مع استمرار القصف الإسرائيلي المكثف على مدينة غزة الفلسطينية وتشبث فصائل المقاومة بحقها في المجابهة العسكرية للعدوان الإسرائيلي ، تعيش دولة الإمارات العربية المتحدة في وضعية قلقة جداً نتيجة لخياراتها السياسية الأخيرة في التقارب الرسمي مع إسرائيل .
وفي ظل إدانات عربية وإسلامية رسمية متوالية لاستهداف دولة الاحتلال للمدنيين الفلسطينيين في مدينة غزة، وقبلها محاولات التهجير لمواطنين فلسطينيين في القدس ، تجد أبو ظبي نفسها في وضعية قلقة ، لأنها لا تستطيع تبني نفس الموقف المتضامن مع الحق الفلسطيني ، ولا تستطيع الذهاب أبعد في التقارب مع إسرائيل التي تصبح كل يوم موضع سخط جماهيري أكبر عربياً وعالمياً .
وكانت الإمارات قد تبنت خلال العام الماضي 2020 حملة لتشجيع التطبيع مع دولة الاحتلال الاسرائيلي ، ويجري اتهامها بأنها تقف وراء استدراج دول عربية أخرى كالبحرين والسودان والمغرب نحو التقارب مع إسرائيل التي أصبحت تجمعها منذ أغسطس/آب العام الماضي اتفاقية " سلام" مع الإمارات .
ومما يزيد من شعور الإمارات بالقلق والعزلة هو اتخاذ أصدقاء عرب كانوا محسوبين حتى وقت قريب ضمن تيار واحد مع الإمارات فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي مثل السعودية ومصر موقفاً أكثر قرباً من الفلسطينيين بشكل عام .
والأهم من ذلك أن عواطف الجمهور العربي الذي ظل محتقناً طوال الفترة السابقة للأحداث الأخيرة وهو يتابع التنكر الإماراتي لما يعتبره قضيته المركزية قد وجدت متسعاً للتعبير عن نفسها وسط موجة التضامن العام مع الفلسطينيين ، وأخذت الجماهير تهاجم الإمارات بالتزامن مع مهاجمة جرائم الاحتلال .
سخط جماهيري
وعلى الرغم من أن الإمارات حاولت تفادي سخط الجماهير من خلال إدانة محاولات التهجير التي أقدمت عليها السلطات الإسرائيلية في القدس الشرقية ، وكذلك إدانة اقتحام المسجد الأقصى ، فإن ذلك لم يكن كافياً لجعل الجمهور العربي يتغاضى عن السياسة الإماراتية المتحالفة مع إسرائيل والمعادية للمقاومة الفلسطينية .
ويرى محللون أن الإمارات أخطأت من حيث حاولت التذاكي ، فقد كان المبرر الذي ساقته الإمارات إبان توقيع اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل هو أنها تسعى للحيلولة دون اقتطاع الكيان المحتل لمزيد من الأراضي الفلسطينية ، وهي الذريعة التي سقطت بشكل واضح مع خطوات إسرائيل الأخيرة في القدس ، وفي حي " الشيخ جراح" تحديداً .
كما أن المحاولات الإماراتية لاحتواء الغضب الشعبي عربياً عبر تأكيد التزامها بالقضية الفلسطينية بقي محدود الأثر نتيجة لإصرارها على إطلاق أبواقها الإعلامية ضد المقاومة الفلسطينية وتحميلها مسؤولية تداعيات الصراع الذي تسببت به السياسات الإسرائيلية ، وهو ما يجعلها في صدام مع الكتلة الجماهيرية المتعاطفة مع المقاومة والمتحمسة لدورها في ردع العدوان الإسرائيلي .
تقادم الصورة السيئة
ومع أن الأحداث الأخيرة في فلسطين مثلت اكتمال الصورة السيئة للإمارات في ذهن غالبية الجماهير العربية ، إلا أن ملامح هذه الصورة أخذت تتشكل قبل هذه الأحداث ، وقبل ذهاب الإمارات في عقد شراكة رسمية علنية مع إسرائيل العام الماضي .
كانت الإمارات قد أخذت في اكتساب عداء عدد من الشعوب العربية خلال العقد الماضي من خلال مواجهة تطلعات هذه الشعوب للتحول الديمقراطي ، ووقفت أبو ظبي في صدارة الأنظمة العربية التي واجهت الثورات الشعبية في كل من تونس ومصر وسوريا واليمن .
وجاء الدور الإماراتي الساعي لتهميش القضية الفلسطينية التي تعتبر محل إجماع جماهيري عربياً ليكرس صورة الإمارات كعدو مناهض للآمال والمشاعر العربية الجماعية ، واستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يعني ، بالنسبة لمراقبين ، أن تستمر الإمارات في قلب السخط العربي الذي قد يصبح مع الوقت مكلفاً جداً بالنسبة لأبو ظبي