ما بال أنفسنا

2014/03/16 الساعة 02:43 مساءً

إن المتأمل في حياة النمل ليتعجب من طبيعة العمل المتواصل بلا كلل والجهد الذي لا يصاحبه ملل , ولكن لماذا النمل بالتحديد ؟ يقول الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي : " النملة حشرة اجتماعية راقية موجودة في كل مكان وفي كل وقت، بل إن أنواع النمل تزيد عن تسعة آلاف نوع. وبعض النمل يحيا حياة مستقرة في مساكن محكمة، وبعض النمل يحيا حياة الترحال كالبدو تماماً، وبعضه يكسب رزقه بجدّه وسعيه، وبعضه يكسب رزقه بالغدر والسيطرة... والنمل حشرة تموت إذا عُزلت عن أخواتها ولو توافر لها غذاء جيد ومكان جيد وظروف جيدة، كالإنسان؛ إذا عزلته في مكان بعيد عن الضوء والصوت والساعة والزمن والليل والنهار عشرين يوماً، فإنه يفقد توازنه العقلي" انتهى كلام الأستاذ النابلسي .. ولذلك فان حياة النمل شبيهة إلى حد كبير بحياة الإنسان وعلى الرغم من هذا التشابه الكبير فإننا أيضا نرى الفارق الكبير بين النمل وبيننا , فالنمل يؤثر التعاون ويعيش ويتعايش بل ويضحي لغيره , فإذا ما التقت نملة جائعة بأخرى شبعى، تعطي الشبعى الجائعة خلاصات غذائية من جسمها؛ ففي جهازها الهضمي جهاز ضخ تُطعم به, ونحن نؤثر الخصومة والعدوان ونختار العيش لأنفسنا فقط , كما أن النمل ليضع الصبر عنوانا له ونحن في المقابل لا نستطيع التحمل والصبر على بعضنا البعض .. فأين نحن من النمل ؟ وأين نحن من هذا التعاون ؟ وأين نحن من هذا التعايش مع الآخر ؟ إن النمل ليعلمنا دروسا قاسية ويسطر لنا معاني راقية ويضرب لنا مثالا عمليا للحياة الاجتماعية القائمة على المشاركة , هذه الأمور لتجعلنا نخجل من أنفسنا , ونخجل من هذا الكائن الصغير .. فما بالنا لا نعتبر ونتعلم وما بالنا لا ندرك ونتعض؟ثم ألا يجب أن نعي أن النمل لتنتهي حياته إلى زوال أبدي في هذه الدنيا بخلافك أنت أيها الموعود بحياة أخرى يجزيك الله بها خيرا إن أنت أديت أمانة الاستخلاف في الأرض حق الأداء,  يقول الله تعالى عن الأمانة : " وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ " إن اصطفاء الإنسان لحمل الأمانة وهذه الأمانة لم تكن فقط أمانة أداء العبادات والواجبات وإنما هي ذات معنى أوسع وأشمل فإعمار الأرض أمانة , والسلوكيات والأخلاق أمانة , وتعاملك مع الآخر أمانة أيضا , فعليك أن تراعيها على أكمل وجه وأن لا تؤديها بدافع براءة الذمة في أداء المهمة فقط فعن ابْنَ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهِمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهِمْ " .وكثيرة هي الأحاديث التي تدعونا وتحثنا على العمل الجماعي وتقبل الآخرين والصبر عليهم , لكن ! هناك ما يدعوني إلى الحيرة والتعجب فبعد كل هذا ولا زلنا نختار الندية والصراع واثبات الذات مسلكا وطريقا ,وحتى عندما ينتهي بنا الطريق إلى باب مغلق في علاقة ما فإننا نعود ونسلكه مرة أخرى في علاقة أخرى ولا نعتبر من المرات السابقة , ولم نكلف أنفسنا عناء أن نختار ونجرب طرقا جديدة  , والأدهى من ذلك أن البعض يتعمد تتبع عثرات الناس وتصيد أخطائهم ليجادلهم بها ويثبت صحة رأيه وتفوقه عليهم به وينتصر عليهم لإثبات ذاته , أو للدفاع عن فكرة يؤمن بها , وقد تناسى هؤلاء أن من تتبع عثرات أخيه سخر الله له من يتتبع عثراته , لذلك  فلنحرص على استمرار تدفق نهر الود بيننا ولنحافظ عليه من التلوث , ولنجعل شعارنا الدائم " كسب القلوب مقدم على كسب المواقف