في العام 2026 أعلنت دولة الإمارات عن تأسيس وزارة للتسامح، في خطوة دعائية بزعم تعزيز قيم التعايش واحترام الآخر، لكن الواقع الذي تجلى في العقد الأخير هو نقيض هذه الصورة الساذجة تماماً مع تكريس أبوظبي نظام القمع والاستبداد.
وأبرز موقع (daraj) الإخباري أن الإمارات باتت اليوم واحدة من أكثر الدول إثارة للقلق في الشرق الأوسط بسبب أدوارها الإقليمية المتزايدة التي تعتمد على القمع والتدخل في شؤون الدول الأخرى بذريعة الأمن الإقليمي، إلى درجة بلغت حد التعاون مع ميليشيات مسلّحة في اليمن والسودان متّهمة بارتكاب مجازر وانتهاكات متعددة.
وكان يُنظر إلى إيران كقوة إقليمية تستخدم الميليشيات والجماعات المسلحة التابعة لها لتحقيق أهدافها، اختارت الإمارات أدوات مشابهة وأكثر تنوعاً، بما في ذلك المال والدبلوماسية السرية والتأثير الإعلامي والتكنولوجي ولوبيات الضغط في العواصم الكبرى.
وهذه الأدوات جعلت دور الإمارات أكثر تأثيراً، لكنها في الوقت ذاته أثارت حفيظة الكثيرين بعد تصاعد النفوذ الإماراتي الخفي والمعلن في الكثير من الأزمات.
حديثاً، برز الدور الإماراتي بشكل صادم عندما فرضت الإمارة نفوذها من خلال الضغط على السلطات اللبنانية لتسليم الشاعر عبدالرحمن القرضاوي المواطن المصري- التركي، خطوة لا قانونية ولا دستورية وأثارت مخاوف انتقادات واسعة، إذ أظهرت الإمارات عدم اكتراثها بتداعيات هذه الخطوة على سمعتها الدولية.
وبداية الشرارة للتحولات التي شهدتها الإمارات بدأت خلال فترة الربيع العربي وانطلاق الاحتجاجات التي أثارت قلق الإمارة ومخاوفها من ارتداد هذه الانتفاضات عليها، فأبدت تحفظاتها على الثورات وانتقدت الدور القطري حينها.
سريعاً ما انتظمت الإمارات في سياق ما سمي بـ”الثورات المضادة”، فسعت الى التأثير إعلاميا أو سياسياً أو أمنياً في الدول التي شهدت ثورات، مستخدمة نفوذها المالي والسياسي.
في تونس، عززت الإمارات نفوذها عبر دعم نظام الرئيس قيس سعيد، الذي اتخذ إجراءات تقوض مكتسبات الثورة التونسية، إذ جمّد البرلمان وعزّز سلطته ونفوذه الشخصي عبر إزاحة معارضيه وكم أفواه الصحافة والناقدين.
وفي مصر، كان الدور الإماراتي واضحاً في تقديم الدعم المالي والسياسي لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أتى إلى الحكم بعد انقلاب عسكري، مقوياً نفوذ المؤسسة العسكرية في مختلف المجالات خصوصاً تقويض مجالات حرية التعبير والتظاهر.
وعلى رغم هذه المساعدات، تعاني مصر من انهيار اقتصادي غير مسبوق، إذ لم تُترجم هذه الصفقات المالية إلى تحسين أوضاع الشعب المصري بل إلى مزيد من تمكين السيسي.
أما في السودان، فقد ساهمت التدخلات الإماراتية في تعقيد الوضع السياسي والإنساني، إذ دعمت أطرافاً متصارعة ما أدى إلى إطالة أمد الأزمة هناك.
وفي غزة، لا تزال تداعيات صفقات التطبيع الخليجي مع إسرائيل تلقي بظلالها على القطاع المحاصر، بخاصة مع عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى السلطة، وهو الذي كان من أبرز داعمي هذه الصفقات وعراب اتفاقيات أبراهام.
وفي اليمن، لعبت الإمارات دوراً محورياً في الحرب، إذ لم يقتصر تدخلها على الجانب العسكري فقط، بل ركزت على السيطرة على الجنوب من خلال دعم الانفصاليين، تاركة السعودية في مواجهة استنزاف طويل مع الحوثيين.
ولم تخفِ الإمارات رغبتها في بسط سيطرتها على جزيرة سقطرى ذات الموقع الاستراتيجي، والتي أبوظبي حولتها إلى وجهة سياحية تحت سيطرتها المباشرة.
حادثة اعتقال القرضاوي البعيدة تماماً من المواثيق الدولية ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها حادثة اعتقال عاصم غفور قبل أكثر من عامين، المحامي الأميركي لجمال خاشقجي، أثناء عبوره مطار دبي، حيث احتُجز لأسابيع عدة قبل الإفراج عنه.
وحادثة اعتقال القرضاوي البعيدة تماماً من المواثيق الدولية ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها حادثة اعتقال عاصم غفور قبل أكثر من عامين، المحامي الأميركي لجمال خاشقجي، أثناء عبوره مطار دبي، حيث احتُجز لأسابيع عدة قبل الإفراج عنه.
هذه الحوادث المتكررة تعكس سياسة إماراتية قمعية عابرة للحدود، تُظهر مدى تغلغل نفوذها في المنطقة، وعلى رغم من أنها تبدو غريبة أو حتى جديدة للبعض، إلا أن المتابع لملف الإمارات الحقوقي يدرك تماماً وحشية سجونها ومدى قمعها.
أخيراً، يبدو أن الإمارات مستمرة في لعب دور شرطي المنطقة، غير مكترثة بتداعيات أفعالها على سمعتها الدولية أو على علاقاتها مع دول الجوار، ومع استمرار هذا النهج، فإن المنطقة مهيأة لمزيد من التحولات السياسية، إذ تسعى الدول العربية إلى إعادة تقييم تحالفاتها ومواقفها من الدور الإماراتي الذي بات مكشوفاً للجميع.