الرئيسية - أخبار محلية - خاض اليمنيون حروبا عنيفة في سبيل القضاء على الاخر المختلف "وفشلوا".. والمحصلة انه لا وحدة أو تجزئة "بالقوة"

خاض اليمنيون حروبا عنيفة في سبيل القضاء على الاخر المختلف "وفشلوا".. والمحصلة انه لا وحدة أو تجزئة "بالقوة"

الساعة 03:52 مساءً

هنا عدن | مقالات

الكاتب السياسي "محمد علي محسن" |



كتبت مرارًا عن أنه لا وحدة أو تجزئة بالقوة ، وأكدت - أيضًا - أنَّ الوحدة بشكلها الجهوي القبلي الإستئثاري أنتهت بكفاح وحراك وثورة شعبية وحرب ، كما والتجزئة وفق مضامين الطرف المنهزم في حرب ١٩٩٤م أنتهت .

قلت هذا الكلام بينما كان فيه هدير الجماهير الغاضبة يشق عنان السماء ،وأصوات الميكروفونات تصم الأذنين ، وأصابع الصغار والشيوخ ملوحة وبحماسة بالسبابة والوسطى ، في إشارة إلى أثنين لا ثالث لهما ، إمَّا حياة بعزِّة ، وإمَّا موت بشرف.

اليمنيون خاضوا حروبًا وصراعات عنيفة ، في سبيل القضاء على الآخر المختلف سياسيًا وفكريًا ومذهبيًا وسلوكيًا ، ووصل بهم الأمر إلى تصفية الخصوم وبدوافع أنانية شخصية لا صلة لها البتة بسياسة أو اقتصاد أو دولة أو نظام .

سأذكر هنا أن سلطة قبائل الشمال شنَّت حربًا غادرة عام ١٩٧٢م ، وكان مبررها استعادة الجنوب الجامح ناحية المعسكر الشرقي الشيوعي الكافر إلى حضيرة الشمال المستحكم به أشياخ إقطاع وقبيلة وطائفة أعلنت نفيرها للذود عن حياض الإسلام والمسلمين .

وعندما تقوَّت شوكة سلطة النظام في دولة الجنوب أراد تحرير الشمال من قبضة المشائخ والقادة العسكريين الرجعيين ، فكانت حرب العام ١٩٧٩م فرصة تاريخية مكَّنته من إسقاط مناطق عدة عسكريًا وتسليمها للقوى السياسية التقدمية الموازية له في رؤيتها السياسية والإيديولوجية .

وفي المحصلة كلاهما أخفق في فرض هيمنته أو إحلال أفكاره بالقوة العسكرية ، فكان الحل الممكن هو الخيار الدبلوماسي السياسي السلمي .

جلسا الرئيسان سالمين والقاضي الإرياني فكان بيان طرابلس فاتحة لمسار وحدوي سلمي ، حوار أفضى إلى إتفاق سياسي أعاد القوة إلى ثكناتها ومكَّن الساسة من المباهاة به بإعتباره إنجازا تاريخيًا .

وبالنظر إلى تلك الحقبة السبعينية المشتعلة بالشعارات والصراعات العنيفة ، أعد مضامين البيان إنجازًا وحدويًا ، فمسمَّى" الجمهورية اليمنية " مخاض تخلَّق من هذا الإتفاق ، وتم التوافق عليه بمقترح ثالث قدمه العقيد معمر القذافي.

وبعد توقف حرب ١٩٧٩م جلسا الرئيسان علي عبدالله صالح وعبد الفتاح إسماعيل على طاولة مفاوضات رعتها دولة الكويت الشقيقة في عهد الشيخ جابر الاحمد الصباح رحمه الله ، وتمخضت عن إتفاق سياسي يؤسس لحقبة سلام وتعاون بين الدولتين في الشطرين ، ومن أهم مضامين الكويت لجنة دستورية واحدة لإعداد دستور الدولة اليمنية الموحدة .

المؤسف وبرغم كل ما حدث من صراعات وحروب ، ظلَّت السطوة العسكرية والأمنية مهيمنة على ما سواها من أفكار التنمية والاستقرار والسلام .

تجلَّت هذه الأفكار بارزة مع إعلان الدولة اليمنية الموحدة سلميًا ، فمع أنها أول فكرة سياسية تتحقق سلمًا ودون حرب ، إلَّا أن الفرحة بالعرس الكبير لم يمض عليها أشهر العسل ، إلَّا وبرزت لغة القوة والاستئثار ، فكانت الأزمة السياسية قد أفضت الى حرب ١٩٩٤م . 

النظام القبلي العسكري قدر له حسم الحرب واستعادة الجنوب إلى حضيرة الشمال ، فماذا كانت النتيجة ؟ تعرض التوحد لافظع عملية تشويه ، إقصاء وتهميش واستحواذ طال كل شيء الوظيفة والأرض والثروة والقرار ، ما يعني كان الثمن القضاء على أهم منجز سياسي سلمي تحقق لليمنيين .

