الرئيسية - تقارير - كيف نجعل اليمن أكثر جمالاً، كيف يريد محافظ شبوة أن يعيد بناء بلدهم المنكوب بفعل الحرب تقرير للكاتبة الصحفية الالمانية ليا فيرهسا.

كيف نجعل اليمن أكثر جمالاً، كيف يريد محافظ شبوة أن يعيد بناء بلدهم المنكوب بفعل الحرب تقرير للكاتبة الصحفية الالمانية ليا فيرهسا.

الساعة 07:45 مساءً (هنا عدن - متابعات )

كيف نجعل اليمن أكثر جمالاً، كيف يريد محافظ شبوة أن يعيد بناء بلدهم المنكوب بفعل الحرب تقرير  للكاتبة الصحفية الالمانية ليا فيرهسا.
صداءمرخه

لقد حل الظلام في مدينة عتق منذ فترة طويلة، في داخل قاعة مركز عتق الثقافي، وعلى خشبة المسرح هناك، يقترب رجلان من خلف امرأة من الخلف ويلقيان بقطعة خضراء من القماش السميك على رأسها، المرأة لا تدافع عن نفسها، ولا تصرخ، فقط تخفض رأسها في صمت. بعدها يختفي الرجلان . هذا المشهد يفترض أن يرمز الى السلام والايام الجميلة الماضية. والتي يجب أن نتحدث عنها وعن دلالاتها.



اما الان وعلى بعد شوارع قليلة من ذلك المركز الثقافي، ومن مقر إقامة محافظ محافظة شبوة  جنوب اليمن، يتحرك الجنود والسكرتارية بسرعه في الممرات، كما يجلس اقوى رجال المحافظة في الديوان، في غرفة الاستقبال، يتحدث السيد المحافظ محمد صالح بن عديو، مع قيادات الجيش ، وممثل شركة النفط، وبقية القيادات العسكرية والامنية، يمضغون القات، تلك المخدرات اليومية في اليمن، وعلى احزمتهم يوجد الخنجر اليمني المنحني المعتاد، رمز القتال والشرف. يتحدث قائلاً" نحن هنا لا نريد أبطالاً جدد، بل نريد دولة مرة أخرى".

يتحدث السيد المحافظ الى الضيوف الاجانب في الغرفة، وعددهم 12 صحفياً اجنبياً، بمن فيهم مراسل صحيفة The Zeit ، لقد دعا المحافظ بن عديو الصحافة الاجنبية والعالمية أن يظهرون ما يرون امامهم في محافظة شبوة، 

قام مركز صنعاء للدراسات ، بترتيب هذه الزيارة بالتعاون مع رجالات محافظ شبوة ، من حيث التنسيق مع فرقاء الحرب في اليمن ، من اجل ترتيب الدخول والحماية الامنية، يقول السيد المحافظ" ان تواجدكم هنا كصحفيين عالميين هو جزء من نجاحنا" ، فطالما وجد الضيوف الاجانب هنا، فأن هناك شبة دولة موجودة على اقل تقدير هنا".

يحل الشتاء في اليمن هذه المرة، وتدخل الحرب في اليمن السنة السابعة، مخلفة ما يقارب 120 الف قتيل، في نهاية عام 2020 ، ومسببة كذلك نسبة مخيفة من الفقر والمجاعة، حيث انه من بين كل خمسة يمنيين ، فان هناك أربعة منهم يعتمدون على الدعم والمساعدات الانسانية.  بينما لا يلوح أي سلام قريب في الافق.

في محافظة بن عديو (شبوة) ، في جنوب البلاد، يوجد هناك سلام هش لما يقارب العام تقريباً، ولكن في تلك الفترة القصيرة تمكن محافظ محافظة شبوة من أن يكتب اسمه وبقوة في التاريخ الشبواني وعلى جميع الاصعدة، في تلك المحافظة قليلة السكان وذات المناخ الصحراوي.

في عهد أبن عديو  بٌنيت الطرق الاسفلتية الجديدة، وشيدت المدارس، كما يتم كذلك بناء منتجع جديد على السواحل في بئر علي يسمى "دولفين", يتحدث محمد بن عديو، ذلك الرجل النحيف والهادئ، بكل فخر " لقد صنعنا من شبوة نموذجاً للبلد بأكمله، نموذج اليمن الصغير لدينا هنا".

