عاد الهولندي فرانك هوغربيتس الذي يصف نفسه أنه عالم زلازل -رغم عدم وجود أي ورقة بحثية منشورة باسمه على الإنترنت- لإثارة الجدل من خلال تغريدة نشرها عبر حسابه على موقع إكس قبل أيام، أرفق فيها صورة نشرها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تُظهر حجم المتفجرات التي ألقاها الجيش الإسرائيلي على غزة حتى الآن ومقارنتها بالقدرة التدميرية لقنبلة "الولد الصغير" النووية التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما في اليابان نهاية الحرب العالمية الثانية.
العالم الهولندي المثير للجدل يحذر من زلزال كبير سببه قصف غزة
وكتب هوغربيتس "على العالم أن يجبر إسرائيل على وقف هذا الجنون. بصرف النظر عن الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، سيكون لهذا القصف في النهاية تأثير زلزالي كبير على المنطقة وسيؤدي إلى تسريع حدوث زلزال كبير على طول فالق البحر الميت. هذا غباء الإنسان". لكن إلى أي درجة كلام هوغربيتس صحيح من الناحية العلمية؟
في إجابة على سؤال "هل يمكننا استخدام المتفجرات لإحداث زلازل صغيرة من أجل منع حدوث زلازل كبيرة؟"، تجيب هيئة المسح الجيولوجي في الولايات المتحدة بـ "لا". وتشير الهيئة إلى أنه حتى الكميات الضخمة من المتفجرات لا تسبب زلازل حتى وإن كانت صغيرة، وقد يستغرق الأمر مئات وآلاف الزلازل الصغيرة لتعادل زلزالًا كبيرًا، في حال كان من الممكن تحريضها.
إلى ذلك، تقول الهيئة إنّ انفجارًا نوويًا يمكن أن يتسبب في حدوث زلزال وحتى سلسلة من الهزات الارتدادية. ومع ذلك، فإن الزلازل الناجمة عن الانفجارات تكون أصغر بكثير من الانفجار، وتنتج هزات ارتدادية أقل وأصغر من زلزال مماثل الحجم. لكن الهيئة تشير إلى أنه ليس بالضرورة أن يتسبب انفجار نووي في حدوث زلازل.
ورغم أن حجم القصف الإسرائيلي على غزة تجاوز، من ناحية حجم المتفجرات، قنبلتين نوويتين من تلك التي ألقيت على هيروشيما، إلّا أنّها ناتجة عن إلقاء آلاف القنابل والصواريخ الممتد لشهر، وليست في مكان واحد، وبالتالي، فإن الطاقة الناتجة موزعة على مناطق متعددة في كافة أنحاء غزة، وليست طاقة متجمعة تؤدي للوصول إلى نقطة التحول المسببة لحدوث الزلازل كما في الأمثلة التي تسبب فيها انفجارات نووية ضخمة في حدوث هزات.
ويقول أستاذ الفيزياء الكندي في جامعة تورنتو كين يب تشان، في مدونة على موقع "ريسيرشر غيت" للأبحاث المحكّمة، إنه لا يمكن للقصف العنيف (باستخدام الأسلحة التقليدية) بأي حال من الأحوال أن يؤدي إلى أنشطة زلزالية محلية يمكن مقارنتها ولو من بعيد بتلك التي يتم إجراؤها من خلال اختبارات أسلحة نووية كبيرة (عشرات آلاف الأطنان من مادة تي إن تي)، إلى حد ما تحت الأرض.
من جانبه، قال الأستاذ في المعهد الدولي لهندسة الزلازل في إيران، قميار زامن، إن القصف يخلق موجات زلزالية "ولكن هنا أود أن أؤكد أنه ما لم يكن القصف نوويًا، فإن حجمه يكون صغيرًا جدًا ولن يتم الشعور به على مسافة بعيدة. وحتى الكشف عنها باستخدام أجهزة قياس الزلازل واسعة النطاق سيكون مشكلة بسبب مصادر الضوضاء وانخفاض نسبة الإشارة إلى الضوضاء".
وأضاف زامن "إذا كان لديك انفجار نووي على السطح، فسوف تحصل على قوة أعلى بالقرب من موقع الانفجار، ولكن التوهين سيكون أعلى بكثير بسبب فقدان جزء من الطاقة إلى الغلاف الجوي. إذ تبلغ قوة الانفجارات النووية تحت الأرض ما بين 4-5 ميغاوات، لكن ذلك يعتمد على وزن الحمولة ونوعها. وعند الإشارة إلى الزلازل، لا يمكن لأي سلاح من صنع الإنسان أن يتسبب في زلزال بقوة 6 ميغاوات أو أكثر لأنك ستحتاج إلى آلاف إن لم يكن ملايين الأطنان من المواد الانشطارية النووية. كما أنه لا يمكن لأي سلاح أن يتسبب في حدوث خطأ، وبالتالي فإن هذا الخطأ يسبب زلزالًا بدوره".
تجدر الإشارة إلى أن أكبر زلزال تم قياسه على الإطلاق من خلال الانفجارات المُفتعلة بسبب الأسلحة كان بقوة 4.9 درجة على مقياس ريختر؛ والذي نجم عن تجربة قنبلة تسار بومبا النووية التي سببت انفجارًا بقوة 50 ميغاطن، أي أكثر من 3000 ضعف انفجار قنبلة هيروشيما.
وفي هذا السياق، كتبت الباحثة في الجيولوجيا الهيكلية في جامعة كورتين الأسترالية، جين كونين، على موقع ذا كونفرزيشن الخاص بالباحثين، أن زلزالًا بهذا الحجم يمكن أن يسبب أضرارًا محلية ولكنه لا يؤثر على سمك القشرة الأرضية بالكامل. وهذا يعني أنه لن يكون له أي تأثير على حركة الصفائح التكتونية.
كما تُظهر البيانات التاريخية المستمدة من التجارب النووية (معظمها في الولايات المتحدة الأميركية)، التي سببت انفجاراتٍ ضخمة، أن الزلازل المرتبطة بالانفجارات تحدث عادةً عندما تكون قوة الانفجار نفسه أكبر من 5 درجات، بعد 10 إلى 70 يومًا من الاختبارات، وعلى أعماق أقل من 5 كيلومترات، وأقرب من حوالي 15 كيلومترًا إلى موقع الانفجار.
وخلصت دراسات أحدث إلى أنه من غير المرجح أن تؤدي التجارب النووية إلى حدوث زلازل على بعد أكثر من 50 كيلومترًا من موقع الاختبار. وبالنظر إلى أن حجم المتفجرات موزّع على مناطق متعددة في قطاع غزة، وعلى أيام عديدة، وبالنظر إلى أن غزة تبعد أكثر من 100 كيلومتر عن فالق البحر الميت، يبقى ادعاء هوغربيتس بعيدًا عن ما تقوله الوقائع العلمية.