طرحت صحيفة “التايمز” البريطانية تساؤلا عن السبب الذي دعا السعودية لحل الخلاف مع دولة قطر. وقال مراسلها في الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر، إن الانتخابات الأمريكية تبدو بعيدة عن الخليج، لكن دول الخليج وقادة المنطقة يحاولون تغيير حساباتهم في ظل تغير الإدارة الأمريكية وتعامل إدارة جوزيف بايدن المقبلة بطريقة قد تحرف ميزان القوة. وقال إن العلاقات الشخصية بين قادة الخليج عادة ما تكون مرتبطة بالرؤى الغريبة في عيون المشاهدين الغربيين.
ولكن عندما عانق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بعباءته السوداء الفضفاضة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي كان يرتدي عباءة بنية مذهبة هذا الأسبوع، لم يكن الناخبون الأمريكيون يعرفون قربهما ودورهما في تحقيق المصالحة. فالاستقبال في المطار والذي كان رمزيا ورسالة إلى مواطني البلدين بأن الخلاف المرّ الذي استمر ثلاثة أعوام ونصف قد انتهى. وقال سبنسر إن الجدل حول دور الإخوان المسلمين وضبط قناة تلفزيونية حكومية والعلاقة مع إيران كان مثيرا لدهشة الدبلوماسيين والسياسيين الأمريكيين، علاوة على الأمريكيين العاديين.
وجاء الاتفاق لإنهاء الخلاف بعدما فرضت السعودية وحليفاتها، الإمارات والبحرين ومصر حصارا بريا وبحريا وجويا على قطر. ويمكن الآن استئناف التجارة والعلاقات الدبلوماسية. وستحاول الدول مرة أخرى توثيق الصلات لمواجهة التحديات الإقليمية، مثل مواجهة إيران وحل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.
غير أن توقيت الاتفاق الذي جاء قبل أسابيع من تغيير الإدارة في واشنطن لم يكن مصادفة. ومن الواضح مرة أخرى أن الانتخابات الأمريكية غيّرت الأحداث في الشرق الأوسط. وأشارت الصحيفة إلى تصريحات وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، الذي قال إن الأطراف تريد تنفيذ الاتفاق “بسرعة وليس ببطء” معترفا أن التفاصيل سيتم الاتفاق عليها لاحقا. وقال إن الهدف هو قيام دول مجلس التعاون الخليجي الذي يضم الكويت وعمان بإعادة اكتشاف صوتها من جديد الذي اختفى بصعود ولي العهد السعودي.
وقال: “كان مجلس التعاون الخليجي واحدا من أهم الكتل الإقليمية العربية، ولهذا أتوقع على الجبهة الدبلوماسية أن تعود إليه حيويته”. ومع ذلك فقلّة تشك في أن السرعة في المصالحة أملتها الانتخابات الأمريكية التي أدت لنهاية حقبة دونالد ترامب. ففي السنوات الماضية أثبت ترامب أنه الحليف الأقوى والأقرب لمحمد بن سلمان على الساحة الدولية. وعندما بدأ الحصار في أيار/ مايو 2017، بدا ترامب داعما له إلى جانب مواقف بن سلمان المعادية لإيران وحربه في اليمن.
ولكن جوزيف بايدن هو سياسي مختلف ومتناغم أكثر مع المؤسسة السياسية الخارجية الأمريكية التقليدية، والتي طالما عبّرت عن كراهيتها لدول الخليج. وقال أندرياس كريغ، الأستاذ في كينغز كوليج في لندن، ومؤلف كتاب “خليج منقسم: تشريح للأزمة”: “أهم محفز لكل الأزمة هي واشنطن، أولا من خلال دعم إدارة ترامب للتحرك ضد قطر، ومن ثم وضعها الضغوط العام الماضي لحلها”.
ولم يتحدث لا الرئيس ترامب أو محمد بن سلمان بتفصيل حول الطريقة التي ينظران فيها لبعضهما البعض، ولكن من الواضح أنه منذ بداية إدارة ترامب كان هناك تقارب في المصالح بينهما. وعبّر كلاهما عن رغبة بتحويل بلديهما اعتمادا على النزعات الشخصية.
