�نا عدن | متابعات
لم ينتظر رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى عودته من العاصمة الأمريكية واشنطن ليصدر أمرا بإغلاق معبر الكرامة الحدودي بين الضفة الغربية والأردن، في خطوة عقابية أولية ردا على موجة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين.
ومساء الثلاثاء الماضي، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن نتنياهو وجّه بإعادة إغلاق معبر الكرامة ابتداءً من الأربعاء وحتى إشعار آخر "بشكل كامل"، أمام مرور البضائع والأشخاص، بعد أن كان قد فُتح مجددا لأيام معدودة إثر عملية إطلاق النار الطعن التي وقعت فيه وقُتل فيها جنديان من جيش الاحتلال.
ورغم أن رئيس الهيئة العامة للمعابر والحدود نظمي مهنا أعلن استئناف العمل على معبر الكرامة اعتبارًا من الجمعة وفي كلا الاتجاهين، إلا أن ذلك لا يمنع تراجع الاحتلال عن فتحه، كما حدث الأحد الماضي.
ولئن كان نتنياهو لم يفصح عن أسباب إغلاق المنفذ الوحيد للفلسطينيين في الضفة الغربية على العالم، إلا أن كل المؤشرات تدل على الغاية العقابية وراء القرار.
ويعتبر الكاتب والباحث السياسي د. عقل صلاح أن قرار إغلاق المعبر يحمل بين ثناياه جملة من الرسائل السياسية العميقة، والموجهة إلى الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية، وللمجتمع الدولي والعربي، فضلا عن الشارع الإسرائيلي.
وأكد صلاح لـ"وكالة سند للأنباء" أن هذه الخطوة رسالة مباشرة للفلسطينيين بأن لا أمل في إقامة دولة مستقلة، وأن السيادة الإسرائيلية ستبقى هي العليا في الضفة، وإشارة واضحة بأن أي تحركات سياسية أو دبلوماسية فلسطينية ستواجه بالحصار والضغط.
وقال صلاح إن نتنياهو يحاول التأكيد للشارع الإسرائيلي التزامه بالأيديولوجية التلمودية التوراتية القائمة على فكرة "إسرائيل الكبرى"، وعدم الظهور بمظهر الضعيف أمام موجة الاعترافات الدولية.
كما يسعى للتأكيد لشريكيه في الحكومة؛ بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، تحالفه معهما على أساس مشروع ضم الضفة الغربية.
ويرى صلاح أن القرار يوجه رسالة إلى الدول التي اعترفت بدولة فلسطين، تقول إن اعترافها "لا يساوي الحبر الذي كُتب به" أمام قوة وسيطرة "إسرائيل" على الأرض.
كما تحمل رسالة إلى الدول العربية مفادها أن "لا حل سوى التسليم بقوة إسرائيل"، وأنه لا وجود لدولة فلسطينية.
ويرجح صلاح أن تكون هذه الخطوة مقدمة لخطوات عديدة يعزم نتنياهو اتخاذها عقب عودته من واشنطن، وتأخذ طابع المزيد من القوة وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة.
ومن بين الخطوات المتوقعة زيادة الدعم الحكومي للمستوطنين وشرعنة البؤر الاستيطانية، وتحويل الضفة والقدس إلى مساحات مضمومة فعليًا، وتصعيد القتل والهدم واستهداف الفلسطينيين، وإطلاق يد الجيش والمستوطنين.
ولا يستبعد سحب ما تبقى من صلاحيات للسلطة الفلسطينية، وإعادة الدور المركزي للحاكم العسكري والجيش الإسرائيلي في الضفة، مع قصر دور السلطة الفلسطينية على الجانب الإنساني والخدماتي.
وأكد صلاح أن الاستراتيجية الإسرائيلية تقوم على الضغط على الفلسطينيين لدفعهم إلى الهجرة الطوعية، عبر جعل الحياة في الضفة الغربية غير ممكنة بفعل الحصار والقتل والاعتقالات.
