الرئيسية - تقارير - هجمات الحوثيين الصاروخية على الإمارات: الأبعاد والسيناريوهات

هجمات الحوثيين الصاروخية على الإمارات: الأبعاد والسيناريوهات

الساعة 06:00 مساءً (هنا عدن ـ مركز الجزيرة للدراسات - علي الذهب)

 

ناقش هذه الورقة أبعاد الهجمات الحوثية الأخيرة على الإمارات، وعلاقتها بالعمليات الميدانية التي قادتها ألوية العمالقة، المدعومة من أبوظبي، للسيطرة على مناطق استراتيجية من محافظتي شبوة ومأرب، وتُبرِز ملامح التأثيرات العسكرية والسياسية والاقتصادية لهذه الهجمات، وتستعرض السيناريوهات المتوقعة لتداعياتها، وترجِّح بينها.



تعرَّضت العاصمة الإماراتية (أبوظبي)، يومي السابع عشر والرابع والعشرين من يناير/كانون الثاني 2022، لسلسلة من الهجمات العنيفة، بالصواريخ الباليستية، والطائرات غير المأهولة (المسيَّرة دون طيَّار)، نسبتها جماعة الحوثي (أنصار الله)، في اليمن، إلى نفسها، وقد طالت الهجمات الأولى جانبًا من مطار أبوظبي، وصهاريج نفطية بمنطقة مُصفَّح الصناعية، الواقعة جنوب غربي أبوظبي بنحو 25 كلم، وطالت الثانية قاعدة الظفرة الجوية، في المنطقة ذاتها.

جاءت الهجمات في الوقت الذي كانت، ولا تزال، فيه المعارك البرية محتدمة بين ألوية العمالقة المدعومة من الإمارات، وبجانبها قوات الحكومة المعترف بها دوليًّا، وبين قوات جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، في محافظتي مأرب وشبوة، شرقي وجنوب شرقي اليمن، ثم جاء ردُّ التحالف، سريعًا، بعدة غارات، وُصفت بأنها الأعنف منذ تدخل التحالف العربي عام 2015.

تناقش هذه الورقة الجوانب المختلفة لهذه الهجمات، مركِّزةً على أبعادها، وارتباطها بسلسلة الغارات الجوية، التي شنَّتها، على نحو متواصل، طائرات التحالف العربي، بقيادة السعودية والإمارات، على مناطق استراتيجية تقع تحت سيطرة جماعة الحوثي، خلال شهري ديسمبر/كانون الأول 2021، ويناير/كانون الثاني 2022، والعمليات الميدانية التي قادتها ألوية العمالقة المدعومة من الإمارات، للسيطرة على مناطق استراتيجية من محافظتي شبوة ومأرب، ثم تُبرِز الورقة ملامح التأثيرات العسكرية والسياسية والاقتصادية للهجمات، والتصورات المتوقعة لها، وفقًا لردود الأفعال الناشئة عنها.

 

أولًا: أبعاد هجمات جماعة الحوثي على الإمارات

ارتبطت هجمات جماعة الحوثي على الإمارات بعدة أبعاد شكَّلت، في الوقت ذاته، دوافع لهذه الهجمات، وهذه الأبعاد عسكرية وسياسية، ذات صلة بمجريات الحرب والسلام في اليمن، فضلًا عن الأبعاد الاستراتيجية المتعلقة بإيران، التي تمثل المحرك العسكري الفاعل لجماعة الحوثي، وصانع تهديداتها الاستراتيجية، التي توظفها، ضمن مجموعة أدوات تفاوضية، لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، الذي وقَّعت عليه مع دول (1+5)، ثم انسحبت منه الولايات المتحدة الأميركية، وأعادت عقوباتها على إيران، عام 2018؛ حيث تستغل إيران رغبة إدارة الرئيس بايدن، في العودة إلى الاتفاق، بشرط وقف إيران دعمها للجماعات الإقليمية المسلحة، التي من ضمنها جماعة الحوثي، فضلًا عن برنامجها الصاروخي الباليستي، وموقفها من إسرائيل(1).