وتكررت المأساة في حرب ٢٠١٥م عندما كرر الحوثيون وشريكهم الرئيس الأسبق حربهم على الجنوب والشمال معًا ، فكان من نتائج هذه الحرب أن الجنوب ومناطق عدة في الشمال قاومت واستبسلت عسكريًا .

فلم ترضخ محافظات الجنوب ، وإلى جانبها محافظات تعز ومأرب والبيضاء ؛ لفكرة استعادة السيطرة وبذات المنطق العسكري الإستئثاري الإخضاعي الذي عانت منه البلاد والعباد زمنًا طويلا .

ارادوا التوحيد بذات الأساليب والأدوات العسكرية القديمة دونما يفلحوا ، أو يتّعضوا ممَّا حدث في صيف ١٩٩٤م.

ومنذ تحررت عدن وجوارها والجنوبيين محلك سر ، فلأنهم استعادوا الجنوب أو ابقوا عليه ضمن مسار اليمن ، أرادوا فرض واقع سياسي بمنطق القوي المسيطر.

كما وينطبق الأمر على العاصمة صنعاء ومحافظات الشمال ، فلا الجماعة الحوثية المسيطرة عسكريًا وأمنيًا يمكنها حكم الشمال بمنطق الغلبة والقوة إلى ما لا نهاية.

بعض الساسة أو المختصين بالحالة اليمنية ، تجدهم يؤكدون أن بلاد اليمن ليست سويسرا أو دولة اسكندنافية ، بحيث يمكن احتواء الأزمات السياسية بادوات سياسية ديمقراطية . 

ومنطق مثل هذا واقعي ، فلابد للحق من قوة تسنده في ظروف كهذه ، لذلك توارى السياسي صاحب الرؤية وبرز للوجود متمنطق السلاح.

وأيا يكن الأمر ، فلقد خبرنا أن منطق القوة ربما فرض أجندته السياسية أو الفكرية أو العقدية ، لكنه لم ولن يكن حلًا ناجعًا وعادلًا بحيث يمكنه الاستدامة ، فعلى العكس من ذلك سيكون باعثًا لنوازع وتطلعات كامنة في نفوس وأذهان اليمنيين ، ما يعني عاجلًا أو آجلًا سيؤدي بنا جميعًا إلى دورات عنيفة جديدة .?.

ومما سبق ذكره ، ينبغي أن نعلم أن هذه الجماعات القبلية أو المذهبية أو السلالية أو الجهوية باعتبارها أقل وأدنى من أن يناط بها إدارة الدولة.

فهذه الكيانات المجتمعية العصبوية أعجز من أن تمثل الدولة الجمعية بمفهومها وقيمها الوطنية الحداثية ، ومحاولتها تكريس منطق سلطة القوة لن يجدي نفعًا مهما تراءى للبعض نجاعته ، فقد سبق اختباره في دورات عنف وحروب عدة.

ومنطق السلطة المسيطرة بالقوة لا بالكفاءة والرضاء الشعبي ، جميعها قوضت الدولة ، وبددت مواردها ، واستنزفت قدراتها ، في معارك سلطوية ثانوية لا ترتقي لمصاف معركة واحدة تخوضها الدولة المجسدة لتطلعات شعبها.

فماذا كانت النتيجة ؟ لا دولة قوية كائنة أو أن هناك سلطة حاكمة ومسيطرة على مجمل الجغرافية والبشر ، فما من هيمنة واستئثار إلَّا يقابلهما غبن وضيم ، والمحصلة فقدان الإستقرار السياسي الذي هو أهم منجز يحفظ الدولة ، ويقوي مؤسساتها ، ويحصِّنها من اي اختراقات محلية أو خارجية .

الحل من وجهة نظري في أن يتخلَّى كل طرف عن فرض أجندته السياسية على الأطراف الأخرى ، ينبغي أن تكون القوة العسكرية ضمانة لتحقيق أجندة وطنية تتماهى مع تطلعات ورغبات اليمنيين جميعًا.

فالمهم أن لا تتكرر أخطاء الماضي البعيد أو القريب ، وأن نتعلم من هذه الاخطاء ، فلا وحدة أو تجزأة يمكن فرضها بقوة السلاح ، فمثل هذه الأفعال سبق تجريبها وكانت نتائجها كوارث ومآسي مازالت ماثلة .

وعلى كل ذي عقل وبصيرة الإستفادة من أحداث تاريخنا الموغل في استخدام القوة بغرض الإكراه وإجبار الآخر للتسليم بمنطقه على ما فيه من إذلال وظلم وبواعث تثوير ومقاومة مجددًا ، فمنطق الغلبة القهرية لا يبني دولة عادلة مستقرة ، وإنما يخلق أزمات وصراعات بلا منتهى .