في الوقت التي تستعر فيها جبهات القتال، خصوصاً في محافظات عدة، وضمن تصعيد عسكري للمليشيا التي تزج بقواتها باتجاه محافظة مأرب، فاجأ طارق صالح، الذي يسيطر على مديريات الساحل في محافظتي الحديدة وتعز، فاجأ الجميع بفتحه مكتباً سياسياً للتواصل مع "الخارج" كما أوضح إعلاميون تابعون له.
الجنرال طارق في إعلانه الجديد، أكد ما يراه مهتمون بأن الرجل في "تماهٍ" وانسجام مع مشروع لا يرى في الحوثي الخطر الأول، وإن كانت هناك مشتركات بينهما، وهو إملاء صريح من دولة الإمارات التي رأت في طارق صالح وتشكيلات أخرى حراساً لمصالحها في سواحل وموانئ اليمن.
وربط سياسيون تحدثوا لـ "وكالة يمن للأنباء" إعلان افتتاح مكتب سياسي للساحل الغربي، بالتصعيد العسكري الحوثي على مأرب، وأن لطارق والإمارات يداً في ذلك للضغط أكثر على الشرعية اليمنية، وإشراك "فصيل جديد" تابع لأبو ظبي إلى داخل الشرعية، لكن وفق ساسية "لي الذراع".
وفي بدايات فبراير، الماضي، أعلن طارق استعداده لرفد جبهات مأرب بعدة ألوية، وهي دعوات لم تلق إجابة، كون ما تحتاجه مأرب هي الأسلحة الثقيلة والمعدات القتالية، وليس القوة البشرية، إلا أنه تجاهل مؤخراً دعوة قدمتها له السلطة المحلية بتعز، حيث طالبته بتحريك قواته على الحوثيين في جبهات غرب المحافظة.
وتستعرض "يمن للأنباء" في هذا التقرير جزءاً من التحالفات التي عقدها طارق صالح، والتي تجعله لا يؤمن، كما يرى كثيرون حيث أنه ظل في تحالف وثيق، مع مليشيا الحوثي، وشن حرباً شرسة ضد الشرعية والتحالف لأربع سنوات متتالية.
بعد أن نجا من المليشيا، التي قتلت عمه الرئيس السابق في ديسمبر من العام 2017م، نقلته الإمارات ليتربع على عرش الساحل الغربي لليمن، أو هكذا خيل له، سارقاً تضحيات المقاومة الشعبية والجنوبية والعمالقة التي كانت هناك، ومفوتا الفرصة عن تشكيل جيش وطني هناك، ليكون عبارة عن "فاغنر" كشركة أمنية أو عسكرية، تنفيذا لمخططات الإمارات التي أصبحت تشرف على أماكن حيوية مطلة على باب المندب، الممر المائي المهم على مستوى العالم.
اتفاق خفي لضرب مأرب
ثبّت طارق صالح وجوده في الساحل الغربي، وبترسانة إماراتية متكاملة، ليبدأ التدريبات لقوات الحرس الجمهورية السابقة، كما فتح باب التجنيد عن مصراعيه، ليخرج قوات، رجع الكثير منها إلى صنعاء ثانية، مما فتح للشكوك أكثر عمّا يفعله صالح، الذي بدا وكأنه فاتح معسكر لتدريب مقاتلين للحوثي.
في السادس من فبراير المنصرم، عقد طارق صالح هدنة بينه وبين مليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً، اتفقا فيها على إيقاف المعارك والمواجهات العسكرية، ليؤمّن طارق صالح الحوثي الذي أطلق عملية عسكرية مرتبة حشد لها آلاف المقاتلين وأقوى الأسلحة بعد الاتفاق بأيام قليلة.
لم يصرّح طارق بذلك الاتفاق، إلا أن الوثيقة سُربت للإعلام، الأمر الذي وضع طارق وتشكيلاته المليشاوية في موضع الشك، ولكي يأخذ احتياطاته، أوفد العميد فاروق الخولاني وضابطين إلى جانبه ليمثلونه في الاتفاق المبرم مع الحوثيين.