فعلى صعيد الأبعاد العسكرية، جاءت الهجمات الصاروخية على الإمارات، استجابة لتداعيات تحولات عسكرية مفاجئة، شهدتها مناطق الصراع في اليمن، وتجسَّد ذلك في عملية إعادة الانتشار، التي نفذتها ألوية العمالقة، التابعة للقوات المشتركة، والمدعومة إماراتيًّا، في محافظتي الحُديِّدة وتَعِز، خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2021(2)، والعمليات العسكرية التي نفذتها هذه الألوية في محافظتي شبوة ومأرب، عقب انتقال نحو سبعة ألوية منها، ضمن عملية إعادة التموضع، إلى هاتين المحافظتين، في يناير/كانون الثاني 2022، واستعادتها أربع مديريات من قبضة جماعة الحوثي(3). إضافة إلى إعلان التحالف ما وصفه بعملية "حرية اليمن السعيد"، التي قال المتحدث باسم التحالف، العقيد تركي المالكي: إنها ذات بُعد تنموي، مؤكدًا على استمرار القتال في مختلف المحاور والجبهات(4).

كذلك، شكَّلت نتائج سلسلة الغارات التي شنَّتها طائرات التحالف على مناطق استراتيجية في صنعاء والحديدة، دافعًا آخر للهجمات الصاروخية، وبالطائرات غير المأهولة، لجماعة الحوثي، على الإمارات؛ حيث طالت معاقل حساسة يُعتقد أنها دمَّرت مخازن زاخرة بالأسلحة، ومراكز للقيادة والسيطرة، ومعامل لتجميع الطائرات غير المأهولة، وقادة عسكريين، وما أثير بشأن وفاة السفير الإيراني، لدى جماعة الحوثي، حسن إيرلو، التي قيل إنها كانت نتيجةً لواحدةٍ من هذه الغارات، على أنَّ إيران أعلنت أن وفاته كانت نتيجة لإصابته بفيروس كورونا (كوفيد-1919)(5).

وقد مهَّد، كلُّ ما سبق ذكره من الأبعاد والدوافع، لقوات الحكومة المعترف بها دوليًّا، الانتقال من وضعية الدفاع، التي ظلَّت عليها أكثر من عامين، إلى وضعية الهجوم؛ ما ترتَّب عليه انكسارات متتالية لجماعة الحوثي، خسرت فيها مناطق عديدة كانت تحت سيطرتها، في محافظات الحديدة، وتعز، ومأرب، وشبوة، وتعرُّض قواتها للتشتت في عدة جبهات، وتراجع كفاءتها، والسيطرة عليها، فضلًا عن الخسائر الفادحة في القوى والوسائل؛ نتيجةً لغارات طائرات التحالف، والعمليات الميدانية(6).

وربما كان لتلاشي آمال جماعة الحوثي، في السيطرة على مأرب، والوصول، بعد ذلك، إلى شبوة، وهما منطقتان غنيَّتان بالنفط والغاز؛ دور آخر في انتقامها من الإمارات، عبر الهجمات الصاروخية. ومما يدعم ذلك ما كشف عنه أحد قياديي الجماعة، من أن هذه الهجمات ردٌّ طبيعي على نكث الإمارات تعهداتها بوقف مواجهة جماعته، وهذا التبرير قد يكون مقبولًا في حدود معينة ومؤقتة؛ إذ ينطوي ذلك على محاولات كيدية لتعزيز شكوك الحكومة المعترف بها دوليًّا، إزاء موقف الإمارات منها؛ حيث قال: إنَّ التصعيد الإماراتي، فرض على جماعته سلوك تصعيد مقابل(7).

