لا توجد مناجم ذهب تحت رمال دبي ولا عمال مناجم وأطفال يكدحون في محاولة للظفر بالمعدن النفيس، لكن هناك سوق دبي للذهب، ومصافي تنافس أكبر المعاملات التجارية عالميا فيما تحاول الإمارات تدعيم مكانتها كمركز رئيسي لتجارة المعدن الأصفر في العالم.
بهذه العبارات استهل موقع "ميدل إيست آي" (Middle East Eye) البريطاني تقريرا مطولا عن تجارة الذهب في الإمارات، مشيرا إلى أن أبو ظبي باتت الآن مطالبة "بتنظيف" سجل معاملاتها بعد تقارير عديدة أكدت تورطها في صفقات قذرة لتجارة الذهب.
وفي السنوات الأخيرة، رسّخت الإمارات -ودبي على وجه الخصوص- مكانتها كواحدة من أكبر وأسرع أسواق المعدن النفيس نموا، حيث ارتفعت وارداتها بنسبة 58% سنويا إلى أكثر من 27 مليار دولار عام 2018، وفقا لبيانات جمعها "مرصد التعقيد الاقتصادي" (Observatory for Economic Complexity) المختص في التجارة الدولية.
ومع عدم وجود ذهب محلي للاستفادة منه -على عكس السعودية المجاورة مثلا- تقوم الإمارات -بحسب الموقع- باستيراد الذهب من أي مكان تستطيع، سواء كان ذلك بشكل مشروع أو من خلال التهريب من مناطق النزاع دون طرح أي أسئلة تذكر، أو عبر شبكات الجريمة المنظمة.
فقد أصبح الذهب مهما للغاية لاقتصاد دبي لدرجة أنه يعتبر عنصر التجارة الخارجية الأعلى قيمة في الإمارة، بعد تجارة الهواتف الذكية والمجوهرات والمنتجات البترولية والماس، وفقا لإحصاءات رسمية لإدارة الجمارك في الإمارة.
ويأتي في مقدمة صادرات الدولة بعد النفط، حيث بلغت قيمة صادراته في عام 2019 مثلا 17.7 مليار دولار، وزادت أهميته في ظل تراجع احتياطيات دبي النفطية ومحاولة الإمارات تنويع مصادر اقتصادها.
يرى الموقع البريطاني أنه للحفاظ على هذه التجارة المربحة، تجد الإمارات نفسها مرغمة على مراقبة القطاع بشكل أفضل، خاصة بعد أن أثارت مجموعة من التقارير تورطها في معاملات قذرة، وبعد أن وجهت لها مجموعة العمل المالي لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب "فاتف" (FATF) سهام الانتقاد بسبب "الرقابة غير الكافية" على القطاع في تقرير لها نشر في أبريل/نيسان الماضي.
وذكر تقرير صادر عن وزارتي الداخلية والخزانة في المملكة المتحدة مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري أن الإمارات "منطقة اختصاص قضائي معرضة لغسيل الأموال من قبل الشبكات الإجرامية بسبب السهولة التي يمكن بها نقل الذهب والأموال إلى داخل البلاد".
كما أصدرت منظمة "ذا سنتري" (The Sentry) غير الحكومية -المختصة في تتبع الأموال القذرة المرتبطة بمجرمي الحرب في أفريقيا- في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تقريرا عن "صراع الذهب" في دبي، خلص إلى أن 95% من الذهب المُصدَّر رسميا من وسط وشرق أفريقيا، ومعظمه مستخرج من السودان وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية، ينتهي به المطاف في الإمارة.
وقالت ساشا ليزنيف، نائبة مدير السياسات في المنظمة، إن "الكثير من الذهب بمناطق النزاع يتم تهريبه للدول المجاورة ثم يصدر منها إلى دبي.. إنه نوع من الماس الدموي، هناك اندفاع لاستخراج الذهب في أماكن عدة، وهذا يعني مزيدا من الأطفال في المناجم ومزيدا من الفساد وتورط الجماعات الإجرامية.. الذهب صغير جدا وقيّم، لذلك يسهل تهريبه".
سياسة عدم التدخل
على صعيد آخر، يؤكد الموقع البريطاني أن "ذهب الدم" كما يمكن تسميته لا يتدفق على دبي فقط من دول القارة السمراء، حيث تحولت الإمارة إلى مركز رئيسي للذهب القادم من وجهات عدة بسبب سياسة "عدم التدخل" الرسمية.
ويرى ديفيد سود، رئيس قسم البحث والتحليل في مركز "أي آر كونسيليوم" للاستشارات (I.R. Consilium) في واشنطن، أن "الذهب يأتي أيضا من أميركا الجنوبية، وقد أضحت دبي المركز بشكل متزايد، فبمجرد دخول الذهب إلى الإمارة، يصبح من المستحيل تقريبا تحديد مصدره وتحت أي ظروف وصل إلى هناك".
واردات دبي من الذهب ارتفعت بنسبة 58% سنويا، ووصلت إلى أكثر من 27 مليار دولار عام 2018 (رويترز)
في عام 2016، ذكرت وكالة رويترز أن الإمارات أعلنت عن واردات من الذهب من 25 دولة أفريقية بقيمة 7.4 مليارات دولار، لكن هذه الدول لم يعلن أي منها عن صادرات موجهة لأبو ظبي، كما أعلنت الدولة الخليجية عن 3.9 مليارات دولار من الذهب الزائد على قيمة ما أعلنت عنه 21 دولة أخرى من صادرات من المعدن النفيس.
نفعية سياسية
يرى "ميدل إيست آي" أن "النفعية السياسية" قد تكون هي ما مكّن دبي -و"مجموعة كالوتي العالمية للمجوهرات" (Kaloti Jewellery International Group) الإماراتية- من الإفلات من الرقابة على الرغم من مزاعم غسيل الأموال، حيث كشف تسريب ملفات من شبكة مكافحة الجرائم المالية (FinCEN) التابع لوزارة الخزانة الأميركية أن هذه المجموعة صنفت كشركة مشبوهة من قبل البنوك الأميركية، بسبب تعاملات بنكية مريبة بلغت قيمتها 9.3 مليارات دولار بين عامي 2007 و2015.
وفي وقت سابق من هذا العام، ذكر الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أن تحقيقا استمر 3 سنوات أجرته إدارة مكافحة المخدرات الأميركية بشأن مجموعة كالوتي تم إسقاطه بسبب الضغط السياسي لعدم المسّ بالعلاقات الأميركية الإماراتية.
ويقول لاكشمي كومار، مدير السياسات في "مركز النزاهة المالية العالمية" (GFI) بواشنطن، إن "الكثير من الدول يتم وضعها على قوائم سوداء أو رمادية من قبل مجموعة العمل المالي (لعدم كفاية ضوابط مكافحة غسيل الأموال)، لكن أفعال الإمارات العربية المتحدة تتسم بالقدر نفسه أو ربما أكثر من مخاطر غسيل الأموال، ولم يتم حتى الآن إدراجها في أيٍّ من هذه اللوائح".
ويختم الموقع بالتأكيد على أن لدى واشنطن حافزا واضحا لحماية الإمارات، لأنها حليف عسكري مهم في المنطقة وفي مجال "مكافحة تمويل الإرهاب"، مشيرا إلى أن اتفاق تطبيع العلاقات الموقع مؤخرا بين أبو ظبي وتل أبيب سيجعل من غير المحتمل يوما ما رؤية الإمارات على أي قائمة سوداء أميركية، لأن ذلك سيتعارض مع أولويات سياسة واشنطن الخارجية.