تبرز الحرب في اليمن باعتبارها مصدر قلق كبير في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وفي حين أن السعودية قد تلقت الجزء الأكبر من الانتقادات لدورها في البد الذي مزقته الحرب، يؤكد الخبراء أن الإمارات، التي تدعي الانسحاب، لا تزال تعقد الوضع اليمني بشدة.
أعلنت الإمارات في أكتوبر / تشرين الأول الماضي، أنها أنهت تدخلها العسكري في اليمن، لكن الآن، وبعد مرور أربعة أشهر، يتبين العكس تماماً.
من الجزر الاستراتيجية، إلى الموانئ البحرية والمطارات، والقواعد العسكرية والميليشيات، تنشط الإمارات بشكل كبير في الحرب الأهلية، التي تحولت إلى حرب بالوكالة.
وأكد جاستن راسل، رئيس مركز نيويورك للشؤون السياسية الخارجية (NYCFPA)، الذي رفع دعوى قضائية ضد وزارة الخارجية الأمريكية بشأن صفقة أسلحة متوقفة الآن إلى الإمارات، أن منظمته وثقت استمرار تدخلات أبوظبي في اليمن.
وقال راسل: "الإمارات، سواء في العلن أو في السر، لا تزال تمارس الاعتداءات في المنطقة".
وأضاف: "صرف إعلان انسحاب الإمارات الانتباه الدولي بعيداً، وأبعد بقية العالم عن رائحة ما يفعلونه بالفعل في المنطقة ... ولكن تأكد لنا أن الإمارات لا تزال تمول وتدعم أدواتها ميدانياً في اليمن بشكل منتظم".
ووصفت الأمم المتحدة الأزمة اليمنية بأنها "أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، وتسبب الصراع بنزوح الملايين وقتل ما يقرب من 250 ألف شخص، كثير منهم على يد التحالف الذي تقوده السعودية، بالشراكة مع الإمارات.
وفي حين بدأت الإمارات والسعودية مشاركتهما في البلاد إلى جانب الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، اتخذت الإمارات في عام 2017 مسارًا منفصلاً قليلاً، مع التركيز على دعم المجلس الانتقالي الجنوبي، الساعي إلى فك الارتباط مع اليمن الشمالي.
مضيق باب المندب
تتنوع مصالح الإمارات في اليمن، لكن الهدف الرئيسي للدولة الخليجية الصغيرة -التي لا تشترك في حدود مع اليمن- هو الحفاظ على النفوذ على مضيق باب المندب، الذي يمر عبره حوالي 9% من النفط الخام والبترول المكرر المنقول بحراً إلى العالم.
تقول شيرين الأديمي، الأكاديمية في جامعة ميشيغان: "من الواضح جدًا بالنسبة لي كيمنية فهم لعبة الإمارات، وهي إنشاء سلطة موالية في اليمن تسهل مرور نفطهم عبر باب المندب".
وأضافت الأديمي: "موقع اليمن استراتيجي ومهم. ولهذا السبب شهدت اليمن منذ عقود تدخلات من قبل السعودية والولايات المتحدة، بسبب موقعها فقط".
بعد استقلاله، سيطر اليمن الجنوبي على كامل الساحل الجنوبي لليمن، ومصب المضيق الذي يربط خليج عدن وبحر العرب بالبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس المصرية.
ويبلغ عرض المضيق في أضيق نقطة له 18 ميلاً، ولا تستطيع الناقلات المرور خلاله إلا عبر ممر بعرض أربعة أميال فقط، مما يجعل التحكم فيه سهلاً جداً. لذلك عملت الإمارات طوال السنوات الماضية على احتلال مناطق استراتيجية حول هذا الممر المائي.
من جزيرة سقطرى، عند مصب خليج عدن، إلى جزيرة ميون، في قلب باب المندب، تراوغ الإمارات، على أمل الحفاظ على هيمنتها على الموانئ وحركة المرور البحرية في المنطقة.
لكن الحكومة اليمنية تصر على أن تلك الجزر والموانئ لا تزال تحت سيطرة الإمارات حتى يومنا هذا. ونسف محمد قيزان، وكيل وزارة الإعلام الحكومية، مزاعم الإمارات بالانسحاب.
وقال قيزان في تغريدة على تويتر استهدفت وزير الخارجية الإماراتي آنذاك أنور قرقاش "العالم قرية صغيرة بفضل وسائل الإعلام والجميع يعرف أنكم ما زلتم في اليمن، اسحبوا جنودكم من سقطرى، وبلحاف، وميون، وأوقفوا تسليح المليشيات".
وفي الشهر الماضي، احتج مختار الرحبي، مستشار وزير الإعلام اليمني، من رفض الإمارات إعادة فتح مطار الريان في المكلا، والذي حولته الإمارات إلى قاعدة عسكرية لقواتها مع بداية الحرب ورفضت إعادة فتحه، لأسباب أمنية، حسب قول أبوظبي.
واتهم الرحبي القوات الإماراتية باستخدام المطار "كسجن غير قانوني لارتكاب أشكال شنيعة من التعذيب ضد اليمنيين".
"دور العلاقات العامة"
مع ذلك، هناك بعض المؤشرات على أن الإمارات تسحب بعض قواتها، مثل التفكيك الأخير لميناء عصب العسكري الذي بنته في إريتريا، على بعد 40 ميلاً غرب اليمن، قبالة باب المندب.