أما الأبعاد والدوافع المرتبطة بإيران، فتتمثل في استغلال إيران لهذه الضربات في مفاوضاتها بشأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، إضافةً إلى أن ضلوع إيران، بأية طريقة، في هذه الهجمات، من شأنه تقوية أقوى وأخطر أذرعها الاستراتيجية جنوبي الجزيرة العربية؛ ليس لأهمية دورها في هذه المفاوضات فحسب، بل وفي مشروع إيران التوسعي القائم على تعظيم الجيوبوليتك الشيعي(8). وهنا، لا يمكن إغفال تزامن الهجمات الصاروخية الأولى على أبوظبي، في 17 يناير/ كانون الثاني 2022، مع وجود كبير المفاوضين الحوثيين، محمد عبد السلام، في طهران، ولقائه الرئيس، إبراهيم رئيسي، وكذلك لقائه قبلها، بأسبوع، مع وزير خارجية إيران، أمير حسين عبد اللهيان، في العاصمة العُمانية، مسقط.

لعل مما يعزز هذا المذهب، تضاعف عمليات تهريب الأسلحة القادمة من إيران إلى الحوثيين، خلال التحولات الأخيرة في مسار الحرب، التي شهدها الربع الأخير من عام 2021، ومطلع هذا العام 2022، ولا أدلَّ على ذلك من اعتراض ومصادرة البحرية الأميركية أكثر من أربع سفن محملة بالأسلحة والمواد الانفجارية، شمالي بحر العرب، خلال هذه الفترة، بينما كانت في طريقها إلى جماعة الحوثي، مع ما كشفه دور البحرية الأميركية، من ارتباط، متعددٍ، بالأبعاد والأطراف المختلفة للحرب في اليمن، بما فيها المفاوضات النووية، التي تحاول واشنطن، تضمينها وقف دعم إيران للجماعات الإقليمية العنيفة، ومن ذلك جماعة الحوثي كما سبقت الإشارة(9).

 

ثانيًا: تداعيات هجمات جماعة الحوثي على الإمارات

عقب هجمات السابع عشر من يناير/كانون الثاني 2022، أعلنت شرطة أبوظبي، وفاة ثلاثة أشخاص، وإصابة ستة آخرين. وعقب هجمات الرابع والعشرين من الشهر ذاته، أعلنت وزارة الدفاع الإماراتية أنَّ دفاعاتها الجوية اعترضت ودمَّرت صاروخين باليستيين، دون وقوع أية خسائر بشرية، أما التأثيرات النفسية فيمكن القول: إنها كانت فوق المتوقع. وأما جماعة الحوثي، فعادة ما تبالغ في تقدير التداعيات المادية المباشرة، غير أنها، هذه المرَّة، أغفلت ذلك، وجاء في بيان الهجمات الثانية، التي أُطلق عليها "عملية إعصار اليمن الثانية"، أنها نُفِّذت بمجموعة من الصواريخ الباليستية، من طراز "ذو الفقار"، استهدفت قاعدة الظفرة في أبوظبي، وطائرات صَمَّاد-3 (دون طيار)، استهدفت مواقع حيوية في دبي(10).

 

التداعيات العسكرية

على صعيد نشاط طيران التحالف، لم يُلحظ أي تراجع في عملياته التي ينفذها في الخطوط الأمامية للقتال، بين القوات التي يدعمها، وقوات جماعة الحوثي، فيما ازدادت وتيرة هجماتها، واتسع نطاق استهدافها في صنعاء، والحديدة، وصعدة، والجوف. وقد كان من أبرز ما أفضت إليه هذه العمليات بمدينة صنعاء، مقتل مدير كلية الطيران والدفاع الجوي، السابق، العميد الطيار عبد الله قاسم الجُنيد، الذي وصفته مصادر في التحالف بأنه مسؤول الطائرات غير المأهولة لدى جماعة الحوثي، وأنه كان مجتمعًا مع قادة عسكريين حوثيين، وقال التحالف، كعادته: إن هذه الغارات فرضتها الضرورات العسكرية، وجاءت متوافقة مع القانون الدولي الإنساني، وقواعده العرفية(11).

