نشرت مجلة “ناشيونال انترست” الأمريكية تقريراً كشفت فيه المزيد من المعلومات التي كانت واشنطن تتحفظ على الاعتراف بها بخصوص ما تفعله الهجمات اليمنية على السفن الحربية الأمريكية ومنها ما تحدث به مسؤولون أمريكيون عن الهجوم الأخير الذي شنته صنعاء على حاملة الطائرات الأمريكية “أبراهام لينكولن” ومدمرتين أخريات في كل من البحر العربي والبحر الأحمر قبل أيام.
وقالت المجلة، “في تطور جديد يعكس التحديات المتزايدة التي تواجه البحرية الأمريكية في المياه الإقليمية الاستراتيجية، واصل الحوثيون في اليمن تصعيد هجماتهم على السفن العسكرية الأمريكية، مُهدّدين المدمرات الأمريكية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. الهجوم الأخير الذي شنته القوات الحوثية ضد مدمرتين أمريكيتين باستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ، لم يسفر عن إصابات مباشرة، ولكن نجح في إبراز نقاط الضعف في الأسطول البحري الأمريكي السطحي، مما أثار مخاوف جدية حول الجاهزية الأمريكية لمواجهة خصوم أكثر تطوراً مثل الصين”.
وبينما تمكنت الدفاعات الأمريكية من اعتراض معظم الهجمات الحوثية، إلا أن الحادث يسلط الضوء على ضعف بعض القدرات في الأسطول البحري الأمريكي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالصواريخ الباليستية المضادة للسفن والطائرات المسيّرة. كان هذا الهجوم بمثابة جرس إنذار يشير إلى أن الحوثيين، الذين يمتلكون قدرات عسكرية أقل تطوراً مقارنة بالخصوم الأكبر مثل الصين، قد أصبحوا يشكلون تهديداً خطيراً على القوة البحرية الأمريكية في المنطقة.
ووفقاً لتقرير مجلة “ناشيونال إنترست”، فإن الهجمات الحوثية خلال العام الماضي كانت غير مسبوقة في نطاقها ومدى تأثيرها على السفن الأمريكية. ففي حادثة الصيف الماضي، تعرضت حاملة الطائرات الأمريكية “دوايت د. أيزنهاور” لخطر شديد عندما اقترب صاروخ باليستي مضاد للسفن من ضرب السفينة على مسافة 200 متر فقط، وهو ما شكل تحدياً كبيراً للدفاعات البحرية الأمريكية التي كانت تعتمد على قدرتها في التعامل مع مثل هذه الهجمات. وعلى الرغم من أن الحاملة نجحت في اجتياز “اختبار إطلاق النار”، إلا أن القلق الأمريكي دفع إلى سحب الحاملة إلى مناطق أكثر أمانًا بعيداً عن متناول الحوثيين.
وفي الوقت نفسه، قرر الحوثيون توسيع نطاق هجماتهم لتشمل السفن الأمريكية وحلفاءها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وذلك في وقت تتصاعد فيه التوترات الإقليمية المتعلقة بالصراع في غزة ولبنان. الجماعة، التي أعلنت مراراً أنها تقوم بهذه الهجمات رداً على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، تسعى إلى تعزيز قدراتها العسكرية وفرض تحديات جديدة أمام القوى البحرية الكبرى.
لكن ما يثير القلق أكثر هو أن هذه الهجمات من قبل الحوثيين تشكل نموذجًا لما قد تواجهه البحرية الأمريكية في المستقبل إذا نشب صراع مع قوة كبرى مثل الصين. الخبراء العسكريون يرون أن الحوثيين، رغم محدودية قدراتهم، قد نجحوا في تطوير استراتيجيات بحرية معقدة تتضمن استخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية ضد السفن الحربية، وهو ما يكشف عن فجوات كبيرة في الدفاعات الأمريكية. في الواقع، يبدو أن ما يفعله الحوثيون اليوم هو مجرد تجربة لما قد تفعله دول مثل الصين، التي تمتلك تقنيات أكثر تطوراً، ضد السفن الأمريكية في حال اندلاع حرب بحرية.
ويؤكد بيل لابلانت، وكيل وزارة الدفاع لشؤون المشتريات والاستدامة، أن الهجمات الحوثية على المدمرات الأمريكية تظهر مدى قدرة الجماعة على تهديد الأسطول الأمريكي، رغم ضعف إمكانياتها مقارنة بالقوى البحرية الكبرى. وقد يدفع ذلك الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الدفاعية، خاصة في مواجهة التهديدات المتزايدة التي قد تأتي من دول مثل الصين وروسيا.
وفي ضوء هذه التطورات، يصبح من الواضح أن الحوثيين قد أصبحوا يمثلون تهديداً أكثر تعقيدًا للقوة البحرية الأمريكية، ويجب على واشنطن اتخاذ إجراءات عاجلة لتحسين استعداداتها ضد هذه الأنواع من الهجمات. في الوقت نفسه، قد تشهد السنوات القادمة تحولًا في الاستراتيجيات العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر، بما في ذلك تعزيز الدفاعات البحرية وتحسين التعاون مع الحلفاء في المنطقة لمواجهة هذه التهديدات المتنامية.
كما أن إدارة الرئيس الأمريكي المقبلة، سواء كانت برئاسة ترامب أو غيره، قد تجد نفسها أمام خيار تبني استراتيجيات أكثر عدوانية للتعامل مع هذه الهجمات، على غرار الإجراءات التي تم اتخاذها ضد داعش خلال ولاية ترامب الأولى. وبالنظر إلى تقدم الحوثيين في تكتيكاتهم الهجومية، فمن المرجح أن يتغير موازين القوى البحرية في المنطقة بشكل جذري في السنوات القادمة.