بقلم / محمد مصطفى العمراني
اليوم ونحن نرى هذه المساعي الإماراتية للسيطرة على أرخبيل سقطرى اليمني بالقوة العسكرية والانقلاب على السلطة الشرعية فيه وتحويله لقاعدة عسكرية إماراتية إسرائيلية ومركزا للتجسس على المنطقة نتذكر الدور العماني المشرق والحضاري في سقطرى وغيرها ولعل من يقرأ وصايا الإمام الصلت ابن مالك الخروصي حين جهز الحملة العسكرية العمانية المنطلقة لنجدة أبناء سقطرى حيث أوصاهم بوصية شهيرة ضمنها أكثر من 35 آية والكثير من الأحاديث النبوية والمسائل الفقهية وأخلاقيات الحرب حيث تعد من وجهة نظري أول ميثاق إسلامي مكتوب في أخلاقيات الحروب بل وتتفوق على كثيرا من مواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان في الحرب بكثير من المراحل وهي تجسد الحكمة العمانية المستمدة من قيم الإسلام الجنيف ومن الرسالة الحضارية لسلطنة عمان في محيطها الاقليمي والدولي يقول في جزء من هذه الوصية : ( .. ولا تعرضوا لأحد ممن جاءكم تائبا مستأمنا مستسلما بسفك دمه، ولا تنتهكوا حرمته ولا تسبو ذريته ، ولا تغنموا أمواله ، وليكونوا مثلكم آمنين، ومن صار منهم إلى أمانكم وعهدكم فليكونوا في أسركم آمنين، وأحسنوا إليهم في طعامهم وشرابهم وامنعوهم ممن أراد ظلمهم حتى توصلوهم إلينا".
لقد كانت قيادة عمان تسارع للنجدة وتقدم الحماية والعون والمساعدة وفي ظل الحماية العمانية كانت سقطرى تنعم بالأمن والاستقرار لقرون دون أن يكون لقيادة عمان أطماع في سقطرى ولا في غيرها ولكن دور العمانيين كان مختلفا عن الآخرين حيث كانت رسالة السلطنة رسالة حضارية مشرقة تنشد الخير والسلام للعالم عموما ولمحيطها وجيرانها خصوصا .
ولم يتوقف الدور العماني الايجابي في سقطرى وغيرها بل لقد كانت السلطنة سباقة لتقديم العون والمساعدة عند كل كارثة تحدث والدعم والحماية والنجدة عند اي غزو أو احتلال وتقديم المشورة والنصح في اي ظرف يستدعي الرأي والمشورة والوساطة وهو ما يعكس رسالة سلطنة عمان الحضارية ودورها الريادي في العالم ولعل قصة الإمام طالب الحق عبد الله بن يحي الكندي الذي سيطر على مدينة صنعاء واليمن عموما في العام 128 هجرية وأقام فيها العدل وانهى الظلم وفتح الخزائن ووزعها على الفقراء دون أن يأخذ منها شيئا له أو لقومه لخير دليل على الرسالة الحضارية لأبناء عمان وتجردهم للحق منذ قديم الزمان وقد سطر لنا قلم العلامة نور الدين السالمي عبدالله بن حميد السالمي المؤرخ والفقيه صاحب كتاب " تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان " ولديه منظومة شعرية جميلة تحت عنوان كشف الحقيقية لمن جهل الطريقة فالسالمي سطر أروع الأبيات قي وصف عدالة الإمام طالب الحق في صنعاء ، يقول الإمام السالمي :
وطالب الحق في صنعاء حكما
بجعلها في أهلها واحتشما
لم يأخذن عند مضيق يومه
شيئا له ولا لقومه ..
تعففا منهم ومن كمثلهم
أكرم بهم من عصبة اكرم بهم
كانوا يموتون على ما ابصروا
من الهدى ما غيروا أو بدلوا ..
ان علاقات وروابط سلطنة عمان بأبناء سقطرى والمهرة وحضرموت واليمن عموما علاقات وروابط كبيرة ترسخت على مدى قرون طويلة وقامت على أسس صلبة من حسن الجوار والتعاون والتعاضد وأواصر القربى وظلت قيادة سلطنة عمان وكافة أبناءها هم السند والملاذ لإخوانهم في مناطق الجوار .
واقع اليوم اليمن عموما وسقطرى خصوصا بحاجة إلى رسالة السلام العمانية تأتيها كنجدة عمانية جديدة ، بحاجة إلى مبادرة عمانية لإنقاذ سقطرى قبل أن تتحول لقاعدة عسكرية واستخباراتية إماراتية إسرائيلية تشكل اختراقا خطيرا للأمن القومي العربي وبحاجة إلى مبادرة عمانية تجمع كل الأطراف اليمنية على طاولة سلام عادل ومصالحة شاملة وهذا الأمر هو مطلب الملايين من اليمنيين يضعونه بين يدي جلالة سلطان عمان السلطان هيثم بن طارق آل تيمور الذي ينظرون له بكل حب واحترام وبكل إعجاب وتقدير ويتمنون منه أن يفعل شيئا لأجلهم واثقين كل الثقة أن حفيد الإمام سعيد بن سلطان البوسعيدي يسير على نهج أجداده العظام ولن يخذلهم .
فهل سيعيد التاريخ نفسه بالتدخل السلمي وتفعيل منهج الحنكة السياسية العمانية والدبلوماسية المؤثرة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم لحلحة الأزمة الراهنة وقد تعهد بأن يسير على المنهج القويم الذي سلكه السلطان قابوس طيب الله ثراه الذي كان نبراسا للسلام والاستقرار في ربوع المعمورة ؟
نتمنى ذلك .