في السياق، قالت جماعة الحوثي: إنَّ الغارات طالت أهدافًا مدنية، وإن القائد العسكري المستهدف تقاعد من الخدمة العسكرية، إضافة إلى أن الغارات خلَّفت ضحايا مدنيين. وعلى نحو ذلك، وصفت استهداف مركز احتجازٍ أمني بمدينة صَعدة، واستهداف مرفق للاتصالات بمدينة (ميناء) الحُديِّدة، نجَم عنه انقطاع خدمة الإنترنت في معظم مناطق البلاد، مدة أربعة أيام (21-24 يناير/كانون الثاني)، على أنَّ التحالف نفى وقوفه وراء ذلك، وقال: إنَّ الغارات استهدفت مراكز للقرصنة البحرية، والجريمة المنظمة، مستغِلًّا الاستجابات الدولية المندِّدة بحادثة اختطاف جماعة الحوثي للسفينة الإماراتية "روابي"، قبالة سواحل الحُديِّدة، في 3 يناير/كانون الثاني 2022(12).

على الصعيد الميداني، لم تتأثر العمليات التي تنفذها ألوية العمالقة، المدعومة إماراتيًّا، غربي محافظة شبوة وجنوب غربي محافظة مأرب؛ حيث أعقب الهجومين اللذين استهدفا الإمارات، تقدمٌ واسعٌ لهذه الألوية هناك، وأسفر عنه السيطرة على مديرية حَرِيب، والتقدم نحو مركز مديرية الجُوبة بمأرب، ثم الانطلاق، في محور ثانٍ، وبجانبها قوات حكومية أخرى، لاستكمال السيطرة على ما تبقى من مديرية عَيْن بشبوة، ومديرية العَبْدية المجاورة لها(13).

إلى ذلك، عاودت القوات الحكومية بمحافظة تعز، عملياتها في مديريتي مَقْبَنة وجبل حَبَشي، عاكسةً عدم التأثر بهجمات جماعة الحوثي على الإمارات والسعودية، بل إن التقدمات والمكاسب التي أحرزتها القوات في شبوة ومأرب، مثَّلت حافزًا لاستئناف قتال جماعة الحوثي هناك، وهذا ما لا يمكن أن يحدث إلا بالتنسيق مع قيادة التحالف العربي. وينطبق هذا التوصيف على استئناف القوات الحكومية القتال في مديرية الصفراء بصعدة، ودخول وحدات جديدة من ألوية العمالقة، ووحدات فرعية متخصصة (مجموعة من الكتائب لم يكشف عن عددها)، في القتال الدائر جنوب غربي مأرب، وشرقي شبوة، وفي سياق المرحلة الجديدة للتحالف، الموصوفة بعملية "حرية اليمن السعيد"(14).

 

التداعيات السياسية

بعد مرور عشرة أيام على الهجمات الأولى لجماعة الحوثي، لم تشهد عملية السلام في اليمن، حراكًا واقعيًّا وملموسًا، واقتصر ذلك على تصريحات رؤساء وممثِّلي الهيئات والمنظمات، الإقليمية والدولية، الداعية إلى الامتثال لمساعي الحل السِّلمي للأزمة اليمنية، ووقف العنف الدائر منذ حوالي سبع سنوات. ونستثني من ذلك نشاط المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، الذي التقى، في 20 يناير/كانون الثاني 2022، نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، وبحث معه السبل الكفيلة بتحقيق السلام. كذلك، محاولة الرُّباعية الاقتصادية (بريطانيا، والولايات المتحدة الأميركية، والسعودية، والإمارات)، استئناف نشاطها، وما أثاره ذلك من أسئلة، إزاء توجُّهها لوقف التصعيد الحالي، على غرار دورها في اتفافية ستوكهولم لعام 2018، بشأن الحُديِّدة، الموقَّعة بين الحكومة المعترف بها دوليًّا، وجماعة الحوثي(15).