الكثيرون في هذا البلد المنكوب يراقب الكثير من اليمنيون عن كثب ، ولا يطمحون الا عن عودة الدولة ومؤسساتها للعمل فقط. تبحث عن هذا عبثاً على خرائط الدبلوماسيين والمحللين. لان اليمن اليوم مثل الكعكة التي تقوم الدول الكبرى بتقسيمها فيما بينها: المتمردون الحوثيون يحكمون في الشمال والعاصمة صنعاء بدعم ايراني ، وفي الشرق حيث حقول النفط تتواجد القوات الحكومية التابعة للرئيس هادي بدعم من السعودية، من الجهة الاخر وفي مدينة عدن الساحلية يسيطر الانفصاليون ، المجهزين والمدعومين من قبل دولة الامارات العربية المتحدة. ودائماً ما تظهر مليشيات جديدة في هذا البلد متعددة الولاءات والاجندة. وليس امام اليمنيين الا خيارين ، اما مرتزقة او معوزين وفقراء.

 الصورة الاخرى ماتزال حاضرة في هذا البلد، تلك الصورة من العام 2011 ، من وقت ما كان يدعى بالربيع العربي، عندما تظاهرت الحشود الهائلة في صنعاء واطاحت اخيراً بالرئيس علي عبدالله صالح والذي حكم لفترة طويلة. بداء حينها "الحوار الوطني"  والذي ناقش فكرة الدولة الفيدرالية الاتحادية. لتجتاح بعدها مليشيات الحوثيين القادمين من الجبال ، العاصمة صنعاء ، بعدها خرجت الحكومة اليمنية الى المنفى في الرياض العاصمة السعودية، لتقوم بعدها السعودية والامارات بإرسال الطائرات والجنود والمرتزقة لتعيد النظام السابق ، في تلك الحرب بالوكالة التي تلت ذلك، ومنذ العام الماضي تم تجميد الجبهات الى حد كبير، 

وعلى كل حال ، لا يبدو أن إنها الحرب ممكناً الى اذا اتفقت القوى الاقليمية الكبرى على يمن موحد تتقاسم السلطة فيه. ولإحلال السلام، يجب على الحكومة المركزية اولاً أن تثبت بأنها قادرة على ان تقدم شيء للمجتمع ، ومثال ذلك ما يقدمه محافظ محافظة شبوة السيد بن عديو  يعتبر انموذجاً رائعاً لكل اليمن.

في منزل المحافظ، ترعى الغزلان المروضة امام النوافذ، حيث وصلته كهدية من احد زعماء القبائل ، يتنقلون في شاحنات صغيرة مزودة بالمدافع الرشاشة والجنود يحملون البازوكا والقذائف. الشارع مغطى بالعديد من الاكياس الرملية والخرسانة. حيث انه لايزال على الدولة النموذجية أن ترسخ وتحمي نفسها.

صباح اليوم التالي، وفي مدينة عتق تزدحم السيارات في السوق، ويتدحرج البطيخ من الاكوام الكبيرة، ويتنقل الزبائن من تاجر الى اخر، فقط بالنسبة للنساء يصعب علينا أن نشاهدهن، كصحفيين اجانب نتنقل في عربات مصفحة، حيث يتقدمنا الجيش ويحيط بنا ، بسبب العديد من التهديدات الامنية بالهجوم او الاختطاف، يجب علينا ان لا ننغمس في تفاصيل الحياة اليومية ، لكن يجب أن ننقل بعض من مشاهدها.

وفي رحلتنا، توقفنا امام اثار قصف عنيف ، انه مبنى مستشفى شبوة الجديد، والذي سيحتوي على ما يقارب 240 سريراً، بالإضافة الى نظام التكييف المركزي، " لا ينبغي لأي مريض ان يستلقي مصاباً بالحمى على الارض بعد الان" يقول السيد صالح علي، رئيس شركة البناء، والذي يمشي في الطابق الارضي الغير مكتمل، ويضيف أن شركة اخرى قد وضعت حجر الاساس لهذا المستشفى قبل 20 عاماً. ولكن تم اهمال المشروع من قبل الحكومة السابقة. وخلال الحرب استغل المتمردون الحوثيين هذا المبنى واستخدموه كمعقل للقوات القادمة ، حيث تضرر المبنى لاحقاً بسبب قصف الطيران الموالي للحكومة أثناء استعادتها للمحافظة.

" قريباً سيتم معالجة المرضى هنا" وفي ظل حكم السيد بن عديو الجديد والذي أنشى نظاماً مختلفا، كما يقول السيد صالح علي "أنه لا يتم الدفع للشركات إلا عند اكتمال المشروع"، والذي يتباهى بن عديو بقوله " الشركات يجب أن تقوم بدورها، في بناء البلد، فلا يمكن أن تبنى دولة الا بسواعد ابناءها فقط".

بالنسبة لرؤية محافظ شبوة، هنالك معادلة للسلام: المال مقابل  النفط. فعندما تولى منصبه في العام 2018 ، جعل الحكومة المركزية تدفع 20% من عائدات النفط في شبوة تعود لصالح المحافظة، فقد كانت هذه فكرة عن الحوار الوطني ، تماماً مثل الفكرة الفدرالية التي جسدها بن عديو بنفسه، "أخيراً يوجد لدينا محافظ من المنطقة نفسها، ويمكن أن يعتني بمصالحها".

