هل سيكون معين عبدالملك بديل الرئيس؟!
لم يتغير توصيف رئيس الحكومة "الجديد القديم" معين عبدالملك للمرحلة، كما تتغير كثيراً وعوده التي أطلقها منذ أكثر من عامين، والتي أوجزها بأن مهمته إصلاح الأوضاع الاقتصادية على أن لا علاقة له بالملف السياسي ولا العسكري في بلد هي ساحة حرب، ودولة تواجه إنقلاباً مسلحاً لمليشيات عنصرية مدعومة من دولة إقليمية لها أطماع في اليمن، قبل أن تنضم إليها دولة في التحالف العربي هي أكثر طمعاً في اليمن.
بالأمس ظهر معين عبدالملك في حوار بعد أيام من إعلان الحكومة الجديدة، ليصف المرحلة بأنها بالغة التعقيد وليكرر المكرر في حديث ممل يتحدث عن المصلحة الوطنية التي لم يلمس المواطن اليمني أن رئيس حكومته لديه أدنى اهتمام بالمصلحة الوطنية بقدر حرصه على مصلحته الخاصة وانسياقه خلف أجندة دول أخرى.
واللافت في الأمر ان الحوار كان مشترك بين قناتي اليمن وعدن الفضائتين الرسميتين في تقليد يشبه ما كان يعمله الرئيس السابق علي عبدالله صالح، إنها الزعامة المتخيلة الكامنة في قلب معين والتي يتحين الفرصة لإطلاق سراحها، واليوم يطل من شاشة قناة العربية، وغدا سيكون في قناة الغد المشرق، ومن الان وصاعدا سيحاول معين ان يظل حاضرا في جميع الشاشات وبطلب شخصي منه.
تحدث معين عن حكومة الوحدة الوطنية وكررها كثيرا على اعتبار ان هذه الحكومة جاءت نتيجة نقاش طويل ومستفيض افضى الى توافق وطني واستمدت شرعيتها من هذا النقاش ولم تأت نتيجة لرغبة رئيس الجمهورية وحده وفق ما جرت به العادة منذ 2014م.
يريد معين عبدالملك القول بأن هذه الحكومة تحظى بمشروعية لا تضاهيها مشروعية الحكومات السابقة بما فيها حكومة باسندوة التي جاءت بموجب المبادرة الخليجية والتي كانت تتقاسم الصلاحيات مع رئيس الجمهورية.
وكما هي العادة فقد اسهب معين عبدالملك في الحديث عن جهود تفعيل مؤسسات الدولة، التي أضاعها عمداً منذ تسلمه لمنصبه في أكتوبر 2018، كما لوحظ أن حديثه خلى من أي إشارة للسيادة الوطنية وسيادة القرار المسلوب وموقفه من التشكيلات المليشاوية المدعومة من أبو ظبي والتي يبدو أنها مصرة على استمرارها بغرض فرض رغباتها على حكومة معين التي هي بلا رغبة أساساً في أن يكون قرارها الوطني مستقلاً، في وقت لا تزال سقطرى التي لم يصلها انقلاب الحوثي أصلا، خارج سيطرة الدولة وحكومة معين وحتى أهلها الذين يكتوون بجحيم مليشيات مناطقية تحمل سلاح الامارات وتسيطر على المؤسسات.
ولم يغفل معين أن يكرر اسطوانة توحيد الصفوف لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة، دون أن يوضح سبل وإجراءات توحيد الصفوف وما هي الصفوف التي يقصدها، غير أنه يبدو راضياً بانقلاب مليشيا الامارات في الجنوب، ومضطراً "من باب أنه رئيس حكومة الشرعية" للحديث عن انقلاب مليشيات إيران في الشمال التي توسعت في الأرض خلال عامي معين، فيما منتسبي الجيش والأمن دون رواتب لأشهر طويلة، وهاهو يخرج مبشراً بأن حكومته ستهتم يصرف الرواتب، وكأن الحكومة المنتهية كانت حكومة موزمبيق.
أعاد رئيس الحكومة في الحوار التلفزيوني على القناتين الرسميتين الحديث عن أن التحديات كبيرة، والوضع الاقتصادي صعب، والتضخم كبير، ومعاناة الناس وتدهور الخدمات والكهرباء والمرافق، وهو تكرار سخيف لما طرحه قبل أكثر من عامين، وهو ما يطرح وبقوة تساؤل على نحو: فماذا كان يفعل معين طوال الفترة الماضية في هذا الملف الذي تفرغ له، وترك عدن وأبين وسقطرى تواجه مليشيات متمردة تدعمه الامارات وترك الجيش الوطني بلا رواتب يواجه زحف مليشيا الحوثي.
ثم راح معين يتحدث عما وصفه الانقسام الذي رافق المؤسسات الأمنية والعسكرية، وهو يتحدث بخجل عن المليشيات المسلحة وفرق الاغتيالات التي أزهت أرواح أبناء عدن ومحافظات جنوبية أخرى، وهو ما اعتبره مراقبون استغفال لليمنيين ونخبهم، في الوقت التي ترفض هذه المليشيات الاندماج في قوات الجيش والأمن.
أما حديثه عن الملف الاقتصادي فإنه لم يتغير بعد أكثر من عامين، رغم أن الوضع الاقتصادي والمعيشي بات أكثر سوءاً مما كان عليه قبل تولي معين للحكومة السابقة، وهو الذي لم تعد حكومته أي موازنة لعامين متتالين، في وقت طغت فيها المحسوبية وتفشى الفساد على نحو غير مسبوق، وكانت سوء الإدارة علامة بارزة لعامي معين، الذي تخلى عن ملف السيادة والحفاظ على الأرض، وانشغل عن معركة تحرير اليمن من سطوة مليشيات ايران بتثبيت انقلاب الانتقالي، وأصبح معروفاً لدى عامة اليمنيين بأنه شخص بلا موقف وطني.
الأمر الذي يعرفه الجميع أن معين عبدالملك يجيد المراوغة ويظن أنه بأحاديثه المنمقة وعباراته المطاطة يستطيع التغطية على خيباته، والتي ليس أكثرها كارثية التدهور المريع للعملة الوطنية فيما ظل في موقف المتفرج، وانشغل عن ذلك بتكوين خلايا إعلامية لتلميع صورته بالعملة الصعبة، والموقف القوي الوحيد الذي أظهره هو رفضه القاطع لدخول شخصيات ذات موقف وطني في الحكومة الجديدة حتى لا تفسد عليه الطبخة وتظهره على حقيقته التي بدت لكل اليمنيين، وبامكانه فقط عمل جولة في وسائل التواصل الاجتماعي ليعرف صورته لدى عامة الشعب وخاصته، ولولا أنه مفروض من قبل المسيطرين على القرار اليمني، لما استمر في منصب هو أكبر منه بكثير.
أما العبارات المائعة التي أطلقها معين عبدالملك تكشف صورة الوضع مستقبلاً، فهو لن يختلف عن سنتين مضت إن لم يكن أسوأ، وإلا لماذا لم يتحدث عن كيف يمكن أن يعود إلى عدن فيما بندقية الانتقالي والامارات فوق رؤوس أعضاء الحكومة، ويوضح كيف يستطيع توحيد القرار السياسي رغم دعم الأحزاب له، وكيف ستعود سقطرى إلى السيادة اليمنية.
فهل سيطوي معين عبدالملك صفحة الرئيس هادي؟ وهل سيكون البديل المناسب في نظر السعودية والاقليم؟ وهل سينجح في مهمته في تقويض الشرعية وتصفيتها.