من جانب آخر، استأثرت الإمارات بالاستجابات السياسية، إزاء تعرُّضها للهجمات، بحصولها على إجماع إقليمي ودولي، أعرب عن تضامنه معها، والتنديد بما تعرضت له، خصوصًا موقف مجلس الأمن الدولي، التي هي عضو غير دائم فيه للفترة من 2022-2023، وإعلان الولايات المتحدة عزمها إعادة النظر في إلغائها جماعة أنصار الله (جماعة الحوثي)، من قوائم الإرهاب لديها، الذي أقرَّته إدارة الرئيس جو بايدن، في فبراير/شباط 2021(16). وإلى ذلك، أكَّد القرار الصادر عن مجلس جامعة الدول العربية، على مستوى مندوبي الدول الأعضاء، في دورته غير الاعتيادية، المنعقدة في 23 يناير/كانون الثاني 2022، على حق الإمارات في الدفاع عن نفسها، وردِّ العدوان، وفقًا للقانون الدولي، وتوجيهه الدعوة إلى مجلس الأمن إلى الوقوف، بحزم، أمام اعتداءات جماعة الحوثي على الإمارات والسعودية(17).

في سياق ذلك، لا نغفل القمَّة الثلاثية، التي عُقدت بأبوظبي، في 26 يناير/كانون الثاني 2022، بين زعماء مصر والإمارات والبحرين، وما أبدته مصر من موقف داعمٍ للإمارات، في الدفاع عن نفسها، وإن كان لهذه القمة دوافع أخرى، من أبرزها التحديات والقضايا التي تحيط بالقمة العربية المفترض انعقادها بالجزائر، في مارس/آذار القادم(18).

ومما قد يكون ذا صلة، أنَّ إعلان الولايات المتحدة الأميركية، قبول الحوار المباشر مع إيران، بشأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، عقب الدعوة التي وجَّهتها إيران، نفسُها، إلى الولايات المتحدة؛ جاء في اليوم الذي تعرَّضت فيه الإمارات للهجمات الحوثية الثانية. ومعلومٌ أن سياسة إيران تجاه جماعة الحوثي، والجماعات الإقليمية المسلحة، التي تمدُّها بمثل الصواريخ الباليستية، والطائرات غير المأهولة، التي هاجمت بها الامارات تُعدُّ من أهم نقاط الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران، حول عودة الأولى إلى هذا الاتفاق. ولا يختلف هذا التحول عمَّا أعادت الإمارات التأكيد عليه، من أنها ماضية في خفض التصعيد في المنطقة، وانتهاج الدبلوماسية، مع احتفاظها بحقها في الدفاع عن نفسها(19).

 

التداعيات الاقتصادية

عقب الهجوم الأول أُغلق، منخفضًا، مؤشر سوق أبوظبي للأسهم، وفي اليوم الذي وقعت فيه الهجمات الثانية، لوحظ على مؤشر سوق دبي المالي، تراجعه، أثناء تعاملاته الصباحية، إلى 3162.7 نقطة، بما نسبته 1.39%. ومع ذلك، فإنَّ بورصة أبوظبي، قد ارتفعت أثناء تعاملاتها الصباحية إلى 8718 نقطة، أي ما نسبته 0.14%. لذلك ثمة من يرجِّح أن التداعيات الاقتصادية الراهنة لهذه الهجمات لا تزال طفيفة، أما إذا تكررت، مستهدفةً قطاعاتٍ حسَّاسة، مثل: الكهرباء، والنفط، والاستثمارات السياحية في دُبي، فإن التداعيات ستتعاظم أكثر(20). وفي هذا السياق، قد لا يكون مصادفةً أن تُعلِن دائرة التنمية الاقتصادية بإمارة أبوظبي، في 25 يناير/كانون الثاني 2022، عن إلغاء أكثر من 20 ألف متطلَّبٍ لترخيص الأعمال، والتي تمثِّل 71% من كافة متطلبات ترخيص الأعمال البالغة 28,788 متطلَّبًا(21).

