في 19 يونيو/ حزيران الماضي ، تمكنت قوات تدعمها دولة الإمارات العربية المتحدة من السيطرة على جزيرة سقطرى اليمنية ، وإخراج سلطتها المحلية الموالية للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً .
خرجت حينها الحكومة اليمنية ببيان شديد اللهجة ، اعتبرت فيه أن ما أقدم عليه ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي" في سقطرى انقلاباً مكتمل الأركان على الشرعية، ووعدت بأنها لن تتهاون مع الذي حدث، ونظرت إليه كإنهاء لما تبقى من أمل في تنفيذ اتفاق الرياض .
وكان كل من الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي وقعا في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 اتفاق الرياض الذي جاء لإنهاء الاقتتال بين الطرفين، والذي لم يفلح في الحيلولة دون إسقاط الانتقالي لسقطرى بعد توقيعه بأشهر، كما لم يكتب له التنفيذ الكامل منذ ذلك الحين.
لكن الحكومة اليمنية ، مع ذلك، عادت للتباحث في الرياض مع المجلس الانتقالي عقب انقلاب سقطرى، وأسفرت هذه المباحثات عن تشكيل وزاري جديد تضمن حقائب وزارية لصالح المتمردين المدعومين من الإمارات، لتعود الحكومة الجديدة في 30 ديسمبر/كانون الأول لتمارس مهامها من العاصمة المؤقتة عدن ، دون أن يعود معها محافظ الأرخبيل " رمزي محروس" .
ولم يصدر حينها عن الحكومة اليمنية، أو عن السعودية التي رعت الاتفاق وحاولت المضي به قدماً أواخر العام 2020 سوأ إشارة فضفاضة إلى ضرورة عودة الأمور في سقطرى إلى حالتها الطبيعة، وهو ما لم يحدث حتى الآن، بعد عام كامل على الواقعة، الأمر الذي عده مراقبون التفافاً على أحداث سقطرى، وسط اتهامات للحكومة بأنها قد سلمت بالأمر الواقع في الجزيرة التي أصبحت محافظة مستقلة في 2013، وأنها فعلت ذلك استجابة لضغوط سعودية .
صمت العاجز
كثير من المتابعين يرون أن ضعف الحكومة اليمنية ، وارتهانها للسعودية قد حرمها من ميزة متابعة الرفض لانقلاب سقطرى بنفس الجدية، فسرعان ما تلاشت حرارة رد الفعل الحكومي إزاء الانقلاب في المحافظة اليمنية التي تبعد عن العاصمة المؤقتة " عدن" قرابة 1000 كيلو متر .
ويجد الكاتب اليمني عبد الله شروح أنه " منذ البداية عمل التحالف على إفراغ الشرعية من أي فاعلية بمقدورها الوقوف أمام انحرافاته "، وتمثل إقامة الرئيس اليمني "عبده ربه منصور هادي " وحكومته في العاصمة السعودية " الرياض" إحدى أهم علامات ارتهان الشرعية للمملكة بحسب كثيرين .
وتابع شروح في تصريح للمهرية نت واصفاً الصمت الحكومي إزاء انقلاب سقطرى ونتائجه بأنه "صمت العاجز الذي اختار أن يداري عجزه بالسكوت " .
واستمرت الإمارات خلال الفترة الماضية في تعزيز وجودها داخل الأرخبيل باستحداث المعسكرات وإنزال معدات عسكرية عن طريق البحر ، بحسب تقارير دولية، واتهامات محافظ سقطرى الذي تم منعه من العودة منذ انقلاب العام الماضي، بينما لم يصدر عن الحكومة أي موقف من استمرار الأعمال المقوضة لسيادتها في سقطرى، وانشغلت بمحاولة تثبيت وجودها في عدن التي يسيطر عليها الانتقالي بالمثل .
وفي سبتمبر /أيلول 2020 وجه برلمانيان يمنيان استفساراً لرئيس الحكومة اليمنية " معين عبد الملك" حول عدد من الاستحداثات العسكرية الإماراتية في سقطرى، لكن رئيس الوزراء، المتهم على نحو واسع بالتواطؤ مع الإمارات، التزم الصمت حيال الاستفسار الذي لا يزال معلقاً حتى اللحظة ، وهو ما أثار مزيداً من الشكوك حول الصمت الحكومي فيما يتعلق بسقطرى .
مراهنة على السعودية
وعلى الرغم من أنه يبدو لشروح أن "السعودية قد أسلمت أمر السواحل والجزر اليمنية للإمارات" فإنه لا يستبعد أن يكون هناك تسوية سعودية - إماراتية من نوع ما في هذا الشأن، متابعاً للمهرية " لن نعرف شيئاً، على المدى القريب على الأقل، عن طبيعة الاتفاق بين الدولتين في هذا الشأن."
لكن هناك من المراقبين من يذهب إلى أن السعودية تعيش تنافساً حقيقياً مع الإمارات في سقطرى، ويعتقد أن ذلك التنافس يشرح الكثير عن طبيعة الإغفال الحكومي لما يحدث على الأرخبيل، رهاناً من الحكومة الشرعية على أن الرياض ستسعى بنفسها للتصدي للهيمنة الإماراتية هناك .
وكان ناطق التحالف، العميد السعودي "تركي المالكي " قد زار سقطرى في أبريل/نيسان من العام الحالي، وسط توقعات حكومية بأنه سيعمل على ترتيب أوضاع المحافظة بما يخدم عودة السلطة المحلية الموالية للرئيس هادي ، وهو ما لم يحدث حتى الآن .
وفي هذا السياق ، تحدث الصحفي "عبد الله السامعي" للمهرية نت أن "السعودية والإمارات لديهما تنافس فعلي في سقطرى ، وإن بقي هذا التنافس تحت السيطرة حتى الآن . "
ولم يستبعد السامعي أن تكون السلطة اليمنية الشرعية قد اندفعت نحو السعودية ومنحتها " تنازلاً في سقطرى بشروط أفضل "في سبيل إزاحة الإمارات التي لا تكترث سوا لمصالحها فقط، ولا تعير السلطة الشرعية أي احترام طالما أنها قد أوجدت وكيلها المحلي الخاص ، والمتمثل في الانتقالي .
وتحتفظ الرياض بوجود عسكري في سقطرى، خصوصاً منذ 2018 عندما أرسلت بعض الوحدات العسكرية في إطار إزالة التوتر بين الإمارات وحكومة " أحمد عبيد بن دغر" في ذلك الحين؛ كما كشف الموقع الاستخباري الفرنسي "انتلجنس أونلاين" أن السعودية تعمل على تعزيز حضورها العسكري الموازي للإمارات في الأرخبيل، وهو ما يعني أن ورقة الشرعية قد تكون عاملاً مهماً للسعودية في مسعاها ذاك.