وقال عقيد سابق في الحرس الجمهوري، انضم إلى قوات طارق صالح المتواجدة بالساحل في منتصف ٢٠١٩م إنه قبل إبرام الاتفاق بأيام غادر طارق صالح الساحل الغربي، وأثناء مغادرته تم الاتفاق بين الطرفين على إيقاف الحرب وتبادل تسليم الجثث، ليبدأ الحوثي هجومه على مارب بعدها بأيام.
ويضيف لـ"وكالة يمن للأنباء" أن طارق صالح حينها غادر مكتبه بالساحل قبل الاتفاق بأوامر من الإمارات كما وصلني، والاتفاق تم بعلم الإماراتيين، فقد طلبت الإمارات مغادرة طارق الساحل حتى يقال إن الاتفاق تم باجتهاد من العميد "فاروق الخولاني" وبعض الضباط الذي رأوا الفائدة من إبرامه، بعد أن عرض عليهم الحوثيون ذلك وأنهم لا يعملوا نية الحوثي في مهاجمة مارب، وأن طارق صالح ليس له علم بأي شيء، وقد كنتُ أرفض ذلك جملةً وتفصيلا، إلا أن الضباط فرضوا الأمر الواقع ومرروا الاتفاق.
من جانبه قال الجندي فيما يسمى بحراس الجمهورية "صلاح محسن" إنه تلقى هو وزملاؤه توجيهات بعدم التحرك من مواقعهم، وعدم تنفيذ أي هجوم على مواقع الحوثيين حتى وصول توجيهات عسكرية لهم بالتحرك...
وأشار "محسن" إلى أن التوجيه تضمن عدم الرد على أي مصدر نار من جهة الحوثيين إلا بعد التواصل مع العمليات وتلقي الأوامر مهما كانت الظروف.
توجيهات إماراتية
من جهته يؤكد الصحافي والباحث "فهد سلطان" بأن مليشيا الحوثي حضّرت قبل الهجوم على مأرب من عدة اتجاهات بما في ذلك الساحل الغربي وهي منطقة مهمة، وقد حاولت المليشيات الحوثية أن تؤمن تلك المساحة فدخلت في اتفاق من شهر كامل حسب ما كشف في بنود الاتفاق المسرب ضمن تبادل جثث.
وأضاف سلطان، لـ"وكالة يمن للأنباء" أن الإمارات وراء ذلك الاتفاق أو بعلمها إذ لا يمكن أن يتخذ طارق عفاش قراراً، بذلك الحجم دون العودة إليها، ويضاف إلى أن الذهاب في وفد إلى مأرب كان محاولة للتغطية على تلك الوثيقة التي سربها الحوثيون.
وتابع "ستثبت الأيام أن القرار مرتهن أسوة بما جرى للجيش خلال العامين الماضيين على الأقل من قبل السعودية بشكل خاص، لكن هل طارق قادر على التحرك في هذه اللحظة وخاصة بعد انتهاء تلك المدة المشار إليها في الوثيقة المسربة أو حتى إنهاء اتفاق استكهولم الذي انتقدته الشرعية بشدة.
إلى ذلك أكد الملازم (ن. س) على أن الاتفاق المسرب تم بتوجيهات من الإمارات، وأن طارق صالح لا يستطيع رفض توجيهات المشرف الإماراتي، فالإمارات أجبرت طارق على توقيع تلك الاتفاقية كي تعطي متنفساً للحوثي، وضمان بعدم التعرض لمواقعه في الساحل والحديدة، وذلك ليتسنى للحوثي توجيه كل قواته وتركيزه لمهاجمة مأرب وهي المعركة التي أرادت الإمارات أن ينتصر الحوثي فيها لتوجه صفعة للشرعية وحزب الإصلاح العدو اللدود للإمارات.
