تكثر القصص التي واجهت التحديات في هذا البلد، لكن التحديات التي واجهتها مرام طيلة سبعة وعشرين عاما ستظل في ذاكرة مدينة الحوطة ولحج عقودا من الزمن. ومن المؤسف أن تنسى المدينة ماخلفته الحرب في ساق مرام، ففي حرب 94 بترت ساق مرام وهي دون العاشرة كواحدة من أقسى النتائج التي ما زال أثرها حاضرا في آخر صفحات المدينة العاجزة عن نسيان صراع 2015 م.
مرام خالد ثلاثينية تقول بحسرة إنها "تعرضت لحادث مروع أثناء حرب العام 94م عندها بترت أحد ساقيها وهي في سن صغير، وتضيف: بترت بعد تعرضها لشظايا من قذيفة دبابة، الأمر الذي أجبرها على استبدال الساق بآخر صناعي.
بساق صناعية وآمال كثيرة، قررت مرام تحدي الحياة وتجاوزها، وأصرت على مواصلة الدراسة وإنهاء الثانوية العامة. لم يكن حلم الدراسة إلا البداية في حياة مرام رغم حالتها النفسية من وضع ساقها.
بعد حصول مرام على شهادة الثانوية بمعدل جيد قررت الانخراط في العمل الطوعي لمساعدة ذوي الهمم في مدرسة الاحتياجات الشاملة بمدينة الحوطة بلحج لتستمتع بهذا العمل الإنساني، فقد بذلت كل ما بوسعها لتقديم نموذج حي وأفضل في المدرسة مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وتستطرد مرام "الإعاقة ليست عقبة أمام أحلام الإنسان وطموحه، فهو يقدر أن ينجح مهما كبرت الإعاقة".
وتشكو مرام من نوع آخر من الإعاقة تقول إنه قاسٍ، بل ويبالغ في قسوته تجاهها، في إشارة منها للمجتمع العاجز عن فهم شغف مرام بالحياة والعمل في سبيل خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، معبرة عن هذا الحال بقولها: "ليس هناك معاق، ولكن هناك مجتمع معيق".
ورغم كل هذا، تمارس حياتها كبقية الناس في المدينة، ولكنها تختلف عنهم من ناحية الشغف وحلم تحقيق طموحها لمواصلة الدراسة الأكاديمية والالتحاق بالجامعة. ما زالت مصرة، لكن ظروفها الصحية والمادية حالت دون تحقيق ذلك.
ما يبهج مرام في عقدها الثالث كل صباح ليس إلا قليلا من الدعم المعنوي في مدرسة الاحتياجات والإشادة بدورها كمعلمة لفئة تحتاج الرعاية والاهتمام، إذ يشار إلى أنها تبذل كل ما في وسعها وطاقتها للتعامل مع الأطفال من فئة ذوي الهمم إلى جانب الصداقة التي تربطها مع المعلمات والأطفال في المدرسة.
أما رأي مرام في العمل التطوعي فتقول إن العمل التطوعي كان حلما وتحقق.
مضت مرام متسلحة بالأمل والصبر مرددة مقولة: "لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس"، واستطاعت أن تحول كومة الألم التي خلفتها الحرب إلى حياة ناجحة، فهي تحظى بثقة واحترام إدارة المدرسة وطاقمها المتطوع.
ولم تكن مرام إلا واحدة من مئات الفتيات اللاتي لم تستطع الحرب التأثير على حياتهن وأحلامهن، ففي كل مدينة وريف ثمة قصة وخلفية، وإن غياب قصة ما لا يعني غياب الحياة.