القدس المحتلة- تتنافس شركات الصناعات الأمنية الإسرائيلية الحكومية والخاصة على مناقصة لحماية حدود أذربيجان، تبلغ قيمتها 1.1 مليار دولار، وهو ما يعكس عمق العلاقات الإستراتيجية بين تل أبيب وباكو، حيث توطدت العلاقة بينهما على أساس تحالف المصالح، على خلفية التوترات المتزايدة تجاه إيران.
كما يزور العاصمة الأذرية باكو الأسبوع المقبل وفد إسرائيلي برئاسة وزير التعاون الإقليمي دافيد أمسالم، وهو المسؤول أيضا عن الشركات الحكومية، ويشارك في الوفد معه رئيس شركة الصناعات الجوية عمير بيرتس، ورئيس شركة "رافائيل" يوفال شطاينتس، والمدير التنفيذي لشركة "ماجال" أرنون برام، والمدير التنفيذي لشركة المياه "مكوروت" عميت لانج، حيث سيجري الوفد الإسرائيلي جلسات واجتماعات عمل مع وزير حماية الحدود الأذربيجاني ووزير النقل ووزير الاقتصاد.
ووُجهت في أوساط شركات الصناعات الأمنية الإسرائيلية الخاصة انتقاداتٌ شديدة اللهجة إلى توقيت زيارة الوزير على رأس وفد حكومي يتضمن شركة الصناعات الجوية الحكومية، بالتزامن مع المداولات في المناقصة التي تتنافس عليها الشركات الأمنية الحكومية والخاصة في تل أبيب، بحسب ما أفادت صحيفة "كلكليست" الاقتصادية.
وتعتبر زيارة أمسالم الأولى لمسؤول إسرائيلي لباكو منذ أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتأتي في سياق تعزيز التعاون ومناقشة سبل إنجاز مشروع تحصين وحماية الحدود الأذربيجانية خاصة في مسارها مع إيران.
بيد أن الانتقادات التي وجهتها الشركات الإسرائيلية الخاصة لتوقيت الزيارة، وفقا لتقديرات الصحيفة الاقتصادية، تأتي في سياق التنافس بين الشركات الحكومية والخاصة في تل أبيب على الفوز بمناقصة تأمين الحدود الأذربيجانية، والمخاوف من مغبة أن تتسبب هذه الزيارة بحسم المناقصة لصالح الشركات الحكومية.
وتتضمن المناقصة مشروع حماية وتحصين المطار الدولي في باكو، وتتنافس فيها مع شركة "ماجال" الحكومية الإسرائيلية شركتان إسرائيليتان خاصتان وشركة تركية، وتبلغ قيمتها عشرات الملايين من الدولارات، مع إمكانية تحصين العديد من المواقع في البلاد في المناقصات المستقبلية.
بيد أن المناقصة الكبرى، بحسب ما كشف عنه مراسلا صحيفة "كلكليست" جولان حزاني ويوفال أزولاي، تتمحور حول حماية وتركيب دروع إلكترونية ووضع أنواع أخرى من التحصينات التكنولوجية على طول الحدود الأذربيجانية ومع إيران أيضا.
وقدرت الصحيفة أن وجود وزير إسرائيلي في أسبوع دراماتيكي من حيث المناقصة يمكن أن يضغط على الأذربيجانيين ويجعلهم يختارون شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية.
تطورت العلاقة بين إسرائيل وأذربيجان في تسعينيات القرن الماضي، وترسخت العلاقات الإستراتيجية بينهما عندما قررت أذربيجان في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 فتح سفارة في إسرائيل، بينما كان لتل أبيب سفارة في باكو منذ عام 1993.
وأجمعت القراءات للمحللين ومراكز الأبحاث الإسرائيلية أنه يمكن فهم افتتاح باكو السفارة في تل أبيب على خلفية نتائج حرب إقليم ناغورني قره باغ الثانية التي وقعت عام 2020، والدعم الإسرائيلي الذي حصلت عليه، وكذلك التوترات المتزايدة بين إيران وأذربيجان.
