في بداية شهر مارس/آذار، وأثناء زيارته للعاصمة القطرية (الدوحة) التقيت تيم ليندر كينغ، المبعوث الأميركي الخاص لليمن، وكانت فرصة سانحة للتعرف على وجهة واتجاه الولايات المتحدة ورؤيتها لصنع سلام في اليمن وفق خطة الرئيس الأميركي جو بايدن.
ورغم أن اللقاء تحول في معظم فقراته إلى تبادل أطراف الحديث والسؤال عما يمكن فعله لدفع السلام في اليمن على اعتبار أني مهتم بتغطية الشأن اليمني؛ إلا أنني استمعت إلى مجموعة محددات للرؤية الأميركية لصناعة السلام في اليمن في شكلها العام؛ وليس في تفاصيلها، التي لا شك أنها لم تنضج في ذلك الوقت؛ بل تحتاج إلى وقت أطول لتصبح ناضجة أكثر.
وسط كل هذا جائت المبادرة السعودية، والواضح أنها تحمل روح مبادئ الإعلان المشترك للأمم المتحدة كإعلان لحسن النوايا من قبل الرياض؛ لكن الحوثيين ومن أول دقيقة وصفوها بالمناورة التي لم تقدم جديدا، مؤكدين أنهم لا يقايضون الملف الإنساني بأي ملف آخر.
احتفظ المبعوث بمسافة المعلومات الخاصة بيني وبينه كوني صحفيا، وانفتح في مسألة النقاش العام؛ لكنه عبر عن رغبة أميركية ملحة لإخراج المملكة العربية السعودية من مأزق الحرب في اليمن، وبدا ذلك ضروريا وملحا من خلال كلامه؛ بسبب الأعباء السياسية والاقتصادية والعسكرية، التي لحقت بالمملكة خلال 6 سنوات عصيبة من الحرب في اليمن. ووفق ما أرى فإن الخطوط العامة بالنسبة لأميركا في مسألة اليمن تتلخص في نقطتين:
البحث عن شكل مناسب لإخراج المملكة العربية السعودية من حرب اليمن بأقل التكاليف.
تلك هي الخطوط العامة، أما الآليات والتفاصيل، فإنها تمحورت كما فهمت من أطراف شاركت في الحوارات الأخيرة بين الحوثيين والمبعوثين الأميركي والأممي والحوثيين أو الحكومة اليمنية في الإعلان المشترك، الذي قدمه المبعوث الأممي مارتن غريفيث قبل أشهر لجميع الأطراف، ويتلخص في 3 نقاط:
تلك هي الخطوط العامة؛ لكن الإعلان المشترك تضمن تفاصيل عديدة حول كيفية وقف إطلاق النار، وتشكيل لجان عسكرية، ومراقبة الوضع والأسرى، وآليات التدابير الإنسانية، ولجان محلية لوقف إطلاق النار، وشروط فتح مطار صنعاء أمام الرحلات، وكذلك تطرق إلى آليات لفتح ميناء الحديدة وصرف الرواتب وغير ذلك من التفاصيل، التي قال الحوثيون إنهم لا يتفقون معها، خاصة في مسألة مطار صنعاء وميناء الحديدة.
وسط كل هذا جاءت المبادرة السعودية، والواضح أنها تحمل روح مبادئ الإعلان المشترك للأمم المتحدة كإعلان لحسن النوايا من قبل الرياض؛ لكن الحوثيين ومن أول دقيقة وصفوها بالمناورة، التي لم تقدم جديدا، مؤكدين أنهم لا يقايضون الملف الإنساني بأي ملف آخر.
لكن الأيام التي تلت إعلان المبادرة السعودية حملت مجموعة مفارقات، فعلى الأرض صعد الحوثيون هجماتهم على العمق السعودي، وبالتحديد منشآت أرامكو النفطية، وكذلك فعلوا في محافظة مأرب التي يهاجمونها منذ فترة، بينما لم تتوقف غارات التحالف على صنعاء ومأرب ومواقع الحوثيين في المحافظات الأخرى؛ لكنهم في المقابل قبلوا لقاء مارتن غريفيث بعد أشهر من القطيعة في العاصمة العمانية، واستمروا في التحدث مع المبعوث الأميركي ليندر كينغ عبر العمانيين، وكشفوا في تصريحات للجزيرة أن المحادثات شملت الجانب السعودي أيضا.
اعلان
وعلى الرغم من حدوث هذا وسط توجه المبعوثين للرياض للقاء الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وعودتهم إلى مسقط من جديد، فإن الرسائل المتضاربة بين الفعل السياسي والفعل العسكري تقدم فكرة عن التعقيدات، التي تكتنف المحادثات بين الأطراف، في ظل تصميم الحوثيين على إجراء التدابير الإنسانية الخاصة بفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة بدون قيود أوشروط.
في الساعات الماضية سألت مسؤولا حكوميا رفيعا عن تقديره لمآلات الحوار الحالي، فرجح أن المبعوثين يعملان على اتفاق قريب بين السعودية والحوثيين، وعندما سألته عن موقف الحكومة قال إن الرئيس ما زال مصمما على الشروط الواردة في الإعلان الأممي المشترك فيما يخص مطار صنعاء، واتفاق "ستوكهولم" فيما يخص ميناء الحديدة.
وعندما سألته هل يمكن لذلك أن يتغير؟ رد قائلا لو تم الضغط بقوة أميركا والسعودية، فقد يتم التراجع كما حدث في اتفاق ستوكهولم في ديسمبر/كانون الأول 2018، عندما ضغطت السعودية على هادي لتوقيع الاتفاق.
يفسر البعض أن مرونة الحوثيين مؤخرا تجاه المفاوضات الحالية لا تتعلق فقط بنصائح يتلقونها من دول كإيران، وضغوط أخرى ذات طبيعية إقليمية ودولية؛ وإنما لرغبتهم في تحييد المملكة العربية السعودية من الحرب الداخلية للوصول إلى السيطرة الكاملة على مناطق كمأرب وغيرها، وإن صح ذلك، فإنه غير منطقي بالنسبة للسعودية، التي تعتبر سيطرة الحوثيين على تلك المناطق استمرارا لتهديدها.
وفي ظل التكتم الشديد على المحادثات الأخيرة لا يمكن التكهن بمسارها والمآلات التي يمكن أن يتجه إليها هذا الفصل من فصول الأزمة والحرب في اليمن؛ إلا أن أيا من ذلك لا يحول دون القول إن ما يجري ليس سوى محاولات للتعامل مع قشور الأزمة اليمنية، وليس مع جذورها، كما كان يحدث منذ بدء الحرب؛ لأن أي حل لا يستهدف إستراتيجية شاملة لإنهاء الحرب وليس جزءا منها، كما حدث في كل جولات السلام الماضية من جنيف إلى الكويت إلى السويد، ولا يضع في الاعتبار وضع حلول للشأن الداخلي برؤية الأطراف اليمنية ذاتها، وحل معادلة التوازن العسكري على الأرض؛ سيكون مصيره التعثر دائما، لكن كل ذلك لا يمنع من التفاؤل، فالغرقى يتعلقون بأي قشة سلام.