كانت القاعدة العسكرية موقعًا استراتيجيًا تستخدمه الإمارات لاستيراد الأسلحة والقوات بما في ذلك المرتزقة الأجانب. حيث أوضحت صور الأقمار الصناعية الحديثة تفكيك القاعدة.
لكن شيرين الأديمي حذرت من أن الإمارات من المحتمل أن تبقي قوات أجنبية دربتها ومولتها في المناطق التي تنسحب منها.
وقال الأديمي "في وقت ما من العام الماضي أعلنوا أنهم ينسحبون... لكنهم لم يذكروا حقيقة أنهم تركوا وراءهم مرتزقة مدربين بعد سحب قواتهم البرية الرسمية".
وتابعت قائلة: "هنا يأتي دور العلاقات العامة: يجعلون الأمر يبدو وكأنهم انسحبوا من اليمن، في حين أن كل ما فعلوه هو مجرد سحب وجودهم المادي الرسمي".
وأصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش يوم الخميس تقريراً أشار إلى أن الإمارات والسعودية "تنفقان المليارات على شركات العلاقات العامة لتبييض سجلاتهما الحقوقية السوداء".
وسعت استراتيجية القوة الناعمة الإماراتية، التي أُطلقت في عام 2017، إلى تلميع سمعة الدولة عالمياً، على الرغم من سلسلة الاتهامات بارتكاب جرائم حرب إنسانية في اليمن وليبيا وأماكن أخرى.
وقالت الأديمي: "لقد تمكنت الإمارات من الاستفادة من كون السعوديين هم الواجهة لهذه الحرب، في حين أنهم تمكنوا من التراجع قليلاً والوقوف وراء الكواليس".
موازنة العلاقات الأمريكية
يستمر المجلس الانتقالي في سجن الصحفي اليمني عادل الحسني الذي اعتقلته الجماعة الانفصالية قبل أكثر من خمسة أشهر. بحسب الأديمي.
وقد أصدرت لجنة حماية الصحفيين تقريراً في وقت سابق من هذا الشهر زعمت فيه أن المجلس الانتقالي الجنوبي غير قادر على إطلاق سراح الحسني بسبب الضغط السياسي المباشر من أبو ظبي.
هذا الأسبوع، تبادل عضو الكونجرس الأمريكي رو خانا، الذي لطالما دافع عن إنهاء الدعم الأمريكي لدور البلاد في اليمن، الانتقادات اللاذعة مع سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة. حيث دعا خانا الإمارات إلى السماح بالإفراج عن الحسني.
وقالت الأديمي حول ما يتعلق بتأثير الإمارات على الحركة الانفصالية: "المجلس الانتقالي الجنوبي مدعوم من الإمارات ولن يكون موجودًا بدونها... لذلك علينا أن نكون واضحين جدًا هنا بشأن دوره".
وفي تقرير لهيومن رايتس ووتش يوم الخميس، حثت المنظمة الولايات المتحدة على إنهاء دعمها للسعودية والإمارات بشكل كامل وفرض عقوبات على القوتين لضمان عدم امتلاك أي من الدولتين "الوسائل لارتكاب المزيد من الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب في العراق واليمن".
ومع قرب نهاية ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أجبرت الإدارة الإماراتية على إبرام صفقة أسلحة ضخمة بقيمة 23 مليار دولار، والتي تضمنت بيع طائرات بدون طيار وطائرات إف -35 .
ولكن، كواحدة من أولى تحركاته في السياسة الخارجية، جمّد الرئيس بايدن مؤقتاً بعض مبيعات الأسلحة إلى السعودية والإمارات لمراجعتها، لكن صياغة الأمر لا تزال مقلقة للدعاة الذين يعملون ضد الصفقات.
وبعد أيام من إعلان التجميد المؤقت، بدا أن وزير الخارجية أنطوني بلينكين يقلل من أهميته، قائلاً "بشكل عام، عندما يتعلق الأمر بمبيعات الأسلحة، من المعتاد في بداية أي إدارة مراجعة أي مبيعات معلقة للتأكد من أنه أمر يعزز أهدافنا الاستراتيجية ويدفع سياستنا الخارجية إلى الأمام".
وقال راسل، رئيس مركز نيويورك: "نحن قلقون للغاية بشأن الصياغة" ، مضيفًا أن دعواهم القضائية ضد وزارة الخارجية بشأن صفقة الأسلحة الإماراتية لم تُلغَ رغم تجميد البيع ومراجعته.
وأشار راسل أيضًا إلى أنه ليس من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستعارض مبيعات الأسلحة للإمارات لاستخدامها في ليبيا، حيث تشارك في حرب أخرى بالوكالة.
وقال راسل: "إن منح الإمارات طائرات بدون طيار، ومنحها أسطولًا من طائرات F-35 لا يساعد في تقليل التأثير الذي أحدثته الإمارات، وما زالت تحدثه في المنطقة" ، داعيًا إلى إغلاق كامل لجميع الأسلحة الأمريكية وعقود التدريب مع كل من السعودية والإمارات.
وقال: "كل ما تفعله [صفقات الأسلحة] هو مفاقمة أزمات حقوق الإنسان التاريخية الكبيرة في المنطقة".
المصدر: ميدل ايست آي