قبل اقل من اربعة وعشرون ساعة من مهلة من يسمون(بأنصار الله) ، تناقلت الاخبار موقف الحكومة والرئاسة اليمنية من ظغوطات من يحاصرون صنعاء ويعيدون مشهد قديم بسيناريو جديد ، تشكيل لجنة رئاسية ليست نهاية المشكلة ولكن البعض تنفس الصعداء ، من وجهة نظري ان الوساطة المحلية لن تجدي نفعا لانها صادرة من موقف ومركز دولة ضعيفة ، ولكن هناك مبادرة عمانية لدى ايران ، للحيلولة دون تصعيد الموقف ، ومن هنا تفاوض اللاعبين الاقليميين السعودية وايران هو المنطق الواقعي في مثل هذه الظروف ، لان امر اليمن اصبح للاسف بيد غيرهم منذ عقود مضت ، ماذا حل باليمن السعيد ليتحول لحقل تجارب ساسة فاشلين بتحالف العسكر مع القبيلة او الاسلام السياسي المتعطش للسلطة ، عموما المشهد اليمني غداة الربيع العربي ملبد بالغيوم ويزداد قتامه وغموضا يوما بعد يوم ، فالمبادرة الخليجية التي يتشدق بها الجميع ملغمة أساسا وتحمل بذور فنائها في طياتها ، بدليل هذا التعثر وتداخل المشاريع بين نظامين في غمد واحد ، فرغم منح الرئيس السابق حصانة لم يكن يحلم بها أي دكتاتور عربي ، إلا انه لازال محور اللعبة السياسية ، وبقائه في ممارسة نشاطه السياسي أصبح ذريعة لخصومة ولتعثر العملية السياسية بالفعل ، كما ان استحقاقات تلك المبادرة من وصول رئيس توافقي قذفت به الأقدار لسدة الحكم وما نتج عن ذلك من حوار وطني طال أمده شاركت فيه كل ألوان الطيف السياسي بما فيهم انصار الله انفسهم ، ونتج عنه مخرجات اتفق عليه الجميع إلا أن الواقع يسير في اتجاه معاكس فلا دور للنخب المثقفة ، او الوجاهات الاجتماعية والدينية وكذا الاقتصاديين او حتى عقلاء السياسة ، وكذا من قادوا ثورة التغيير المفترض ، فالقوة هي سيدة الموقف وفرض أراء وأفكار ورؤى من فوهة البندقية هي منطق ساسة اليمن اليوم ، وطبول الحرب تدق مجددا ، وبعد ما يقارب الأربع سنوات من الربيع العربي في نسخته اليمنية فأن صنعاء مدينة مفتوحة على كل الاحتمالات ، ولن تستطيع الدولة الهشة المتآكلة ان تفرض هيبتها بعد ان مرغتها عنهجية الإسلام السياسي المستفيد من هذه الفوضى الخلاقة ، سوا في اقصى الجنوب او اقصى الشمال ، بل وفي عقر دار النظام ، واستغلاله نقمة الشارع من سؤ الحال الذي آلت أليه ظروف اليمنيين اقتصادية واجتماعيا وسياسيا.
أمريكا منحت العراق لإيران في طبق من ذهب ، مالم تستطيع إيران عمله خلال ثمان سنوات من الحرب التي انتهت بمقولة الخميني(كأنه قد تجرع السم). وفي اليمن منح السعوديين ورئيس النظام السابق مايسمون بالحوثيين فرصة ما لم يستطيعون في ستة حروب هزلية كان هدفها فقط استعطاف الخارج وإرضاء الداخل ، فقد كانت مجرد حروب تحريك وليس تحرير ، من مفارقات المشهد اليمني ان حلفاء الأمس أصبحوا أعداء اليوم والعكس صحيح ، فقد شارك بعض من شيعة صالح احتجاجات الاثنين الماضي ، ومعلوما بأن الآلة الإعلامية الضخمة للرئيس السابق تنافس بل تضاهي إعلام الحكومة نفسها والتي يشارك في معظمها ويعارضها في نفس الوقت !
وهو الأمر نفسه لإعلام الإسلام السياسي فيما يعرف بأنصار الله ، اذ ان هاتين القوتين هما المسيطران على الإعلام اليمني تقريبا، ويشاع بأن هناك دعما خفيا ولوجستيا ًمن قبل (الدولة العميقة) للنظام السابق مع أصحاب التيار الجديد الصاعد كالصاروخ اللافت والمضحك فعلا بأنهم يلعنون صالح ليلا ونهارا رغم مساعدته السخية وتعاطفه ناسيا بأن قتل القائد حسين الحوثي وهي جريمة لا تغتفر بالطبع حسب مفردات الواقع السياسي اليوم ، ولاشك بأن السعودية هي الأخرى سستتجرع السم في آخر المطاف فيما لو سارت الأمور كما هي عليه اليوم ، عندما يصحون الجيران ذات يوم وخصومهم على أطراف مملكتهم ، اما الرئيس السابق فقد بدأ العد التنازلي لا محالة ، ويمكرون والله خير الماكرين ، قوة التيار الحوثي ليست فيما يحمله من قيم ، فكل الأحزاب والتيارات السياسية والدينية في اليمن منذ عقود تدعي العدالة والإنصاف والدولة المدنية التي تغنوا بها حينا من الدهر ، الذي سهل لهم المهمة هو عدم ثقة المواطن في حكومة الفساد ونظام المحاصصه السياسية والذين انصار الله اعضاء فيها ، والفساد القديم الجديد الذي جثم أكثر من ثلاثة عقود بل نحو نصف قرن من البحث عن الوهم.