تداعيات اقتصادية واجتماعية وإنسانية
ويمر المعبر الحدودي بين الضفة الغربية والأردن من فوق نهر الأردن، ويعرف فلسطينيا باسم "معبر الكرامة"، وأردنيا بـ "جسر الملك حسين"، فيما تطلق عليه "إسرائيل" "جسر ألنبي" على اسم الجنرال إدموند ألنبي قائد الجيش البريطاني الذي احتل فلسطين.
ويُستخدم المعبر بالأساس من قِبل الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية، لحركة السكان والبضائع من الأردن إلى الأراضي الفلسطينية، وبالعكس.
ويخضع المعبر لإدارة ثلاث سلطات؛ هي الفلسطينية، والأردنية، وسلطات الاحتلال الإسرائيلي.
وتؤكد وزارة الاقتصاد الوطني أن إغلاق معبر الكرامة له تداعيات جسيمة على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والإنساني في فلسطين.
ولفتت الوزارة، في بيان صحفي الخميس، إلى أن هذا المعبر يعتبر المنفذ الرئيسي والوحيد لفلسطين، والذي يتم عبره تصدير المنتجات الفلسطينية لدول العالم، وكذلك استيراد المواد الخام والسلع.
وأشارت إلى تداعيات خطيرة للإغلاق على الصناعات، والمنتجات الزراعية، والأمن الغذائي، وحركة التصدير والاستيراد، وآثاره الكبيرة على الصعيد الإنساني وتنقل الأفراد، بالإضافة لتوقف جزء كبير من المساعدات الإنسانية التي يتم إدخالها لقطاع غزة.
واعتبرت الوزارة أن هذا الإجراء التعسفي يأتي ضمن سياسات الاحتلال الهادفة للتضييق على الشعب الفلسطيني، وخلق بيئة طاردة له، وفي إطار الابتزاز السياسي، والسياسات العقابية.
آلاف العالقين
ويبلغ معدل المسافرين عبر معبر الكرامة بنحو 25 ألف مسافر أسبوعيا بالاتجاهين، وأدى إغلاق المعبر إلى تكدّس وحشر آلاف المسافرين الفلسطينيين، ومنعهم من التنقّل لأسباب إنسانية وضرورية.
وبدوره، تقدم مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، بمذكرة قانونية عاجلة إلى الجهات الإسرائيلية المختصة ضد قرار إغلاق المعبر، باعتباره مساسًا خطيرًا وغير متناسب بحقوق السكان الفلسطينيين، الذين يعتمدون على هذا المعبر كمنفذ الوحيد للسفر إلى الخارج أو العودة إلى منازلهم.
وأكد مدير مركز القدس للمساعدة القانونية عصام العاروري، لـ"وكالة سند للأنباء" أن إغلاق المعبر يمثل عقوبة جماعية، وأن استمرار إغلاقه يفاقم الأزمة الإنسانية، ويمنع آلاف الأشخاص من ممارسة حقهم الأساسي في حرية الحركة والتنقل.
وأشار العاروري إلى أن الإغلاق يحرم المرضى والطلبة والأفراد من الوصول إلى العلاج ومقاعد الدراسة ولمّ الشمل الأسري، وحتى من تلقي علاجات منقذة للحياة.
وقال: "هناك مرضى لديهم جلسات منتظمة للعلاج الكيماوي في المستشفيات الأردنية، والانقطاع عن العلاج يشكل تهديدا كبيرا لحياتهم".
ولفت إلى أن الإغلاق يلحق خسائر مادية باهظة بالمسافرين العالقين خاصة في الجانب الأردني، إذ يضطرون للنزول بفنادق لأيام إضافية، وإنفاق المزيد من المبالغ، فضلا عن الانقطاع عن أعمالهم، منبّها إلى وجود طلاب لم يستطيعوا الالتحاق بجامعاتهم في الأردن ومصر.
وشدد العاروري على أن هذا القرار سياسي وليس أمنيا، إذ لا توجد أسباب أمنية تبرر المس بمجتمع بأكمله.
وأكد أن "إسرائيل" كقوة احتلال ملزمة وفق نصوص القانون الدولي الإنساني بتوفير حرية الحركة للمواطنين الواقعين تحت احتلالها.
وكالة سند للانباء