفكرة، لينجح معها من تطوير الآلة الصغيرة ألى آلة أكبر حجما، لتحقيق الغرض منها بفاعلية أكبر.
المكونات.. ومميزات التفوق
تتكون الآلة، بحسب شرح المبتكر: من طرنبة هواء مصنوعة من إطارات السيارات، ودبة تستخدم كوعاء لوضع المبيد الخاص بقتل الحشرات، واسطوانة غاز موصولة بمفتاح خاص لنقل الغاز إلى غرفة الاحتراق لتوليد النار فيها، ومفتاح يقوم بنقل المبيد الحشري إلى غرفة الإحتراق، كما توجد ساعة خاصة لضبط كمية الحرارة وقوة الدفع..
ويؤكد عفيف لـ"يمن شباب نت"، أن هذه الآلة المحلية التي قام بإبتكارها تتفوق بشكل كبير في مجمل خدماتها على شبيهتها الخارجية، لافتا إلى أن "هذه الآلة استخدمت في صناعتها مواد محلية، تمتاز بالقوة والصلابة، أكثر من الآلة الخارجية".
وضمن سياق هذه المقارنة، يتابع: أضف إلى ذلك أن الآلة المحلية تتفوق في عملية الضخ المبيد، عن نظيرتها الخارجية، بميزتين هامتين، الأولى: أنها تستمر في الضخ لأكثر من 12 ساعة دون توقف، والثانية أنه تضخ كمية كبيرة، بعكس الآلة الخارجية التي لا تستمر في الضخ سوى لمدة 20 دقيقة فقط، وبعد ذلك يجب إغلاقها وفصلها، لأن حرارتها تزيد بسرعة.
أما الأمر الأكثر أهمية، هو أن الآلة المحلية- مع كل الميزات السابقة- تكلفة صناعتها المالية قليلة جداً، مقارنة بالمكينة أو الآلة الخارجية، التي تقدر قيمتها بحوالي "نصف مليون ريال" تقريباً..!!
ضد الإحتكار.. من أجل الناس
من المعروف أن آلة رش الحشرات تستخدم على نطاق واسع في المدن والأرياف، خصوصاً مع غزارة تساقط الأمطار التي تخلف الكثير من المستنقعات حيث تنتشر الحشرات، لاسيما البعوض الناقل للأمراض، وقد ازدادت هذه الأهمية مؤخرا مع تفشي جائحة فيروس كورونا، الأمر الذي يقول عفيف أنه وجد نفسه معنيا لابتكار هذه الآلة كأمر واقع فرض نفسه عليه لمساعدة الناس وإنقاذهم.
وهنا، يؤكد عفيف لـ"يمن شباب نت"، أنه بمجرد انتشار مقطع عرض هذا الإبتكار في وسائل التواصل الاجتماعي، انهالت عليه الاتصالات من عدة محافظات، بما في ذلك عدد من الشركات الخاصة، بغرض احتكار صناعة هذا المنتج لصالحها، لتصنيعه بكميات كبيرة وإنزاله إلى السوق، لكنه- كما يقول- رفض هذه الفكرة جملة وتفصيلاً، نظراً لحاجة الناس الماسة إليه، خصوصا في ظل التفشي الكبير لجائحة كورونا.
"مخ نظيف" من نسل عريق
ويصف صبري هادي عفيف، ابن عمه المبتكر فائز عفيف، بأنه "يمتلك مخا نظيفا"، في إشارة إلى ذكائه..
ولتعزيز هذا الوصف، يوضح صبري- ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"- أن فائز هو "أحد أحفاد المعماري المعلم عوض سليمان عفيف، المهندس الشهير الذي صمم وبنى منارة المحضار الشهيرة، المبنية من الطين، والتي يبلغ طولها 150 متراً".
وأردف: "لطالما وجد فائز تشجيعا متواصلا من الأسرة، للدفع به قدما، في مواصلة السير في ابتكاراته التي بدأها منذ الصغر، وهو يحاول دائماً أن يأتي بكل ما هو مفيد للمجتمع"، مضيفا: "لذلك وجدنا أنه، من خلال هذا الإبتكار الأخير، أنه يسعى لتقديم خدمه جليلة للمجتمع.."
تريم.. "الصين الصغيرة"
ولا يقتصر حديث صبري عفيف عن ابن عمه المبتكر، بل يتعداه للحديث بشكل أشمل عن ما تمتاز به مدينة "تريم"، التي يصفها بـ"الصين" الصغيرة"، بالنظر إلى ما تزخر به من مبتكرين كثُر، كما يقول.
ولفت إلى أن تريم بشكل خاص، وحضرموت بشكل عام، تمتلكان الكثير من الخبرات والصناعات والابتكارات في مجالات عدة، لكنه أعرب عن أسفه من عدم اكتراث السلطة المحلية بالمحافظة بمثل هذه الكفاءات..
واستغل صبري عفيف هذه الفرصة لدعوة السلطة المحلية والحكومة- عبر "يمن شباب نت"- إلى تحمل هذه المسئولية العظيمة من خلال تقديم الدعم لمثل هؤلاء المبتكرين، والعمل على تشجيعهم الدائم حتى يواصلوا المسيرة في هذه الابتكارات التي تخدم المجتمع.