ابتزاز السعودية
ويضيف الملازم (ن.س) بأن طارق أراد أيضاً استغلال الفرصة لترتيب قواته ووضع حداً للفشل، الذي يعانيه جراء انشقاق المجاميع تلو الأخرى من قواته وعودتهم لصفوف المليشيات الحوثية، وهو الأمر الذي بات يحرجه كثيراً أمام القيادة السعودية والرأي العام.
ويرى بأنها كانت رسالة للسعودية أيضا بعد أن تسلمت ملف القوات المتواجدة في الساحل صورياً، والضغط عليها وابتزازها لإعطاء مزيد من الدعم والسلاح، أو التوقف وربما التراجع إذا لم تقم المملكة بدعمهم وهو الأمر الذي بدأ واضحا في حديث طارق لأفراده وقواته حيث كان يكرر قوله أمام الضباط والأفراد: "يوفوا معنا واحنا ندقهم".
كذبة العائدين
وبالعودة إلى ما يسمى بالعائدين أكد جندي آخر ضمن تشكيلات طارق، في الساحل الغربي لـ "يمن للأنباء" أن المنشقين عن قوات العميد طارق صالح، من العائدين إلى صنعاء، يعودون بالاتفاق مع الحوثي.. مضيفاً "وأعرف منهم من يستلمون مرتباتهم من الإمارات إلى الآن منهم مجاهد محمد حزام والعميد سمير رضوان وغيره، وإلا كيف سيتركون المال الإماراتي ويذهبون إلى الحوثي الذي لن يعطيهم ريالاً وسيقتلهم جوعاً وإهانة وتحقيقات".
تنفيذ أوامر الإمارات
أما الضابط في ألوية العمالقة "عبدالرحمن عبدان" يرى بأن طارق صالح لن يتحرك ولا يخطو خطوة واحدة إلا بتوجيهات من الإماراتيين.
وتابع "كنا في العمالقة بالاشتراك مع الزرانيق في الشريط الأمامي نسيطر على الدريهمي، وظلينا مسيطرين عليها ولم نسمح للحوثي بالتقدم شبراً واحداً وكنا نمنع الحوثيين من التدخل لفتح الطريق وفك الحصار عن قواتهم المتواجدة في الدريهمي التي كنا نحاصرها لقرابة سنتين، وفجأة جاءتنا تعليمات من القيادة بالانسحاب من الدريهمي وتسليمها لطارق صالح والانتقال إلى الجبلية".
ويشير عبدان إلى أنه بعد سيطرة قوات طارق على الدريهمي، لم يمر شهر واحد إلا والحوثي قد فك الحصار وفتح الطريق أمام أفراده المتواجدين هناك.
وكشف بأن أوامر انسحاب العمالقة جاءت من ضباط إماراتيين.. مضيفاً "إن فك الحوثي للحصار عن أفراده كان بتواطؤ من قوات طارق عفاش، التي وجهتها الإمارات بذلك، وللعلم فإن الضباط الإماراتيين يأتون إلى القيادة بحراسات مشددة ولا يُسمح لنا بالتقائهم أو حتى مشاهدتهم بالعين المجردة، خصوصا نحن في ألوية العمالقة".
تدريبات سرية
جندي من كتائب أبو العباس المنظمة مؤخرا لقوات طارق في الساحل، قال إن طارق صالح يقوم بتدريب أفراد معينين في جبل النار ولا تتم معرفة إلى أين يتم نقلهم، وبعد تدريبهم هناك يختفون ولا نلتقي بهم.
ويضيف: جبل النار يبعد بمسافة بسيطة عن مقر قيادة طارق، ويتم تخزين أسلحة فيه، وبعض المواقع في الجبل عليها حراسة مشددة، فضلاً عن السجون السرية الأكثر وحشية على مستوى اليمن، التي يشرف عليها عمار صالح، والتي تتم فيها ممارسة أساليب وحشية كالتي يمارسها الحوثيون في سجونهم بمختلف المحافظات التي يسيطرون عليها.