هل سينشئ السيد بن عديو نظاماً مستمراً وسائداً؟ يبتسم رجل الاعمال السيد علي قائلاً" ان شاء الله" ، والذي يقوم بالبناء في المستشفى حالياً مقدماً.


في المساء وفي مركز عتق الثقافي، من على خشبة المسرح، يرقص الرجال ومعهم الخناجر التقليدية، التي ترمز للفخر والشرف، كما يتحدث المحافظ قائلاً" انها اليمن الغنية بالتاريخ، والشجاعة، والتضحية عبر الزمان".

يتم اداء حفل الزفاف، كأداء الفلكلور على المسرح، حيث يحضر الاب العروس. قام العريس بعد ذلك بإلقاء القماش الاخضر السميك على راسها من الخلف. لختم وتأكيد العلاقة بين العائلتين.

ان حفل الزفاف في اليمن يرمز الى النظام الاجتماعي المشرف في البلد، اليمن المثالي، والذي يسيطر عليه الرجال، اما بالنسبة للنساء ، فيجلسن منفصلات ، ومغطيات بالكامل باللون الاسود. " هل تري كيف يتزوجونا؟" تهمس فتاة اسمها سحر كما تقول وتبلغ من العمر 17 عاماً، ولإثبات ذلك رفعت حجابها لفترة وجيزة، وهي تضحك، في بلد اقسى من ذلك الذي على المسرح مضيفة، " هل يمكن أن نخبرك عن ذلك؟". 

تأتي سحر لتلتقي بصديقتها ومثالها الاعلى مروة، وبعيداً عن البرنامج الرسمي، تتحدث مروة ذيبان (23 عاماً) قائلة " أنا من عشاق الموضة".
مروة ذيبان تنحدر من عائلة معروفة جدا ومشهورة بالعاملين في التجارة و الذين يعيشون في قصر طيني قديم في سوق عتق القديم، لكن عندما تصف مروه منزلها تشبهه بالسجن، تقول انه يتم السماح لها بالخروج فقط اذا سمح لها اباها او اخاها فقط، كما يتم مراقبة كل ما تقوم به. هذه هي الحياة اليومية للمرأة في اليمن بعيداً عن المدن الكبيرة. تقول مروة ذيبان والتي لا ترى ملامح وجهها من تحت قطع القماش السوداء. فقط نرى اظافرها المطلية باللون البنفسجي اللامع، وصوتها الدرامي الواضح قائلة" اليمن ستصبح دولة قوية فقط اذا سمحت للمرأة أن تكون قوية".

تضيف مروة " بالتأكيد اليمن في حالة حرب، ولكنها ليست حرب واحدة فقط، فهناك حرب الرجال بالأسلحة، والتي سلبتهم الشعور بالأمان وجعلت من الصعوبة بمكان عليهم أن يسافرون من منطقة الى اخرى، وهناك حرب الشرف والعار، تلك العادات الاجتماعية التي دفعت بالنساء بعيداً عن اعين الناس، ودفعت الرجال الى العنف، تضيف مروة ذيبان أنها لم تعرف رائحة الموت منذ اندلاع الحرب فقط ، فهي متعودة على هذا الامر ، في إشارة الى الخلافات القبلية الشائعة في شبوة، لذلك ففي تلك الحرب قد قررت أن تقاتل بسلاحها وطريقتها الخاصة.

عندما كانت مراهقة ، تقول كنت اتابع مقاطع في اليوتيوب، لذلك علمت نفسها طرق استخدام المكياج، وحولته الى عمل تجاري، من أجل المال، حيث تضع المكياج للنساء في حفلات الزفاف وتلبسهن. كما تقوم حالياً بعمل دورات للشابات امثال سحر، تضيف ذيبان" ان الامر يتعلق بالفعل بمستحضرات التجميل" 

مواصلة الحديث " ان التحدث والكلام اهم ، حول تطلعات المستقبل وحول الاباء الصالحين" ، " أن المكياج هو كذلك درعنا الواقي، حيث يمنحنا التقدير الذاتي والدخل، وكذلك العذر للتعاون وتعليم نساء اخريات".


