كانت الساعة السابعة صباحاً تقريباً حينما أفقت من النوم على أصوات رصاص كثيف يطلق من كل مكان ،وأصوات تكبيرات تصدع من كل مئذنة ،لا أدري ماذا حدث ،أجهل كل شيء تماماً ،لا أسمع سوى أصوات الفرح التي خالطها البكاء تعلو المكان !
فتحت النافذة ونظرت من خلالها إلى الشارع العام،وإذا به قد أمتلئ عن بكرة ابيه بالرجال والنساء والأطفال .الرجال يبكون ويعانقون بعضهم بعضاً ،والنساء يزغردن بأعلى أصواتهن في مشهد عظيم حقاً، والأطفال يقفزون ويصرخون فرحين ضاحكين ؛ ماذا جرى ؟ لا أدري ! لم أصدق نفسي أنني في يقظة وحقيقة ،أعتقدت بأنني في حلم فرجعت إلى سريري وفركت عيني تماماً بعد أن جلست ،وتناولت كوب ماء كان بجانبي فشربته مرة واحدة،فأحسست بأن الماء يسري في عروقي ، فأدركت عندها أنني في علم وليس في حلم .
أصوات الرصاص والألعاب النارية التي تطلق في هذا الوقت لا زالت مستمرة وفي ازدياد ، الدنيا ضجيج وصخب ، وأصوات التكبيرات ترتفع أكثر فأكثر ، فنهضت مجدداً إلى نافذة أخرى تطل على شارع آخر ،وإذا بي أشاهد مشهد أعظم مما شاهدت في الشارع الأول ،حيث الجموع الغفيرة قد أصبحت أمواج بشرية عاتية تتلاطم في تناغم بهيج عميق وبهدوء متناسق كأغصان الياسمين حينما تغازلها الرياح .
الحيرة ما زالت تمتلكني ، والدهشة تحوم علي كالباز الأسود ، فأعيد النظر بتمعن في تلكم الأمواج البشرية فلا أرى سوى فرحاً على فرح ،وأصوات الأناشيد الحماسية تهز أرجاء المكان كالزلزال الذي تصل قوته إلى 5 درجات على مقياس ريختر .
أمتص المفاجئة قليلاً فانطلق مسرعاً إلى صالة المنزل التي تضم تلفاز ومذياع سامسنج ، فتأخذني دهشة كبيرة بأختفاء الذباب من المكان ! وأشم هواء نظيف نقي لم يكن كذلك قبل هذه اليوم ولم أشمه من قبل ؛ ألتفت مباشرة إلى جهاز قياس الكهرباء الذي يكون عادة ملاصق للوصلة الناقلة للكهرباء ،فتزداد دهشتي أكثر بأن قوة الكهرباء أصبحت 300ميقا وات بدلاً من 220 ميقا وات التي كانت هي القوة الأساسية للكهرباء !
على الفور ضغطت زر تشغيل التلفاز بكل قوة وفتحت " قناة الجزيرة " لأعلم ماذا يحدث ، فشاهدت في أقل من ثانيتين خبر عاجل أسفل الشاشة بالخط العريض لم يسعفني التلفاز لأرى عما يتحدث هذا الخبر الذي يعلوه نقلاً مباشراً من ستة أماكن ، كل مربع من هذه المربعات الست يظهر مشاهد مذهلة لاحتفالات شعبية واسعة النطاق تتخللها أهازيج الفرح والسعادة في أقوى أبتهاج بشيء لا أدري بعد ما هو!
لم يستمر التلفاز سوى أقل من ثانيتين فقط لينفجر عندئذ تاركاً علامات استفهام كثيرة على وجهي ! قد يكون سبب أنفجار التلفاز عدم تحمله للقوة الكهربائية التي لم يعتد عليها منذ خروجه من مصنعه ،وربما يكون السبب هو حالة الفرحة الشديدة التي شعر بها هذا التلفاز فأرد أن يعبر عن فرحته هذه بطريقته الخاصة .
كانت الأجواء مذهلة للغاية ،وكانت الأفكار تسابق بعضها بعضاً ، في الخارج الأجواء مشحونة بالفرح والأبتهاج ، وأنا مازلت في حيرة من أمري لا أعرف ماذا يجري ؟ !
أنتقل إلى مكان المذياع وأفتحه مباشرة على إحدى الإذاعات المحلية ،وإذا بأصوات التكبيرات والأناشيد تطغى على ما يقول المذيع الذي لا أسمع منه سوى عبارات قصيرة غير واضحة ممزوجة بالبكاء المعبر عن الفرحة العارمة التي تجتاح البلاد في هذه الأثناء .
فأغلق المذياع وألتقط سماعة الهاتف وأتصل على صديقي " ابو محمد " مرة ومرتين فلا يرد علي سوى جهاز الهاتف تلقائاً يخبرني بنغمة واضحة جميلة مختلفة لم تكن هي النغمة التي طالما أعتدنا عليها مراراً ،فأكرر مرة ثالثة فلحسن حظي يرد هذه المرة على مكالمتي ، وبدون أية مقدمات أصرخ في أذنه من خلال الهاتف بأعلى صوتي : ماذا يحدث ؟ ماذا يجري ؟
فأسمعه يدندن بكلمات غير مفهومة وواضحة بسبب بكائه الشديد الذي يخالط أصوات الضجيج والصخب التي تنطلق من حوله مثل هزيم الرعد ، فيُغلق الهاتف تلقائياً على هذا الحال !
أتجه مباشرة إلى الحمام لكي استحم وأخرج لأعرف من الناس ماذا حصل ؟ أفتح صنبور الماء،فأتمضمض ببضعه وإذا بي أذوق أعذب ماء أجده في حياتي ! لم يكن هذا الماء شبيه بكوب الماء الذي شربته قبل لحظات ، ذلك لأن كوب الماء كان منذ الليل ،وأما ماء الصنبور فهو انقلب خلال الصباح إلى عذباً كريماً بعد ما كان قبل ذلك ملحاً أجاج .
زادت دهشتي واستغرابي من هذه التحولات التي حدثت بين ليلة وضحاها ! بعد أن استحممت خرجت مولياً إلى المطبخ ، وهنا كانت مفاجئة أخرى في أنتظاري ، دخلت المطبخ وإذا بجميع الأرفف الموجودة والتي لم يكن بها سوى " حبة معكرونة المائدة ،بالإضافة إلى واحد بسكويت ابو ولد وحبة فاصوليا محلية الصنع " ممتلئة عن آخرها بجميع أنواع المأكولات الطيبات التي ليس من بينها ما هو مصنوع خارجي، لم أصدق هذا ! مددت يدي إلى الثلاجة فاتحاً إياها وإذا بها تغص بالفواكه والخضار واللحوم والأسماك الطازجة ! من وضع هذا ؟ كيف حدث هذا ؟ لا أدري ، غير أنني أعرف أن هذا قد حدث .
لم أستطع أن أتناول أي من هذا الطعام ،لأنني قد فقدت شهيتي نتيجة لما يحدث ،وبسبب الذوهل الكبير الذي لايزال يمتلكني إلى اللحظة .
هذا الجزء الأول من قصة " وأخيراً تحقق حلمنا " وإنشاء الله في المرة القادمة نستكمل الجزء الثاني الذي هو أكثر تشوقاً وغرابةً من الجزء الأول .