لم يتوقّف عدّاد الاغتيالات عن الدوران في العاصمة الموقتة عدن، منذ تدخلت الإمارات ضمن عاصفة الحزم في اليمن، حيث تواصل مقصلة الإرهاب تصفية النخب والوجاهات والمؤثرين في المحافظة، في ظل غياب تام ليد العدالة.
وصباح السابع من ديسمبر الجاري، اغتيل القيادي بحزب الإصلاح في عدن "إيهاب باوزير"، الذي يشغل مدير تحفيظ القرآن بمكتب التربية بمحافظة عدن.
ويعدّ "باوزير" أحدث ضحايا جرائم الاغتيالات في العاصمة المؤقتة، وقد لا يكون آخرهم في ظل غياب العدالة، وعدم توقّف مسلسل هذه الجرائم منذ اغتيل محافظ عدن الأسبق جعفر سعد في أكتوبر 2015، بعد شهرين فقط من تحرير المدينة من المليشيا الحوثية.
وسبق اغتيال باوزير، سلسلة طويلة من الاغتيالات التي شهدتها عدن، مستهدفة عسكريين ودعاة وسياسيين ونشطاء، مناهضين للأجندة الإماراتية، التي تنتهك للسيادة اليمنية وتعادي المشروع الوطني.
وفي وقت سابق، كشفت إحصائية صادرة عن "منسقية مناصرة ضحايا الاغتيالات في عدن" (هيئة حقوقية)، أن مدينة عدن شهدت منذ يوليو 2015، ما لا يقل عن 200 حالة تصفية جسدية، طالت خيرة رجالات عدن وكوادرها، وجميع هذه الحالات قُيدت ضد مجهول.
واعتبر نشطاء في الهيئة أن "الأجهزة الأمنية في عدن أداة من أدوات الاغتيالات، طالما أنها أظهرت حرجًا وعجزًا في متابعة وكشف مرتكبي تلك الجرائم".
وتوسعت عمليات الاغتيالات عقب تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا في مايو 2017، كما زادت الجرائم منذ انقلبت مليشيا الانتقالي الشرعية اليمنية وسيطرت على العاصمة المؤقتة عدن، في أغسطس 2019.
"هاني بن بريك" وراء تصفية الدعاة
في يوليو من العام 2019، تسربت وثائق رسمية عن "النيابة العامة في عدن، تتحدث عن مشاركة هاني بن بريك في التخطيط لجرائم اغتيالات أدت إلى مقتل أكثر من 120 مواطناً بينهم ثلاثين داعية في عدن، لأسباب سياسية في الفترة من 2015 إلى 2018.
وكشفت وثائق النيابة عن خلية اغتيال الشيخ سمحان الراوي، أول ضحايا الاغتيالات الدينية في مدينة عدن، مشيرةً إلى أن المسدس الذي قُتلَ به الشيخ سمحان الراوي حصل عليه القتلة من هاني بن بريك (نائب رئيس المجلس الانتقالي) شخصياً، وأن الخلية المكونة من ثلاثة أشخاص يتبعون مليشيات الحزام الأمني المدعومة إماراتياً، تخلصت من جثة الراوي برميها في منطقة بعيدة.
كما أكدت الوثائق أن الخلية التقت الضابط الإماراتي الملقب بـ"أبو سلامة" في شقة بعدن بعد قتلها الشيخ راوي، وأكدت محاولة بن بريك تهريب المتهمين بقتل الشيخ راوي من السجن، وأنه طلب منهم تغيير أقوالهم في محاضر التحقيقات مقابل تهريبهم إلى خارج البلاد.
وعقب اغتيال الشيخ الراوي، توالت عمليات الاغتيالات ضد مشائخ ودعاة سلفيين وشخصيات إصلاحية، منهم الشيخ ياسين العدني، والشيخ راوي العريقي، فهد اليونسي، وعادل الشهري، والقيادي في الإصلاح بلال الميسري، وقبلهم الشيخ عبدالرحمن العدني والشيخ صالح بن حليس وقائمة طويلة من الكوادر والشخصيات والمشائخ، وهو ما يكشف أنها جاءت وفق كشف جرى إعداده مسبقًا.
استئجار مرتزقة أجانب لتنفيذ الجرائم
وتمارس الإمارات جرائمها في اليمن بواسطة أدوات محلية (يتبعون الانتقالي) أو من خلال استئجار مرتزقة أجانب، تستأجرهم لتنفيذ عمليات اغتيالات.
وفي منتصف أكتوبر 2018، كشف موقع "بازفيد نيوز" الأمريكي، المتخصص بالصحافة الاستقصائية، عن استئجار الإمارات مرتزقة لتنفيذ اغتيالات في مدينة عدن (جنوبا)، من بينها عملية اغتيال استهدفت في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2015، "انصاف علي مايو" رئيس فرع حزب الإصلاح في عدن، في مقره بمنطقة كريتر، لكنها فشلت.
وبحسب الموقع الأمريكي، فإن العملية قادها مدير شركة "سبير أوبريشن غروب" إبراهام جولان، وهو مقاول الأمن الإسرائيلي الهنغاري الكاريزمي الذي يعيش خارج بيتسبرغ. حيث اعترف إبراهام أن فريقه كان مسؤولا عن عدد من الاغتيالات البارزة في الحرب خلال الفترة التي استغرقتها الشركة منذ أشهر في اليمن رغم أنه رفض تحديد اي منها، بحسب الموقع الأمريكي "بازفيد".
ورغم المعلومات والاعترافات التي كشفها الموقع الامريكي عن المرتزقة الذين جلبتهم الإمارات لتنفيذ جرائم الاغتيالات في عدن، إلا أنه لم تفتح تحقيقات رسمية للنظر في تلك التفاصيل، في ظل سيطرة المليشيا المدعومة إماراتيًا على العاصمة المؤقتة.
وليس ذلك فحسب، فقد ذهب فريق الخبراء الأممي المعني باليمن، في تقريره الصادر في يناير 2019، إلى تحديد مسؤولية قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة إماراتيًا عن عمليات اغتيال عدد من علماء الدين والناشطين السياسيين وقيادات في حزب الإصلاح بعدن.
ورغم كل هذه المعلومات وغيرها، ما تزال العدالة غائبة ومرتبكي الجرائم يسرحون ويمرحون، دونما عقاب، وسط اتهامات مكثفة لسلطات الأمر الواقع المدعومة إماراتيًا، بالضلوع المباشر في عمليات الاغتيالات، كما أنه لا وجود لأي تحركات جدية من جانب الحكومة والرئاسة والمجتمع الدولي، لوقف آلة الإرهاب التي باتت مكشوفة وواضحة للعيان.
ويتفق مراقبون وسياسيون وناشطون على أن جرائم الاغتيالات التي تشهدها العاصمة المؤقتة عدن تهدف لإفراغها من النخب والوجاهات والشخصيات الثقيلة والمؤثرة، لصالح مشاريع الخراب وأجندة الفوضى التي تمولها دولة الإمارات.