وربما كان هناك فرق بين السعودية والولايات المتحدة، إلا أنهما اعتمدا على النزعات الشعبوبية المدعومة بالمواقف العدوانية ضد النقاد المحليين. وتم إقناع ترامب، إما من خلال الأمير شخصيا أو وسطاء مثل محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، أن السعودية يمكنها تقديم مخرج له من “مشكلة المسلمين”.
ووعد ترامب بالتصدي للمسلمين في حملته الانتخابية، لكن وعوده تصادمت مع الواقع، وهي أن هناك الكثير من المسلمين والأماكن الغنية التي لا تقيم علاقة قوية مع الولايات المتحدة ولكن مع حزبه الجمهوري. ووعد الأمير بـ”إصلاح الإسلام” ومواجهة جماعات بعينها مثل الإخوان المسلمين التي تدعمها بقوة قطر، مما سمح لترامب بالخروج من المشكلة من خلال معاداة “النوع السيئ من المسلمين”، وعلى أي حال، قدر ترامب أن السعودية أهم من قطر.
والمشكلة في هذا التفكير هي أن المقاطعة لم تنجح لا للسعودية أو الإمارات ولا أمريكا. فالضرر الذي يمكن لدول الخليج التسبب لبعضها البعض محدود باستثناء الحرب. فمن الناحية الاقتصادية تصدر النفط والغاز الطبيعي للعالم وتستورد ما تريد من الغرب والصين ولا يوجد هناك تبادل تجاري إلا في المستويات المحدودة.
ولو كان هناك خاسر أكبر فهي منطقة جبل علي في دبي التي كانت نقطة الوصول للبضائع التي تستوردها قطر من الخارج والتي كانت تنقل بالبر عبر السعودية. وأدت الأزمة للتعجيل في إكمال ميناء حمد الجديد.
وفي الوقت نفسه، لاحظ الدبلوماسيون الأمريكيون أن منع الطيران القطري من التحليق فوق أجواء دول الحصار عنى أن على الطائرات القطرية التحليق فوق إيران لكي تحط في مطار الدوحة. ولم تكن هذه هي النتيجة المرغوبة للسياسة الأمريكية، وهي إجبار قطر على اتخاذ موقف متشدد من إيران التي تعتبر عدوا للسعودية والولايات المتحدة.
واكتشف ولي العهد السعودي مبكرا أن لا منفعة من استمرار عزل قطر. وقال المسؤولون في المنطقة إن النقطة الرئيسية التي تم إنجازها من هذا الحصار، هي أن السعودية والإمارات “سجلتا موقفهما” مما تعترضان عليه في السياسة القطرية.
وقال مصدر خليجي إن “السبب وراء المقاطعة التي أعلنت في 2017 هو شعور الدول الأربع أنها استنفدت كل الخيارات الدبلوماسية، وأن هناك حاجة لفعل متشدد لدفع قطر على تغيير سلوكها”. و”هذا الشعور هو الرسالة الضرورية التي أُرسلت وتم الإستماع إليها”.
لكن تغير الإدارة الأمريكية ووعود بايدن بالأخذ على يد السعودية ومحاسبتها على عدد من الآثام، من مقتل جمال خاشقجي وحرب اليمن وقمع الناشطين، فرفع الحصار الآن أفضل من رفعه بعد دخول بايدن إلى البيت الأبيض حيث ستظهر السعودية بمظهر من تراجع تحت الضغط.
وبتصرفه هذا وترامب لا يزال في البيت الأبيض، فقد سمح محمد بن سلمان لجاريد كوشنر، أن ينسب بعض الفضل لنفسه في حل الأزمة وتقديم هدية وداع تقديرا للصداقة بينهما، مع رسالة أخرى إلى أن الإدارة المقبلة أنه لاعب يعتمد عليه بالمنطقة.
ويعتقد كريغ: ” تأتي إدارة بايدن بموقف أكثر عداء للسعودية، ويبحث محمد بن سلمان بيأس عن طرق لإظهار أنه لاعب بناء في المنطقة. فالأزمة الخليجية هي الثمرة الناضجة لولي العهد، خاصة أن حل أزمة اليمن والتطبيع مع إسرائيل صعب التحقق في الوقت الحالي”.