خلال الربيع العربي في عام 2011 كان هؤلاء النساء مازلن اطفالاً، لكنهن يتذكرن روح التفاؤل في ذلك الحين، حين تظاهرت النساء مثل الرجال ضد الدكتاتورية، واصبحت احدهن الصحيفة والناشطة في حقوق الانسان توكل كرمان ، رمزاً للاحتجاجات، وحصلت على جائزة نوبل للسلام، "ولكن ماذا جلبت لنا في البلد" تسال مروة ، هنا في اليمن كل طرف يتهم الاخر، وكل حزب يتبع الاخر، الى ان جاءت الحرب، " من الواضح ان تغيير الحكومة لا يكفي اذا ظل المجتمع على حالة السابق" . نسمع كذلك من النشطاء الاخرين في شبوة . تقول مروة" ان اشقائي الاكبر سنناً نزلوا الى الشوارع في عام 2011، وأنشأوا مجموعات ذات اهتمامات اجتماعية بأنفسهم، وبالمثل مروة ذيبان وصديقاتها، اردن أن يقمن دورات للبنات في المدارس، وكذلك لتعليم الانجليزية، وفي السينما والمسرح، كذلك قمن بإنشاء مجموعة في الفيس بوك ب أسم "الأمل في كل مكان" وتعني كلمة الامل التي يستخدمونها ايضا " مطر بعد جفاف طويل"، في اليمن المشهورة بالشعر والشعراء، تبدو الانسة مروة قوية معلنة " أن جيلي قادر على تغيير كل البلد، نحن نجعل اليمن جميلة".
تواصل مروة ذيبان " طالما اردنا الذهاب الى المركز  الثقافي، ذلك المسرح الكبير، قبل نهاية العام، لعرض بعض الافلام، وإلقاء الخطب، وربما الغناء" لكن السيد المحافظ ، كان سيمنع ذلك، " يتحدى المحافظ المليشيات، ولكنه يبتعد بشكل واضح عن النساء المستقلات. لقد كتبنا له العديد من الالتماسات وتجاهلها". 

قبل اقل من اسبوعين من زيارة مجموعة الصحفيين الى شبوة، انفجرت عبوة ناسفة امام بيت المحافظ بن عديو، كان هذا هو الهجوم الاحدث والاخير في تلك الفترة، كما يتحدث المحافظ بكل ثبات ، " كان هناك الكثير من الهجمات والمحاولات ضدنا، لقد توقفت عن العد لكثرتها". السيد المحافظ يتهم الامارات. ولم يتم حل أي من تلك الهجمات بشكل مستقل.

من الواضح جداً ان محافظ شبوة بن عديو لا يناسب القيادة الاماراتية، فهو عضو في حزب الاصلاح، الفرع المحلي من الاخوان المسلمين، هذه القوة الاسلامية الجديدة التي وصلت الى السلطة في عدة دول، بما في ذلك مصر، بعد احتجاجات العام 2011 ، حيث ينظر الاماراتيون الى جماعة الاخوان المسلمين على انها هي العدو اللدود لهم، يحشون من تمددهم الواسع، ويخافون أن يكونوا هم السبب في تقويض نظامهم. يعلم السيد المحافظ بن عديو أن الاماراتيين لم يعد بإمكانهم  التصرف كمحتلين في شبوة، بعد أن هزمهم هم ومرتزقتهم في شبوة العام الماضي، لكن بالرغم من هذا لايزال الاماراتيون، يسيطرون على موقعين عسكريين، بالإضافة الى الميناء الاستراتيجي الهام في بلحاف موقع تصدير الغاز، ويخشى انهم في حال الشك من فقدانهم لتلك المواقع، أن يفضلون حرباً مشتعلة على يمن مسالم وآمن، لا ينفذ اجندتهم وسياساتهم، 

في تلك الاثناء ، يشتكي الكثير من النشطاء الحقوقيون، في شبوة ، من اختفاء المؤيدين للسياسيات الاماراتية في عهد المحافظ بن عديو في سجون سرية خارج القانون ، مثل تلك السجون السرية التي استخدمها الاماراتيون سابقاً لكل المؤيدين والمناصرين  لجماعة الاخوان المسلمين.

    
وعندما حان وقت الرحيل، وبشكل مفاجئ لم يعد السيد المحافظ بن عديو متفائلاً ابداً قائلاً " أن جيله قد ضاع"، نحن نكافح ونناضل في هذه الحياة بكل ما اوتينا من فقط من اجل القليل من الاستقرار".

وقبل ان نغادر عتق نزور مروة ذيبان وعائلتها، في ذلك القصر الطيني، يتكلم المصور "ابتسموا" أنه وقت التقاط الصورة الجماعية مع الصديقات المحجبات بشكل كامل، يعم الهدوء لبرهة من الزمن، قبل الانفجار بالضحك وبصوت عال. وبعد مغادرتنا بفترة وجيزة، تخبرني الانسة مروة ذيبان على الوتس أب بأن السيد المحافظ قد استقبلهم، وقرر أن يدعم المرأة وكل نشاطاتها من الان وصاعداً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــصداءمرخه