في 15 يونيو/ حزيران، قدم مارتن غريفيث، مبعوث الأمم المتحدة الخاص المنتهية ولايته إلى اليمن، إحاطة أخيرة لمجلس الأمن، كان تقييم غريفيث للصراع ومساره في المستقبل صارخًا وقاتمًا، وكتب قائلا: "الوقت ليس في صالح اليمن، وعلى مدار الصراع، تضاعفت وتشتت الجهات الفاعلة المسلحة والسياسية، لم يتضاءل التدخل الأجنبي، وما كان ممكناً فيما يتعلق بحل الصراع منذ سنوات غير ممكن اليوم، وما هو ممكن اليوم قد لا يكون ممكنا في المستقبل".
وقال جريجوري دي جونسن، العضو السابق في فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة المعني باليمن، في مقال مطول نشرة «The Arab Gulf States Institute» في واشنطن - ترجمة "يمن شباب نت" – "غريفيث محق في أن يكون متشائما، وهو ثالث مبعوث خاص للأمم المتحدة يحاول ويفشل في إنهاء الحرب في اليمن، لم يقتصر الأمر على فشل غريفيث وأسلافه، ولكن على مدار فتراتهم المتعاقبة، ازداد القتال في اليمن تدريجيًا وبشكل ملحوظ".
وأضاف - في مقال بعنوان "صفقة كبرى لليمن" – "ما كان في الغالب نزاعًا ثنائيًا كان يتطلب اتفاقًا بين الحوثيين وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، أصبح الآن حربًا متعددة الأوجه مع ما لا يقل عن أربع مجموعات مسلحة محلية رئيسية ومجموعة متنوعة من القوى الخارجية، وكلها لابد أن توقع على أي اتفاق سلام شامل".
وأشار "اليمن بحاجة إلى نهج جديد، وبدون ذلك سيحقق المبعوث الخاص التالي نفس النتائج التي حققها الثلاثة السابقون، وستستمر الحرب، وستتسبب بتدحرج الدولة في مزيد من الانقسام إلى مناطق سياسية مستقلة يسيطر عليها زعيم الحرب الأقوى".
وقال الخبير الأممي "عندما يكون الصراع مستعصيًا على الحل مثل الصراع في اليمن، فإن الخيار المتاح هو محاولة حله على أجزاء، حيث يدفع المفاوضون باتجاه خطوات صغيرة، وتدابير لبناء الثقة، يأملون في أن تدفع الأطراف نحو حل، هذا لن ينجح في اليمن".
لقد أوضحت السنوات الست الأخيرة من الحرب أمرين:- أولاً، الأطراف اليمنية غير قادرة على حل هذا الصراع بمفردها في الواقع، يستفيد الكثير منهم مالياً من القتال ويعتقدون أنه من مصلحتهم على المدى الطويل هي إطالة أمد الصراع، وتتطلب المفاوضات تنازلات واستمرار القتال لا يتطلب ذلك.
ثانيًا، لن تنجح حلول الوجبات السريعة والخطوات المؤقتة، حاول غريفيث هذا مرارًا وتكرارًا، حيث أمضى جزءًا كبيرًا من العام الماضي في حملته من أجل "إعلان مشترك" لوقف إطلاق النار على المستوى الوطني والتدابير الإنسانية كخطوة أولى نحو محادثات السلام، هذا لم ينجح وكذلك لم تفعل اتفاقية ستوكهولم في ديسمبر 2018، الصفقة الوحيدة التي تمكن من التوسط فيها.
دعم دولي وخطة شاملة
في استوكهولم، رضخ غريفيث لضغوط ابرام صفقة لإظهار التقدم، لسوء الحظ تم التعجيل بهذه الصفقة بشكل سيئ وكانت معيبة بشكل مأساوي، فشل أحد البنود المتعلقة بمستقبل الحديدة في تحديد المقصود بـ "قوات الأمن المحلية"، مما سمح في النهاية لمجموعة من مقاتلي الحوثيين بتسليم السيطرة على المدينة إلى مجموعة أخرى.
كما أن اتفاق ستوكهولم بشأن تبادل الأسرى ربما يكون قد حفز، كما جادلت ندوى الدوسري، على أخذ الأسرى، ولعل الأهم من ذلك هو أن اتفاقية ستوكهولم سمحت للحوثيين بإعادة انتشار المقاتلين من الحديدة إلى مأرب، حيث يشاركون في الهجوم الحالي، وفق مقال الخبير الأممي.
وأوضح الكاتب "اليمن بحاجة إلى دعم دولي وخطة شاملة، إنها بحاجة إلى نوع من الصفقة الكبرى التي يمكن أن تربط جميع جوانب الصراع - المحلي والإقليمي - في حزمة واحدة، خلاف ذلك، يمكن لليمن أن ينزلق بسهولة إلى سيناريو كابوس، حيث تعقد المملكة العربية السعودية صفقة مع الحوثيين، وتُترك الحرب الأهلية المحلية دون معالجة، ويتضاءل الاهتمام الدولي مع الانسحاب السعودي، ويستمر القتال على الأرض".