من يستفيد من هذه الفوضى الخلاقة اليوم هي الحركات الارهابية وكذا الأحزاب الدينية وعلى رأسها الإسلام السياسي والذي لم يعد مناسبا لليمن لان الشعب اليمني باختصار ليسوا على مذهب واحد وهم شيعاً وقبائل ليتعارفوا !
تصاعد الاحتجاجات التي يقودها تيار ماعُرف بأنصار الله ضد حكومة ائتلافية شارك فيها كل أطياف العملية السياسية المؤقتة ، وذلك بحجة الجرعة الاقتصادية وهو حق اريد به باطل ، فكيف يعارضون حكومة هم شركاء فيها ، وهي فترة انتقالية اتفق عليها بموجب نتائج الحوار الوطني ، اليمنيون اختلطت عليهم عدد من المفاهيم فالحكم العائلي لنظام صالح هم من يفترض ان تقوم ثورة عليه ، وكذلك لا مستقبل لحركة تفرض فكرتها بقوة السلاح ، وهو الأمر نفسه لا مستقبل لنظام يستقوي بالخارج ، فلا هذا سيفلح ، ولا ذاك سيكسب الجماهير ، الجرعة التي تمت هي بموافقة حكومة توافقية فرضتها الظروف الاقتصادية ولم يكن يستفيد من الدعم الحكومي سوى اللصوص ومراكز القوى ، كما ان الجرعة تمت بعد دراسة اقتصادية وتشاور كل القوى ناهيك عن دعم وإيعاز خارجي البنك الدولي والمانحين ومن الصعوبة التراجع عنها ، وفساد السلطة تأسس منذ ثلث قرن مضى وهي عملية تراكمية وليست وليدة اليوم ، معاً لمواجهة الفساد والاستبداد ، ولا للإسلام السياسي والغرور والنصر المرحلي المؤقت باسم الشعب فهتلر وموسليني كانت صولاتهم وجولاتهم باسم الشعب وهتلر وصل السلطة بطريقة ديموقراطية . ان تنامي الاحتجاجات على هذا النحو الطائفي دون اليمن كله سيعجل من فكرة تقسيم اليمن الذي باتت فعلا قاب قوسين او ادني ، لقد تجاوزت إفرازات الربيع العربي في نسخته اليمنية أحلام اليمنيين في دولة نظام وقانون في دولة تجمع ولا تفرق ، حتى التقسيم الفدرالي ملغم طائفيا واقتصاديا ، والدستور المقترح بنا على مخرجات ذلك الحوار ، قد يكون تماما كدستور (بريمر) في العراق حيث يتجرع العراقيين تناقضات دستورهم ، تجاوز الربيع اليمني في ان يرحل من عبثوا بأحلامه عقود من السنين وانصب غضب الثائرين اليوم على حكومة ائتلافية مؤقتة لا حول لها ولا قوة.
لم يكفي هؤلاء اللصوص أنهم سرقوا ثورتنا ، بل قطعوا أمل ثورة مستقبلية ، لان الجماهير لم ترى نتيجة على الأرض بل فساد متواصل ، ومن هنا كان نجاح ما يسمون بأنصار الله ، غداة الربيع العربي في نسخته اليمنية والشعب اليمني من وهم إلى آخر وفترة انتقالية تلد أخرى ، وحوار يفرز حوارات ، كنا خلال الحوار الذي طال أمده على أمل ان يجتمع اليمنيون على كلمة سواء ولكن من المفارقات ان من اندلعت الثورة ضدهم ، هم انفسهم من يرسمون ملامح مستقبل اليمن.!
وكان اليمنيون على أمل دستور يعكس معاناة الشعب ويلملم جروحه ولكن فوجئ بخيارات الفدرالية التي تقسم ولا تفرق ، فمشكلة اليمن هي سؤ العلاقة بين الحاكم والمحكوم وليست بين الشعب والأرض ، فما ذنب الوطن يقسم بسكاكين الساسة ، وكان اليمنيون على امل انتهاء الفترة الانتقالية ويلج لدولة مدنية يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات ولكنه فوجئ بأن داست أجزاء من أراضية سنابك خيول الإسلام السياسي المتطرف من اقصى الجنوب الى شمال الشمال بل الى قلب العاصمة ، والذي غدى يفرض شروط متمترساً في أطراف العاصمة المنهكة فارضاً على الدولة المؤقتة الفتية التي ارتضى بها الجميع العين الحمراء فهل يعقل إننا نعيش القرن الواحد والعشرين عندما يفرض طرفاً سياسياً رؤيته عبر فوهة البندقية؟
الذهول والتبلد السياسي سيد الموقف ، ايُعقل ان اليسار اليمني العريق منذ الخمسينيات والحزب الاشتراكي تحديدا نصير الفقرا والكادحين وصاحب ايدلوجية (البروتاريا)وكذا القوميين من أحزاب البعث والناصري ، يصبح البعض منهم حلفاء للحزب( القائد ) والذي استفرد بالسلطة على غرار الحزب القائد في بلدان أوروبا الشرقية في ابان الحرب الباردة ، ويصبحون مجرد ديكورات ومحلل سياسي ، ويخرج أصحاب الإسلام السياسي ليضعوا أنفسهم أنصار الفقراء والمحرومين لمقارعة الاستبداد ، اخيراً يتساءل الكثيرون اليوم ، وانا منهم ... أين اليسار اليمني من كل ما يجري