 

ثالثًا: السيناريوهات المتوقعة

وفقًا للمعطيات الراهنة، يمكن تصور السيناريوهات المتوقعة، ضمن سياقين، هما: التصعيد والتهدئة، وذلك كما يلي:

 

سيناريو التصعيد

يشمل هذا التصعيد عمليات القوات المنخرطة تحت مظلة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، في محافظتي مأرب والبيضاء. حيث يُتوقع المضي، في أسرع وقت ممكن، في استعادة المناطق التي تشكِّل خطرًا على مركز محافظة مأرب، وهي مناطق تمتد على شكل هلال، من شمال غربي مأرب، إلى جنوبيِّها (رغوان، ومدغل، والجوبة، وصرواح، العبدية)، إضافة إلى المناطق الواقعة غرب هذا الهلال. ومواصلة تمشيط ما تبقى من مديرية عين في محافظة شبوة، وصولًا إلى المناطق التي تقع على الحدود معها في محافظة البيضاء. وقد يشمل التصعيد عمليات عسكرية واسعة في محافظات تعز، وإب، وبدرجة أقل الجوف، والضالع.

استجابة لذلك، ستتعرض الإمارات، وبدرجة أقل السعودية، لهجمات صاروخية عدائية متقطعة، خلال مُدد زمنية متباعدة، شهريًّا، ونصف شهريٍّ، تُقابل بغارات موجعة من طائرات التحالف، في وقت تكون فيه الإمارات، قد اتخذت تدابير دفاعية ذاتية، أو بواسطة قواعد حلفائها الموجودة على أراضيها (الولايات المتحدة، وفرنسا)، وحدَّدت مصادر التهديدات تحديدًا موثوقًا، والتعامل معها، بوصفها اختبارًا لقدراتها الدفاعية، راهنًا ومستقبلًا.

 

سيناريو التهدئة

يشير هذا السيناريو، وهو الأرجح، إلى التهدئة التدريجية المراوغة في مجريات القتال على الأرض، مع توقف التهديدات الصاروخية على الإمارات، وتراجعها لدى السعودية. ويرتبط هذا السيناريو بقدرة مساعي السلام على خلق هذا الوضع، سواء عبر دور المبعوث الأممي، أم عبر استئناف الدور العُماني، وبما يُحرَز في مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني. غير أنَّ هذا السيناريو لن يحقق تهدئة كاملة وشاملة، فقد تعود المعارك إلى المناطق الملتهبة حاليًّا، وما جاورها، إلى وضعية القتال المتأرجح بين الدفاع والهجوم، التي كانت سائدة خلال عامي 2020-2021؛ بحيث تعمل القوات المنخرطة تحت مظلة الحكومة المعترف بها دوليًّا، على إحراز تقدم تدريجي، وهذا ما قد يدفع الحوثي إلى معاودة التصعيد، بالهجمات على الإمارات والسعودية، أو القبول بالأمر الواقع في حال انعكست مفاوضات الاتفاق النووي، سلبيًّا، عليه، من ناحية القدرة على مهاجمة الإمارات.

 

خاتمة

ناقشت هذه الورقة الهجمات الصاروخية التي تعرَّضت لها الإمارات، في يناير/كانون الثاني 2022، وأعلنت جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران المسؤولية عنها، وقد تبيَّن أنَّ أبعادها متصلة بالنكسات التي تعرَّضت لها هذه الجماعة، وما يمثِّله ذلك من ضَعفٍ لموقف إيران في مفاوضاتها بشأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وضَعف حليفها الوحيد، في جنوبي الجزيرة العربية. أما تداعيات هذه الهجمات، فإنها لم تكن ذات أثر مادي عميق، مقارنة بالأثر النفسي والمعنوي. وعلى ضوء ذلك، فإن تراجع هذه الهجمات قد يحدث، لكنها لن تنقطع تمامًا، لفرضية استمرار الحرب، ومصالح محرِّكيها الإقليميين، مع اختلافٍ في هذا التراجع، بين الإمارات والسعودية.