واشنطن- حاورت الجزيرة نت 4 خبراء عسكريين ودبلوماسيين مخضرمين في الشأن الأفغاني، حول توقّع الاستخبارات الأميركية بشأن عزل حركة طالبان العاصمة الأفغانية كابل عن بقية البلاد خلال 30 يوما، والسيطرة عليها خلال 3 أشهر.
وشارك هؤلاء الخبراء في الحرب بأفغانستان خلال السنوات الماضية، وتحدّثوا عن قدرة طالبان على السيطرة على كل أفغانستان بما فيها كابل، وسرعة التقدم "المفاجئة" في الولايات غير البشتونية شمالا وغربا.
فإذا كان هذا تقدير المخابرات المركزية الأميركية، فلماذا لا تتدخل واشنطن، مبكرا وبشكل فعال، لوقف تقدم طالبان؟ وبعد عقدين من الوجود العسكري هناك، هل تشكل أفغانستان أي أهمية لدى واشنطن؟
يقول آدم وينشتين، المحارب السابق في أفغانستان، وخبير الشؤون الأفغانية بمعهد كوينسي، إن وزارة الدفاع الأفغانية لا تظهر حاليا أي إستراتيجية دفاعية منسّقة، في حين تتحمل وحدات النخبة والقوات الخاصة وطأة القتال، ولكنها لا تستطيع بمفردها كبح جماح طالبان.
ويعتقد وينشتين أنه "يتعين على الحكومة الأفغانية الاحتياط سريعا، كي تعرقل سقوط كابل؛ فحملة طالبان العسكرية ستصل إلى نقطة محددة ولن تتمكن من التقدم بعدها إذا ردّت القوات الأفغانية بطريقة منسقة".
واعتبر أن الضربات الجوية الأميركية تتطلب قوة شريكة على الأرض لكي تكون فعالة، وقال "يمكن لواشنطن أن تعمل معوّقا مؤقّتا لتقدم طالبان، لكن ذلك، ببساطة، يعرقل التقدم ولا يقضي عليه".
وأضاف وينشتين "استقرار أفغانستان مهم لمصالح الولايات المتحدة، لكن الإبقاء على قواتها هناك إلى أجل غير مسمى، مع تحقيق طالبان مكاسب تدريجية، لا يخدم المصالح الأميركية".
أما مايكل روبين، المسؤول السابق بوزارة الدفاع، وخبير السياسة الخارجية بمعهد "أميركان إنتربرايز"، فرأى أننا نشهد تكرارا لعملية غزو طالبان الأولى لأفغانستان، حيث تتقدم قواتها بزخم يجعلها مستعدة للتوصّل إلى صفقات مع القادة المحليين الذين يرون الأميركيين ضعفاء، ويقدّرون براعة طالبان العسكرية.
وقال روبين "من الممكن سقوط كابل خلال الأشهر الثلاثة القادمة، ويمكن لطالبان أن تحاصر العاصمة فعليا بقطع جميع الطرق الرئيسية إليها. كما ستوفر باكستان لها الموارد التي تحتاجها".
وفي الوقت نفسه، يضيف روبين "كل ما يتعين على طالبان هو شراء ورشوة بعض المسؤولين في كابل، لتغاضيهم عن تسلل قواتها أو قيامها بعمليات لإرهاب السكان، ليتدفق اللاجئون خارج العاصمة، ويتم إخلاؤها بما يسهل السيطرة عليها".
وألقى روبين باللوم على الإدارة الأميركية فيما آلت إليه الأوضاع بأفغانستان، وقال إن "هذا قرار سياسي واضح من جو بايدن بصفته رئيسا للبلاد وقائدا أعلى للقوات المسلحة، ومن كبار مساعديه جيك سوليفان وأنتوني بلينكن، الذين لطخت أيديهم بدماء الأفغان".
يقول روبين "إنهم يعاملون الأفغان ككرة في مباراة رياضية، وهذا أمر غير أخلاقي وضار ليس بالأفغان فحسب، ولكن بالأميركيين أيضا".
وباعتقاد روبين، إن بايدن "لا يؤمن بأهمية أفغانستان، لكنه سيعلم قريبا مدى أهميتها عندما يسيطر عليها المتطرفون الذين سيمنحون الإرهابيين ملاذا آمنا".
من جهته، يرى ديفيد دي روش، الأستاذ بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، أن الحرب في أفغانستان تاريخيا ركزت بشكل أقل على القتال في ساحة المعركة، وبصورة أكثر على دور القادة المحليين، الذين تتغير ولاءاتهم.
يقول دي روش إن القادة المحليين الذين هُمّشوا على مدى سنوات، ينقلبون الآن ضد قوات الحكومة المركزية (الصغيرة) في مناطقهم، وكان ذلك متوقعا. لكن ما لم نتوقعه تواصل طالبان مع مجموعات عرقية أخرى، من غير مؤيديها التقليديين بين البشتون، كتحالفهم مع البلوش في نمروز، والأوزبك والتركمان في شيرنيغان.