بطبيعة الحال، لن يكون الانسحاب من هذه الصفقة الكبرى سهلاً، لكنها على الأرجح الفرصة الأخيرة للمجتمع الدولي لإعادة بناء اليمن كدولة واحدة، ونظرًا لتعقيدات مثل هذه الصفقة والجهات الفاعلة الدولية المختلفة المعنية، سيكون المبعوث الخاص التالي للأمم المتحدة في وضع فريد لقيادة مثل هذا الجهد.
مشاركة الولايات المتحدة
قيادة الولايات المتحدة ومشاركتها ضرورية ولكنها ليسا كافية للنجاح، حيث تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ كافٍ مع كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - وبالتالي حكومة هادي وكذلك المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يحتفظ بالسيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي في جنوب اليمن - لإيصال هذه الأطراف إلى أي صفقة سلام عادلة.
يمكن للولايات المتحدة أيضًا تقديم ضمانات أمنية للسعودية لحماية حدودها الجنوبية في حالة التوغل الحوثي أو الهجمات الصاروخية في المستقبل، لكن ما لا تستطيع الولايات المتحدة فعله هو إجبار الحوثيين على التفاوض بحسن نية، لذلك ستحتاج الولايات المتحدة إلى مساعدة إيران وعمان، وكلاهما يحافظ على علاقات جيدة مع الحوثيين.
يجب على الولايات المتحدة ربط الحوثيين والحرب في اليمن بالمفاوضات حول اتفاق نووي جديد لخطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران، والذي تجري مناقشته حاليًا في فيينا، في الوقت الحالي يرى الحوثيون أن استمرار الصراع في اليمن يصب في مصلحتهم، إيران - وهي واحدة من دولتين فقط تربطهما الحوثيين علاقات دبلوماسية - ستحتاج إلى إقناعهم بخلاف ذلك، سيتعين على الولايات المتحدة الاعتماد على المملكة العربية السعودية، وسيتعين على إيران الاعتماد على الحوثيين.
سيكون لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات، اللتين ساهمتا بالفعل بمبالغ كبيرة من المساعدات لليمن، دورًا رئيسيًا في تمويل إعادة الإعمار في اليمن، حيث على الرغم من أن فاتورة ذلك من المرجح أن تكون باهظة، إلا أنها ستظل أقل بكثير من الكلفة المستمرة لنزاع مفتوح في اليمن.
دور روسيا والصين
سيكون الدعم والمشاركة الروسية ضروريًا أيضًا ليس فقط في الأمم المتحدة، ولكن أيضًا لإقناع طارق صالح، الذي يقود قوات المقاومة الوطنية على ساحل البحر الأحمر، بأن أفضل ما يخدم مصالحه هو أن يكون جزءًا من دولة يمنية موحدة.
"طارق" ابن شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، سافر مؤخرًا إلى موسكو لإجراء مشاورات، وعلى عكس معظم الدول، لم تسحب روسيا سفارتها من صنعاء بعد استيلاء الحوثيين على السلطة في أواخر عام 2014، وبدلاً من ذلك عززت روسيا العلاقات مع علي عبد الله صالح، الذي كان حليفًا للحوثيين في ذلك الوقت، ولم تغلق سفارتها إلا بعد مقتله في عام 2017، وتتطلع روسيا الآن إلى أن تعيد بناء علاقتها مع عائلة صالح من خلال طارق.
وبالمثل، يمكن للصين، التي تتوق إلى توسيع مبادرة الحزام والطريق، وتتطلع إلى ممرات شحن هادئة واستقرار إقليمي، أن تلعب دورًا إيجابيًا في تشجيع مختلف أطراف النزاع على التفاوض تحت رعاية الأمم المتحدة، سيكون الدعم الروسي والصيني ضروريًا في مجلس الأمن، حيث سيحتاجان إلى دعم برنامج عقوبات مجدد للحد من المفسدين.
فرصة أممية أخيرة
عينت الأمم المتحدة ثلاثة مبعوثين خاصين إلى اليمن، لقد ترك كل منهم منصبه دون اتفاق، وكما أشار غريفيث، يستمر الصراع في التعقيد أكثر من أي وقت مضى، سيكون المبعوث الخاص التالي هو المحاولة الرابعة للأمم المتحدة، وقد يكون آخر مبعوث خاص لديه فرصة لإعادة بناء اليمن كدولة واحدة.
وقال الخبير الأممي "إن القضم على أطراف صفقة ما والمزيد من الجولات الدبلوماسية المكوكية لن يفعل شيئًا سوى إطالة حرب طويلة بالفعل في اليمن، وحان الوقت للتغيير ولأن يقود المبعوث الخاص نهجًا دوليًا حقيقيًا".
وأضاف: "البديل هو دولة ممزقة ومشرذمة، لا تسيطر عليها مجموعة واحدة بشكل كامل، في مثل هذا السيناريو، من المرجح أن يزداد الوضع الإنساني سوءًا، وسيتم تحدي الممرات الملاحية وحرية الملاحة، ويمكن للفرع المحلي للقاعدة في اليمن والذي تتم ملاحقته حاليًا، أن ينعش نفسه ويشكل مرة أخرى تهديدًا على الغرب".