وتعكس مناقصة تأمين الحدود اعتماد العلاقات بينهما على المشاريع الأمنية التي تنفذها شركات إسرائيلية لصالح أذربيجان، وعلى التعاون المشترك في مجالات التكنولوجيا والإلكترونيات والطاقة والنفط، ومشاريع البنى التحتية.
وتتمتع الصناعات الجوية الإسرائيلية والهيئات الأمنية في أذربيجان بتعاون وعلاقات عميقة وطويلة الأمد، وذلك على خلفية سلسلة صفقات الأسلحة التي أبرمت بينهما في الماضي، حيث تم بعضها بوساطة وزارة الدفاع الإسرائيلية، وتشمل هذه المعاملات والصفقات بيع نظام الدفاع الجوي "باراك 8″، والأقمار الصناعية الاستخباراتية التي تستخدمها قوات الأمن الأذربيجانية.
ووفقا لما نشرته وسائل إعلام إسرائيلية، فقد اشترى الأذريون أيضا صواريخ أرض-أرض متقدمة من طراز "لورا" من الصناعات الجوية الإسرائيلية، حيث استخدم الجيش الأذربيجاني هذه الصواريخ خلال جولاته القتالية في إقليم ناغورني قره باغ.
وتصدرت طبيعة العلاقات الإستراتيجية بين إسرائيل وأذربيجان العناوين في سبتمبر/أيلول 2023، عندما بدأ الجيش الأذربيجاني حملة لضم الإقليم، وسبق العملية العسكرية قطار جوي من الأسلحة الذي غادر إسرائيل إلى باكو، بحسب الباحثة في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب الدكتورة جاليا ليندنشتراوس، وذلك بالتزامن مع زيارة المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية اللواء المتقاعد إيال زامير إلى أذربيجان.
وقدرت أنه في مقابل دعم تل أبيب العسكري لباكو، وبالنسبة للأسلحة التي تبيعها شركات الصناعات العسكرية والأمنية لأذربيجان، فإن ذلك يمكن إسرائيل من الوصول إلى حدودها الطويلة والمشتركة مع إيران.
من وجهة نظر إيران، تقول الباحثة الإسرائيلية إن توطيد العلاقات بين إسرائيل وأذربيجان يوفر لتل أبيب فرصة لتعميق وجودها ونفوذها في مجالات الأمن والاستخبارات، بما في ذلك استخدام أراضي أذربيجان لنشاط إسرائيلي ضد أهداف في إيران.
وفي سياق توطيد العلاقات الأمنية والمشاريع بين تل أبيب وباكو، نقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" عن مصدر أمني إسرائيلي رفيع قوله إن "سبب علاقة إسرائيل الجيدة مع أذربيجان لا يتعلق فقط بحدودها مع إيران، بل كونها دولة مسلمة أرادت علنا إقامة علاقة دبلوماسية معنا، وتعزيز المشاريع في مجال الطاقة، ومستعدة لبيع النفط لإسرائيل بسعر منخفض".
وقال الباحث في معهد "ترومان" في الجامعة العبرية في القدس الدكتور حين برام إنه كان لإسرائيل إنجاز كبير بتوطيد العلاقات مع أذربيجان التي هي دولة غنية بالطاقة، كما أنها مركز ضخم لنقل الطاقة إلى أوروبا والشرق الأوسط، وهناك العديد من تقاطعات الخطوط والبنية التحتية التي تمر عبر إسرائيل.
ويضيف برام في حديثه للصحيفة إن "إسرائيل اكتسبت علاقة إستراتيجية مهمة ونادرة مع دولة إسلامية معتدلة وغنية جدا ومؤثرة، مثل أذربيجان التي حصلت بالمقابل على أسلحة متطورة ومعرفة استخباراتية وتكنولوجيا عسكرية، وكذلك دعم سياسي من إسرائيل وهو أمر مهم بالنسبة لباكو".