ولا يعتقد دي روش أن كابل معرضة لخطر السقوط قريبا، وأن هذا لن يحدث إلا بعد سقوط مدن أخرى كقندهار التي كانت تقليديا عاصمة لطالبان.
ويشير المقاتل السابق في أفغانستان، إلى تراجع الحاميات الحكومية في المناطق النائية التي تسكنها مجموعات إثنية مختلفة، أمام طالبان. لكنه يعتقد أنه بمجرد اقتراب القتال من المناطق التي يعيش فيها مقاتلو الحكومة الأفغانية، فإن تقدم طالبان سيتعطل.
ويؤمن دي روش أن بايدن اتخذ "قرارا جريئا بالانسحاب من جانب واحد. ومن المؤكد أنه لم يتشاور مع حلف شمال الأطلسي (ناتو) والشركاء الآخرين، قبل إعلان ذلك. بل ربما لم يتشاور مع كبار مساعديه في الحكومة الأميركية".
ويعتقد دي روش أن الرئيس "كان يرغب في ذلك منذ فترة طويلة، ويشعر بأن توسيع وجود الولايات المتحدة في أفغانستان سيطيل، ببساطة، أمد الوجود هناك على حساب المصالح الأميركية".
ويرى دي روش أنه "إذا سقطت كابل، أو أعاد تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية تجميع قواهم في أفغانستان، واستأنفت هجماتها على المصالح الغربية، فمن المرجح أن يؤدي انسحاب بايدن إلى القضاء على آمال الديمقراطيين في الاحتفاظ بالسيطرة على الكونغرس والبيت الأبيض".
ومن المثير للاهتمام، حسب دي روش، أن كلا من ترامب وبايدن أرادا الانسحاب من أفغانستان، "لكن ترامب استمع إلى مستشاريه، في حين أصدر بايدن ما يبدو أنه مرسوم أحادي الجانب بالانسحاب".
ويقول الخبير العسكري إن أفغانستان لم تكن محورية في المصالح الأميركية، لكن عندما اتخذها تنظيم القاعدة هناك ملاذا آمنا لمهاجمة الولايات المتحدة، أصبح لواشنطن مصلحة في القضاء على ذلك الملاذ.
وهذه السياسة المتغيرة كانت عرضة للانحراف والابتعاد عن الهدف الأساسي، كما يقول دي روش. ولذا، "سنتجادل حول نتائج الانسحاب لسنوات قادمة، بيد أنه لم تكن هناك أي مصلحة أميركية مباشرة في التورط بأفغانستان بعدما تم القضاء على الملاذ الآمن للإرهابيين فيها".
أما مارفن وينباوم، مدير برنامج أفغانستان بمعهد الشرق الأوسط والمحلل السابق في وحدة الاستخبارات بوزارة الخارجية الأميركية، فيعتقد أن استيلاء طالبان على عواصم المقاطعات والسرعة التي تقدمت بها، يشكلان مفاجأة حتى للمراقبين المحنّكين، وربما حتى لحركة طالبان ذاتها.
ويرى وينباوم أن خط الدفاع الثاني للقوات الحكومية -المتمثل في المليشيات الإقليمية والمحلية- مخيب للآمال حتى الآن. لكن الاختبار الحقيقي هو ما إذا كانت هذه المليشيات قادرة على وقف تقدم طالبان في قندهار ومزار الشريف وهيرات.
كما يرى أنه مع استمرار زخم حملة طالبان -كما في الأسابيع القليلة الماضية- فليس من غير الواقعي الاعتقاد بأن كابل ستكون معزولة ومحاصرة في غضون 3 أشهر. وعند هذه النقطة يمكن أن تسقط الحكومة.
يقول وينباوم إن الخطورة تظهر في اعتقاد الحكومة أن خط دفاعها الأخير يتمثل في حشد وتسليح المواطنين ضد طالبان، "وأستغرب كيف يمكن وقوف قوات من المدنيين ضد مقاتلي الحركة المحنكين والمسلحين تسليحا جيدا؟"
ولا يتفق وينباوم مع قرار إدارة بايدن المصمم على الانسحاب العسكري بحلول نهاية أغسطس/آب الجاري. وقال "قد تكون (إدارة بايدن) مقتنعة بالإبقاء على انتشار محدود حاليا للقوة الجوية، ولكن فائدة الطائرات الأميركية ضد طالبان في المناطق الحضرية المزدحمة، مشكوك فيها. وقد تقتل من المدنيين أكثر مما تقتل طالبان".
وختم وينباوم حديثه بالتأكيد على أن الولايات المتحدة "ستكتشف مدى أهمية أفغانستان لمصالحها عندما تغادرها، فوجود نظام طالبان في أفغانستان سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة. وينبغي أن نقلق أكثر من آثار ذلك كله على باكستان المجاورة والمسلحة نوويا".